إذا تتبعنا التصريحات السياسية العربية ومقالات الكتاب الموالين للأنظمة والجدليات التي تظهر على شاشات التلفاز بمختلف أنواعها حول مسألة تبعية الأنظمة العربية لقوى خارجية وفقدان الدول العربية للسيادة الحقيقية والإرادة السياسية الحرة، لوجدنا أن الأنظمة العربية عموما والذين يوالونها يؤكدون دائما أن دولهم مستقلة وصاحبة قرار سياسي مستقل، وأن أنظمتهم لا تخضع لجبروت الدول الكبرى، وأن قادة العرب أعظم من أن يتخلوا عن استقلال بلدانهم وإرادتها السياسية.
هذا الادعاء الذي نسمعه باستمرار غير صحيح ولا يصدقه الناس في الوطن العربي بمن فيهم الأطفال الصغار الذين لم يخبروا الصراعات السياسية والمداهنات والخداع والتضليل. كل نظام يدعي أنه مستقل وصاحب سيادة، وهو ادعاء يجافي الوقائع الملموسة يوميا على الأرض العربية. الأرض العربية والعرب عموما ما زالوا تحت الاستعمار إما التقليدي القديم أو الاستعمار الجديد المسمى بالإمبريالية أو تحت الاستعمار الثقافي والفكري. الأرض العربية مدنسة بالجنود الأجانب، وبالقوى الاقتصادية العالمية، ومنخورة فكريا وثقافيا إما من خلال وسائل الإعلام والاتصالات والتواصلات العالمية، أو من خلال الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الممولة من القوى الخارجية والمدارة من قبل أبناء هذا الوطن الكبير الذين وصلوا إلى درجات عالية من الثقافة وطوعوا أنفسهم لخدمة الخارج.
حتى اجتماعيا، لم يحافظ العرب على استقلالهم الاجتماعي، وأدت ممارسات الأنظمة والمجتمعات التي تحمل الكثير من الظلم إلى تدخل القوى الخارجية وفرض إرادتها بعدد من الشؤون منها حقوق المرأة وحقوق الأطفال وحقوق الناس في حرية التعبير وإبداء الرأي. حتى أن القوى الخارجية تتدخل في القضاء العربي من أجل أن ترفع من مستوى نزاهته إن وجدت أو تدريب الناس على النزاهة وتوخي العدالة في متابعة مختلف القضايا. وحتى أن القوى الخارجية تراقب أجهزة الشرطة العربية لتتأكد فعلا أنها في خدمة الشعب وليست مجرد أداة قمعية بيد النظام.
يمكن تصنيف الأنظمة العربية إلى التالي: هناك أنظمة عربية مثل النظامين الأردني والفلسطيني لا تستطيع صرف رواتب آخر الشهر إذا لم تتلق أموالا من دول أجنبية بخاصة الولايات المتحدة وأوروبا. كيف لهذه الأنظمة أن تكون مستقلة وذات سيادة؟ على فرض أن الممول طلب من النظام القيام بعمل معين مثل حراسة حدود إسرائيل وملاحقة المناضلين الفلسطينيين، هل بإمكان النظام أن يرفض الطلب؟ لن يرفض وسيخرج إلى الناس ليقول لهم إن مصلحة الشعب والمصلحة الوطنية تتطلبان الاستجابة لطلبات الممولين من أجل المحافظة على لقمة خبز الناس، هذا إن اعترف بأنه يخضع للطلبات وأرخى شعاره المزيف القائل بالقرار الوطني المستقل.
وفئة أخرى من الأنظمة تعتمد في أمنها وبقائها على قدرات القوى الأجنبية العسكرية. من المعروف أن أمريكا وإسرائيل كانتا وما زالتا تقدمان خدمات أمنية وعسكرية لعدد من الأنظمة لأن وجودها مهم لأمن إسرائيل والمحافظة على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. دول عربية بخاصة في الخليج ما زالت على مدى عشرات السنوات تحت المظلة الأمنية الأمريكية على الرغم من توفر الإمكانات المادية لديها لتطوير التقنية وصناعة الأسلحة اللازمة للدفاع عن الذات. لكن الأنظمة العربية هذه لا تملك أمرها، ولا تستطيع أن تقرر استقطاب المختصين والخبراء لبناء قاعدة تقنية حديثة والانطلاق نحو إنتاج التقنية.
أما الفئة الثالثة فتتمثل بالأنظمة التي شهدت انقلابات عسكرية وأزالت النظام السياسي الذي أتى به الاستعمار في فترة الستينات والخمسينات من القرن العشرين. هذه الأنظمة ثبت أنها شديدة الاستعباد للناس ومستبدة بصورة شرسة وكانت مثلا خائبا للخروج من مأزق الأنظمة التابعة. وقد أساءت هذه الأنظمة بشدة لشعوبها، ولم تستطع أن تحقق أي شيء من طموحات الأمة العربية، واستدعت بشراستها وسوء صنيعها في النهاية القوى والجيوش الأجنبية لانتهاك حرمة العرب أوطانا ومواطنين.
قد تدعي القاهرة أنها مستقلة، لكن عليها أن تتذكر أنها حصلت على قروض من البنك الدولي، الأمر الذي لا يحصل إلا بموافقة الولايات المتحدة. وقد تدعي الخرطوم الاستقلال، لكن سوء صنيع قياداتها أدى إلى كل هذا النزيف والتمزيق في البلاد بفعل التلاعب الأجنبي في الشؤون الداخلية. وقد تدعي عواصم غيرها الاستقلال، لكن الوقائع تكذب الادعاء. الجيوش الأجنبية موجودة في السعودية وقطر والإمارات والأردن وسوريا والعراق وليبيا. والخبراء العسكريون الأجانب موجودون في أغلب البلدان العربية، والرغبة الوطنية في استدعاء القوى الخارجية إلى الوطن العربي موجودة لدى أنظمة عربية عدة. وأحيانا تقوم أنظمة عربية والجامعة العربية باستدعاء القوى الأجنبية لتحقيق الاستقرار في بلدان عربية. ويكفي العرب شنارا أنهم دائما ينتظرون الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية عساهما يفرزان فائزين يعالجان للعرب مشاكلهم.