نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها للشؤون العسكرية مايكل غوردون والصحافي المتخصص في شؤون الإرهاب إريك شميت، تناقش فيه دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين، تحضيرا للهجوم على مدينة الرقة.
ويقول الكاتبان إن "القائد العام، الرئيس باراك
أوباما، يواجه قرارات صعبة في أواخر أيامه في المنصب، فهل يمضي قدما في خطط لتسليح المقاتلين
الأكراد السوريين، الذين يقاتلون
تنظيم الدولة، ليقوموا بشن هجوم طال انتظاره على الرقة، العاصمة الفعلية للتنظيم؟".
ويضيف الكاتبان أن "الخيارات بالنسبة لأوباما صعبة، وأحدها هو إقامة تحالف عسكري أقوى مع الأكراد السوريين؛ لإبقاء زخم القتال ضد تنظيم الدولة، مع أن تركيا شجبت المقاتلين الأكراد بصفتهم إرهابيين، والخيار الثاني هو أن يترك أوباما القرار للإدارة القادمة، وذلك سيؤخر عملية الرقة لعدة شهور، وهو يعني أيضا أن أوباما سيغادر البيت الأبيض دون خطة واضحة للسيطرة على أهم معاقل تنظيم الدولة وقاعدته لتخطيط الهجمات الإرهابية على الغرب".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن أوباما عقد اجتماعا يوم الثلاثاء لمجلس الأمن القومي، حيث تمت مناقشة القضية، وهي الأهم في حملة أمريكا ضد تنظيم الدولة، لافتا إلى أن البيت الأبيض رفض الإفصاح عن القرار الذي توصل إليه أوباما، لكن بعض المسؤولين في الإدارة يعتقدون أنه من غير المحتمل أن يقوم بحل هذه القضية الخلافية في آخر لحظات رئاسته.
وتجد الصحيفة أن "ترك مثل هذا القرار المفصلي للأسابيع الأخيرة من حكم أوباما يعكس مدى التعقيد في الحوار حول العمل مع وحدات حماية الشعب الكردية، بالإضافة إلى الحذر في نهج أوباما حول إرسال جنود أمريكيين للقتال في المنطقة".
ويلفت الكاتبان إلى أن أوباما وعد بأن يوجه ضربة قاصمة لتنظيم الدولة في الموصل والرقة قبل أن يخرج من مكتب الرئاسة يوم الجمعة، مشيرين إلى أن عدد الغارات الجوية التي شنها التحالف ضد الرقة زاد في الأسابيع الأخيرة، مع محاصرة آلاف المقاتلين الأكراد والعرب للمدينة، حيث يمنعون وصول الوقود والمقاتلين إلى داخل المدينة، وأمر أوباما بإرسال 200 من قوات العمليات الخاصة الأمريكية الشهر الماضي إلى
سوريا؛ لمساعدة المقاتلين المحليين المتقدمين إلى الرقة، مضاعفا بذلك عدد العسكريين الأمريكيين على الأرض هناك.
ويستدرك التقرير بأن الجيش الأمريكي يعتقد بأنه لا يمكن السيطرة على الرقة ما لم يتم تزويد وحدات حماية الشعب الكردية بالمعدات اللازمة لحرب المدن، لافتا إلى أن مستوى الدعم الذي سيبقي عليه الرئيس المنتخب دونالد
ترامب لمجموعات المعارضة التي تحارب تنظيم الدولة، خاصة تلك القوات التي تعارض تركيا بشدة" ليس واضحا.
وتنوه الصحيفة إلى تصريحات وزير الدفاع أشتون كارتر، الذي شدد فيها على أهمية الرقة خلال زيارة لقاعدة فورت كامبل في كنتاكي في كانون الثاني/ يناير 2016، حيث قال: "الورم الأصلي لتنظيم الدولة له مركزان: الرقة في سوريا والموصل في العراق.. ولذلك فإن خطة حملتنا تحتوي على سهمين كبيرين، أحدهما يشير إلى الموصل، والآخر يشير إلى الرقة".
ويكشف الكاتبان عن أن "مسؤولين أمريكيين، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، وصفوا المداولات الداخلية للإدارة، وهناك حوالي 250 ألف مدني في الرقة، بالإضافة إلى قيام تنظيم الدولة بتحصين المدينة بالخنادق والألغام، وسيدافعون عنها بالانتحاريين، ولأن إدارة أوباما استبعدت استخدام قوات برية أمريكية، أصبح على أمريكا أن تعتمد على حشد قوات عربية محلية تنضم للمقاتلين الأكراد، وقال المسؤولون العسكريون الأمريكيون بأن من الضروري استعادة الرقة؛ لأنها عاصمة تنظيم الدولة، وتشكل ملاذا لكبار قيادييها ومركزا للتخطيط لهجمات ضد الغرب".
ويفيد التقرير بأن البنتاغون، الذي ترى قياداته أن الأكراد يشكلون أهم حليف فعال على الأرض، حث الرئيس أوباما على تزويدهم بعربات مصفحة ومدافع "آر بي جي"، ومدافع رشاشة، وغيرها من المعدات الثقيلة؛ لينطلق الهجوم الذي تدعمه أمريكا في شهر شباط/ فبراير.
