أثار حكم المحكمة الدستورية العليا في
مصر، السبت الماضي، بأحقية الموظف الحكومي المسيحي في الحصول على عطلة مدفوعة الأجر ليتمكن من زيارة الأماكن المقدسة في
القدس؛ جدلا في مصر حول أثره على الترويج للتطبيع مع إسرائيل.
وقضت المحكمة بعدم دستورية أحد بنود قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر سنة 1978، الذي قصر أداء فريضة الحج على المسلمين ومنحهم عطلة مدفوعة الأجر مدتها شهر، ولم يعترف بالحج إلى بيت المقدس للموظفين المسيحيين.
وينص الدستور المصري على أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، دون النظر إلى دينهم أو عرقهم أو جنسهم.
موقف غير حازم
ويقول مراقبون إن موقف الكنيسة الأرثوذكسية الآن لم يعد حازما تجاه حظر السفر إلى القدس، كما كان في عهد البابا شنودة، خاصة في ظل المطالبة المستمرة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ للبابا تواضرس بالسماح للأقباط بزيارة المواقع الدينية هناك.
وتمنع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، التي ينتمي لها غالبية الأقباط المصريين، رعاياها من زيارة القدس والأماكن المقدسة في الأراضي المحتلة، لحين قيام دولة فلسطينية، حيث كان البابا الراحل كيرلس السادس، قد أعلن رفضه زيارة القدس في أعقاب هزيمة عام 1967.
وفي عام 1980 قرر المجمع المقدس؛ منع الأقباط من زيارة المدينة فى ظل الخلاف العميق بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
لكن بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013 عاد آلاف الأقباط الأرثوذكس لزياة القدس مجددا، حتى إن البابا تواضروس نفسه زار المدينة المقدسة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015 لحضور جنازة مطران القدس، الأنبا إبراهام.
وفي نيسان/ أبريل الماضي أقامت شركات طيران مصرية جسراً جوياً بين مطاري القاهرة وبن غوريون في تل أبيب، لنقل قرابة ستة آلاف قبطي لحضور أسبوع الآلام وعيد القيامة بالأراضي المقدسة، مخالفين قرار الكنيسة الأرثوذكسية، الأمر الذي قوبل بانتقادات كبيرة من سياسيين ونشطاء مسلمين وأقباط، حيث اعتبروه أحد أشكال التطبيع مع إسرائيل، ويعطي شرعية للاحتلال الإسرائيلي، بينما اكتفت الكنيسة بالتأكيد على التزامها بقراراها القديم.
وبرر القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، زيارة البابا للقدس وقتئذ؛ بقوله إنها "زيارة استثنائية لتقديم العزاء وأداء صلاة الجنازة على روح الأنبا إبراهام، ولا تعني تغيرا في موقف الكنيسة الرافض لزيارة القدس".
ليس تطبيعا
وتعليقا على حكم الدستورية الأخير، قال أستاذ العلوم السياسية مصطفى كامل إنه حكم جيد ويعيد للمسيحيين حقا من حقوقهم المهدرة، نافيا أن يكون الحكم دعما للتطبيع مع إسرائيل كما يرى البعض.
وأكد كامل، لـ"عربي21"، أن الحكم يرسخ مبدأ المساواة بين المصريين الذي نص عليه الدستور، مشددا على أن المسيحيين أصبح من حقهم أن يؤدوا شعائرهم الدينية في الأماكن المقدسة مثل المسلمين.
واعتبر أن القرار القديم بحظر السفر للقدس تم اتخاذه بناء على "موقف عدائي تاريخي" للبابا شنودة من زيارة المسيحيين لإسرائيل، حيث اعتبر بشكل صريح أن من يخالف قراراه يعد خائنا للكنيسة، وهو ما رأى فيه كامل تعبيرا عن التضامن مع الفلسطينيين ورفضا للاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح كامل أن مجموعة من المسيحيين رفعوا هذه الدعوى أمام المحكمة الدستورية، بعدما رأوا عدد من البطاركة والقساوسة يزورون القدس على استحياء في السنوات الأخيرة، وكان آخر زيارة التي قام البابا تواضروس العام الماضي، وبالتالي "لم يعد ذهابهم إلى هناك خيانة"، كما قال.
يصوب قرارا مسيسا
من جانبه، قال أستاذ القانون محمود كبيش؛ إن الحكم انتصر لمبدأ المواطنة ورفع الظلم عن المواطنين المسيحيين بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون التي تنص على تساوي المصريين في الحريات والحقوق بغض النظر عن دينهم.
ورأى كبيش لـ"عربي21" أن قرار الكنيسة السابق "كان مسيسا من البابا شنودة الذي حرم الأقباط من حقوقهم بسبب الظروف السائدة في ذلك الوقت، وتحتم عليهم أن يقوموا بهذه الشعائر تحت رعاية الكنيسة، لكن الآن أصبح من حق المسيحيين أن يزوروا القدس كل عام حتى دون انتظار موافقة الكنيسة".
لن نسافر للقدس
من جانبه، أوضح المحامي القبطي نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، أنه أقام الدعوى منذ عامين، موكلاً من مجموعة من الموظفين المسيحيين الراغبين في زيارة القدس، واصفا الحكم بأنه خطوة هامة نحو تمتع المسيحيين بحقوق المواطنة كاملة.
لكن جبرائيل أكد، في تصريحات صحفية، أن الحكم لن ينفّذ على أرض الواقع في ظل التزام الكنيسة الأرثوذكسية بقرار البابا شنودة، موضحا أن الطوائف المسيحية الأخرى يمكنهم الاستفادة من الحكم والحصول على
إجازة مدفوعة لمدة شهر كامل للسفر للقدس.
إلى ذلك، رحّب نواب أقباط في البرلمان بهذا الحكم، قائلين إنه يلفت الاهتمام للمزيد من المساواة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، حيث قال النائب أشرف إسكندر إن الحكم يفتح الباب أمام منح المسيحيين حقوقهم، ومن بينها إلزام وزارة التعليم بعدم إقامة الامتحانات أثناء مناسبات المسيحيين، كما قال.