في سابقة سياسية، وقعت كل من حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية الإسلاميتين في
الجزائر، الثلاثاء، اتفاق وحدة، للعودة إلى "النهضة التاريخية" التي انشطرت، العام 1997 بسبب اختلاف مواقف القياديين في الحركة من ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسة آنذاك.
بموجب توقيع اتفاق الوحدة الذي أطلق عليه "التحالف الاستراتيجي
الاندماجي التوافقي"، سيندمج الحزبان الإسلاميان المعارضان للنظام، بحزب واحد، بعد إرساء هيكلة جديدة، بناء على وثيقة وقعها كل من الشيخ عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، ومحمد دويبي رئيس حركة النهضة، في حفل كبير الثلاثاء، بشرق العاصمة الجزائر، بحضور عشرات القياديين بأحزاب التيار الإسلامي في البلاد.
والشيخ جاب الله (62 عاما)، والمعروف بعدائه للنظام الجزائري منذ السبعينيات من القرن الماضي، هو من كان يرأس حركة النهضة إلى عام 1997، حيث دبرت قيادات بحركته "انقلابا" ضده، وتم عزله بعد رفضه تزكية ترشيح عبد العزيز بوتفليقة في أيار/ مايو من ذلك العام، حيث الانتخابات التي أوصلته إلى سدة الحكم.
وأسس الشيخ جاب الله؛ حركة "الإصلاح الوطني" عام 1999، لكنه تعرض لانقلاب آخر من طرف قيادات فيها، بسبب ما أسموه "تسلطه وانفراده باتخاذ القرار"، وتم إبعاده عن زعامتها عام 2004، بعد أن كانت حركته اكتسحت مقاعد البرلمان بموجب انتخابات نيسان/أبريل 2002، بينما اتهم جاب الله السلطة بتدبير الانقلاب ضده بسبب مواقفه المعادية لها.
وأسس جاب الله، بعد ذلك، جبهة العدالة والتنمية، ثالث حزب بمساره السياسي، عام 2012، في خضم ثورات الربيع العربي، والتحق بالجبهة العشرات من الكوادر الحزبية من
أحزاب إسلامية أخرى.
أمل التغيير
ووصف الأخضر بن خلاف، القيادي بجبهة العدالة والتنمية، ومهندس فكرة الاندماج برفقة القيادي بحركة النهضة فاتح ربيعي، ما حدث اليوم بأنه "تاريخي بامتياز"، مضيفا: "أخيرا توصلنا إلى لم شمل النهضة التاريخية بعمل مشترك".
وقال لـ"
عربي21": "هذه ثمرة جهود متراكمة منذ سنوات، فخرجت هذه المبادرة التاريخية لتكون الخطوة الأولى في سبيل استعادة المعنى الجاد للعمل الإسلامي وللممارسة السياسية الجادة وإعادة بعث الأمل في التغيير"، وفق تعبيره.
وكانت الأحزاب الإسلامية بالجزائر؛ قد باشرت حراكا سياسيا بالتوازي مع اندلاع ثورات الربيع العربي، أملا في التغيير، مثلما يرى بن خلاف، لكنها فشلت بتحقيق مبتغاها بسبب مبادراتها المتفردة والمشتتة، وعدم بلورة مشروع سياسي موحد تقارع به السلطة؛ التي يقول عنها الشيخ جاب الله إنها استثمرت لعقود في تشتيت هذا التيار.
لكن، هل يمكن أن تنسحب هذه الوحدة على أحزاب إسلامية أخرى، على غرار حركة مجتمع السلم وحركة الإصلاح الوطني وحركة البناء الوطني وجبهة التغيير؟ يجيب بن خلاف بالقول: "نسعى لتعديد هذه التجربة على أحزاب أخرى، والأبواب تبقى مفتوحة لمن يرغب بالاندماج".
ويضيف بن خلاف: "وصلنا إلى قناعة تفيد بأننا مدعوون اليوم للمضي جميعا في خيار الوحدة وتجميع الطاقات؛ لأن أمتنا بتاريخها ومقوماتها ومرجعيتها الإسلامية هي المستهدفة، ونحن مستهدفون في وجودنا، ويراد لنا أن ندخل في متاهات وتناقضات لا أول لها ولا آخر، لذا فمن العار أن نظل منقسمين متفرقين، فليس مسموحا لنا أن نفشل في توحيد جهودنا".
كما عبّر مهندس الوحدة بين جبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة؛ عن اعتقاده بأن الجسم الجديد سيكون "البديل الذي يحقق الإصلاح، وراهنا في محطات كثيرة لتجاوز أزماتنا الحضارية لمواجهة المشروع التغريبي، المستفيد الأول من ضعفنا، من جهة، واستبداد السلطة وتجاوزاتها للحريات الفردية والجماعية، من جهة أخرى"، كما قال.
بيد أن الرغبة في توسيع دائرة الاندماج بين الأحزاب الإسلامية، بفصيل سياسي واحد اصطدم بموقف متحفظ من حركة مجتمع السلم، التي أسسها محفوظ نحناح والذي توفي عام 2003، ويرأسها حاليا عبد الرزاق مقري.
وذكر بن خلاف أن هناك "مساعي حثيثة تمت مع قيادة حركة مجتمع السلم، من أجل الوحدة، لكنها رفضت المسعى"، وفق قوله.
وحركة مجتمع السلم؛ تعرضت بدورها لانشقاقات داخلية بين عامي 2009 و2013، أفرزت تشكيل ثلاثة أحزاب، هي: جبهة التغيير وحركة البناء الوطني وتجمع أمل الجزائر، وذلك بعد خلافات عميقة دبت بين قياداتها إثر إعلان رئيسها السابق، أبو جرة سلطاني، قبوله حقيبة وزارية عرضها عليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وقال عبد المجيد مناصرة، رئيس "جبهة التغيير"، في تصريح سابق لـ"
عربي21": "قدمت مبادرة للمّ شمل والعودة إلى سالف العهد، لكن مشروع الوحدة، كان مصيره الفشل".
وتابع مناصرة: "حاولت منذ شهور الدفع بمشروع الوحدة بين الأحزاب الثلاثة، في إطار مدرسة الراحل محفوظ نحناح مؤسس حركة مجتمع السلم، إلا أن الطرفين الآخرين لم يتجاوبا مع المشروع".
وتراجع بريق الحراك السياسي للأحزاب الإسلامية الذي كان متوجها بدايات التسعينيات من القرن الماضي، في الجزائر، بعدما حصل لكل من حركة النهضة وحركة مجتمع السلم من تصدعات، ومنذ ذلك الحين، تلاحقت النكسات على التيار الإسلامي في مختلف الاستحقاقات الانتخابية.
وتُعلّق كل من حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية، الموقعتين على اتفاق الاندماج، آمالا واسعة بإعادة قاطرة التيار الإسلامي إلى الواجهة بالجزائر.
وقال فاتح ربيعي، أحد مهندسي الاندماج، لـ"
عربي21": "الاتفاق إلزامي، وسيطبق بكل حذافيره".
ولفت ربيعي إلى أن "الاتفاق يتضمن الأهداف وآجال التنفيذ والهيكل التنظيمي، وقد راعينا انتخابات النيابة العام المقبل على أننا سوف نعقد مؤتمرا مشتركا وجامعا لإتمام المشروع"، وفق قوله.