وتورد الصحيفة نقلا عن المسؤولين العسكريين الأمريكيين، قولهم إن هناك حاجة للأسلحة؛ لأن المحاولات العراقية لاستعادة الموصل أثبتت أن استعادة مدينة يحتلها تنظيم الدولة المسلح بسيارات الانتحاريين عملية صعبة ودموية، مشيرة إلى أن البنتاغون حث البيت الأبيض ليأذن باستخدام طائرات الأباتشي الأمريكية المزودة بصواريخ (هيلفاير) ولدعم عملية الرقة، حيث إن الطائرات ذاتها تستخدم في دعم القوات العراقية التي تحاول استعادة الموصل.
ويرى الكاتبان أن "تسليح الأكراد سيفاقم من علاقة أوباما المتوترة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يزعم بأن وحدات حماية الشعب مرتبطة مع حزب العمال الكردستاني، الذي تعده كل من تركيا وأمريكا حزبا إرهابيا، وكانت الإدارة تبحث عن طريق للتخفيف من قلق تركيا، مثل أن تقوم بترتيبات لمراقبة الأسلحة التي تعطى للأكراد السوريين من أجل هجوم الرقة، لتمنع من استخدام تلك الأسلحة من الأكراد في أماكن أخرى، وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن للقوات العربية أن تبقى في الرقة بعد استعادتها، في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الكردية".
وبحسب التقرير، فإن أمريكا بدأت مؤخرا بالقصف بالقرب من بلدة الباب في شمال سوريا، التي تكافح تركيا لاستعادتها من تنظيم الدولة، مستدركا بأن الدبلوماسيين الأمريكيين في أنقرة حذروا من أن تقديم أسلحة لوحدات حماية الشعب قد يثير ردة فعل لدى الأتراك، بحسب المسؤولين، حيث إنها لن تتسبب فقط في إحداث هوة عميقة في علاقات أمريكا مع أردوغان، لكن قد يقوم الأتراك بفعل ضد وحدات حماية الشعب، يقوض الهجوم على الرقة.
وتبين الصحيفة أن الأتراك يقومون بالضغط بصمت، عن طريق تأخير المصادقة على المهمات الجوية الأمريكية التي تنطلق من قاعدة إنجيرليك، وكذلك الإمدادات الداخلة والخارجة من القاعدة؛ لتوقعهم قرارا من أوباما، لافتة إلى أن قاعدة إنجيرليك هي المركز الرئيسي للغارات الجوية على تنظيم الدولة في سوريا والعراق.
ويذكر الكاتبان أن حساسية تركيا حول الموضوع ظهرت الأسبوع الماضي، عندما قامت القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على العمليات في الشرق الأوسط، بنشر بيان لقوات سوريا الديمقراطية على "تويتر"، تقول فيه إنها ليست جزءا من حزب العمال الكردستاني، كما تدعي "بعض الحكومات الإقليمية"، ورد المتحدث باسم أردوغان، إبراهيم كالين، في تغريدة قائلا: "هل هذه مزحة؟.. هل فقدت @CENTCOM رشدها؟".
ويشير التقرير إلى أن بعض مسؤولي الإدارة يرون أنه لمواجهة هذه المعضلة، فإنه يجب العودة إلى طاولة التخطيط، ومحاولة تجميع قوة تكون أكثر تنوعا، وتضم قوات خاصة تركية مدعومة بمقاتلين من فصائل المعارضة السورية للاستيلاء على الرقة، لافتا إلى أن القادة العسكريين الأمريكيين يقدرون بأن هناك حاجة إلى 20 ألف جندي للاستيلاء على المدينة، وبالمقارنة، فإن تركيا لم تستطيع جمع سوى ألفي مقاتل عربي في معركتها للاستيلاء على بلدة الباب، وتعطلت الحملة بسبب المقاومة القوية.
وتذكر الصحيفة أن المسؤول الأمني الكردي في مناطق الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق مسرور بارزاني، اقترح على الأمريكيين، خلال زيارة له إلى واشنطن الشهر الماضي، العمل مع الأكراد السوريين، الذين لا علاقة لهم بوحدات حماية الشعب، وهي مجموعة تسمى "روج بش" تدربها البشمركة، وهي مقبولة سياسيا للأتراك، ويصل عددها حوالي 3300 شخص، وقال بارزاني: "إن (روج بش) فعالة جدا ومتنوعة سياسيا.. ويمكن لها أن تكون جسرا يخفف من التوتر الإقليمي، وتكون زيادة للقوة المستخدمة في الحملة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن البنتاغون يقول إن وحدات حماية الشعب لديها أفضل المقاتلين، وهي تحاصر الرقة، لافتة إلى أن محاولة تجميع قوة أخرى وتسليحها قد يكون صعبا، وفي أفضل الأحوال فإنه يأخذ أشهرا كثيرة.