يبدو أن الاهتزازات الارتدادية لا زالت تتفاعل عقب صدور القرار 2334 حول الاستطيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في عام 1967، وخاصة فيما يتعلق بعدم استخدام إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حق النقض (الفيتو)، والاكتفاء بالامتناع عن التصويت، للسماح بتمرير هذا القرار بأغلبية مطلقة تتمثل في جميع أعضاء مجلس الأمن.
في الأراضي الفلسطينية، لا زال الكثيرون يتراقصون رقصة السامبا، ويفاخرون بهذا النصر المعنوي وهذا حقهم بالتأكيد! وبالمقابل في إسرائيل، فإن الصورة مغايرة، حيث هناك ردود فعل عصبية بدأت بالإعلان عن قطع الدعم لبعض الدول التي تبنت مشروع القرار والتي تدعمها، كما أنها أعلنت بأنها ستباشر ببناء وحدات سكنية جديدة داخل المستوطنات، وقطعت العلاقة مع السلطة الفلسطينية، وحصرتها بالتنسيق الأمني فقط!
ففي مقالٍ افتتاحي في صحيفة يديعوت أحرونوت الصادرة الأحد (25/12/2016)، بعنوان "ضربة تلاحق ضربة"، عبّر الصحفي الإسرائيلي المعروف، ناحوم برنياع، عن أنه بعد خمسين عاما من الغمز والتضليل والخداع الذاتي؛ يسعى العالم لأن يقول للإسرائيلين بأغلبية 14 ضد صفر: لقد حان وقت الحقيقة! فلا يمكن الاستمرار في بناء المستوطنات والتطلع إلى السلام في الوقت نفسه، محذرا بأنه بعد الضربة التي تلقتها إسرائيل في مجلس الأمن يوم الجمعة (23/12/2016)، سيكون هناك ضربة أخرى في شكل خطاب لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي سيرسم فيه صيغة لاتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني، وسَيُفَصل فيه مبادئ يفترض أن توجه الفلسطينيين والإسرائيليين؛ للأخذ بها كقاعدة لانطلاق عملية السلام المنشودة، حيث تتضمن رسم الحدود على أساس خطوط عام 1967، مع الأخذ بعين الاعتبار مرونة تبادل الأراضي، وأن تكون هذه الدولة مجردة، كما أنه سيحدد ملامح حق العودة للدولة الفلسطينية وغيرها! وأشار إلى أن هذا الأمر لا يسعد إسرائيل بالتأكيد، خاصة أن هناك خشية من أن خطاب الوزير جون كيري ربما يفتح الباب أمام تبني مشروع قرار آخر في مجلس الأمن بشأن ما سيجيء فيه الخطاب، حيث إن إسرائيل تعلم بأنها أدارت ضده مساعي ضغط نشطة في واشنطن وفي الأسرة الدولية، ولذلك هناك خشية في إسرائيل من إمكانية أن تمتنع إدارة الرئيس باراك أوباما عن استخدام حق النقض الفيتو مرة أخرى أيضا، وبذلك يتم تمرير قرار آخر داخل مجلس الأمن يمثل تهديدا إضافيا، ولكن أكثر خطورة بكثير على مكانة إسرئيل في الأسرة الدولية.
يبدو أن البعض يريد لعقولنا أن تتنحى جانبا، لذلك أود التذكير هنا بأمر مهم، جاء في سياق خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2016، الذي أشار فيه إلى نقطتين مهمتين للغاية هما:
أولا: قال إن الصراع مع الفلسطينيين لم يكن أبدا حول المستوطنات أو إنشاء دولة فلسطينية، وإنما كان دائما حول الاعتراف بدولة يهودية ضمن أي حدود!
ثانيا: ركز على تسويق مكانة إسرائيل العالمية في مجال التكنولوجيا والفضاء والمياه والزراعة، وأشار إلى أن المستقبل للذين يبتكرون فقط، لذلك قدم دعوة إلى دول العالم للتعاون مع بلاده لخلق مستقبل زاهر يبهر العقول، وفيه سلام ورخاء ويبعث على الأمل للإنسانية كما قال!
ففي النقطة الأولى حدد نتنياهو مَعالم الصراع، ويبدو بأن الأمور تسير في اتجاه تسهيل هذا الأمر من جهة، وضمان ترسيخه وخروجه للحياة من جهة أخرى، حتى لو كان ذلك من خلال الإعلان عن كيان فلسطيني ضمن المقاييس التي تريدها إسرائيل.
أما في النقطة الثانية، فهو تحدث عن المكانة التي وصلت إليها إسرائيل في علاقاتها الدولية، وبالتالي ليس مستغربا أن يتم تمرير قرار مثل القرار 2334 ضمن حيثياته حتى في مجلس الأمن، وذلك من باب المناكفات، طالما أنه خرج في الوقت الميت سياسيا، وبأنه لن يعدو سوى إضافة قرار جديد لما هو موجود من قرارات أخرى لم تكن يوما ما ملزمة، وبقيت حبيسة الأدراج حتى اللحظة، لا بل ربما يكون هذا القرار عاملا مساعدا، وسببا حيويا في تسريع نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وما يعنيه ذلك في معادلة الصراع القائمة!
باختصار شديد، من كل ما سبق تبين لنا أنه من الطريف والعجيب في هذا الزمن الرديء، أن من يتحدث ويكتب بلغة المنطق حول هذا الموضوع، اتُهِمَ بأنه يستخدم لغة دسيسة، وربما بأنه على تواصل مع مأجورين وخونة، حسب تصنيف من يرون أنفسهم هم الشرفاء فقط! الذين كتبوا بركاكة ونفاق من المطبلين والمزمرين، أصبحوا هم أمثلة يُحْتَذى بها، ويعتبرونهم بأنهم قريبون من صناع القرار، ومطلعون على الحيثيات السياسية!
الأكثر طرافة هنا، أن بعض السفراء الفلسطينيين لم تفتهم رقصة السامبا كل في مكان عمله، كونها تقربهم من المشهد الفلسطيني، وتفتح الباب أمام نفاقهم وتسليط الضوء على بطولاتهم الدبلوماسية، ووفائهم المزيف، وانتمائهم وإخلاصهم المشكوك فيه، علما بأن هناك مقهى في رام الله أمام مقر مجلس الوزراء الفلسطيني يحمل اسم سامبا، ويقال إن كثيرا من النمامين وحملة البطولات المزيفة هم من رواده! فأحد هؤلاء السفراء مثلا سارع بالإعلان عن تمجيد موقف الدولة التي يخدم فيها، وحرص على إبراز مجهوداته الدبلوماسية، وبأن مكانته كسفير قاري يمثل فلسطين في ست دول آسيوية، هي ربما وراء الموقف التاريخي لتلك الدولة المشهود لها تاريخيا، بأنها دولة مساندة لحق الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، في الوقت الذي لم يكن يسمع عنه أحد شيئا سوى في المناسبات!
سؤالي هنا: هل فكرت وزارة الخارجية أو الرئاسة الفلسطينية بأن توجه سفراءها حول دول العالم، بأن يحملوا رسائل شكر لكل سفراء الدول الخمسة عشر الأعضاء في مجلس الأمن، الممثلين لبلدانهم في دول العالم، بمن فيهم سفراء الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك تقديرا لموقف حكومات بلادهم التاريخي؟! أم إن الحقيقة تقول غير ذلك، وأن الجميع بات ينتظر أن تذهب السكرة وتجيء الفكرة؟!