الصحفي المصري عمرو بدر يتحدث لـ"عربي21" عن تجربة اعتقاله

طالب الصحفي المصري، عمرو بدر، الذي اعتقلته السلطات لنحو أربعة أشهر، وأفرج عنه في نهاية آب/ أغسطس الماضي، بضرورة إنهاء القبضة الأمنية على حرية الرأي والتعبير.

وقال في حوار خاص مع "عربي21" إن الحريات العامة جزء لا يتجزأ من مطالب جميع الأحرار، والتي لا غنى عنها، ويعد التخلي عنها رجعة إلى الوراء.

وأحدث اعتقال بدر رئيس تحرير "بوابة يناير" الإخبارية الإلكترونية، مع زميله محمود السقا، من داخل نقابة الصحفيين بعد اقتحامها من قبل قوات الأمن، في أيار/ مايو الماضي، شرخا كبيرا بين السلطة والنقابة، لا تزال تداعيته مستمرة حتى الآن.

ونسبت النيابة العامة إلى بدر والسقا تُهمتي نشر أخبار كاذبة والانضمام لتنظيم دولي يهدف لقلب نظام الحكم، قبل أن تخلي سبيل الأول في نهاية آب/ أغسطس الماضي، والآخر في تشرين الأول/ أكتوبر.

ويصف بدر تجربته داخل الحبس في سجن طره بـ"الصعبة"، ولكنه يؤكد أن هذه التجرة لم تغير من قناعاته التي دخل من أجلها السجن. وقال إن ما وقع له "جزء من سلسلة استهداف الصحفيين من أجل آرائهم ومعتقداتهم الشخصية التي يعبرون عنها بشكل ديمقراطي".

وفيما يلي نص الحوار:

* كيف ترى أوضاع الصحافة والإعلام في مصر؟

- دعنا نتفق أن هناك مشكلة في الحريات العامة في مصر، وأن هناك أزمة حقيقية في مناخ حريات العمل في مجالات الصحافة والإعلام والكتابة، ودفعت جزءا من حريتي في الحبس جراء إيماني بمبدأ الحرية في الكتابة والرأي والاعتقاد. ولا يزال يدفع آخرون أجزاء من حياتهم خلف القضبان جراء إيمانهم بنفس المبدأ.

* لماذا تخشى السلطة حرية الرأي الوتعبير؟

- يجب أن تكون هناك قناعة لدى السلطة الحاكمة أن الحريات حق كفله القانون والدستور للمواطنين والصحفيين والإعلاميين، ولن يحدث أي تقدم بدون مناخ ديمقراطي يتمتع فيه الجميع بالحريات. فالصحافة والإعلام وظيفتهما مراقبة أداء الدولة، ومحاسبتها، والدفاع عن حقوق المواطنين، وكشف فساد المسؤولين وأي فساد من أي جهة.

* كيف انعكست القبضة الأمنية على الصحفيين؟

- هناك عشرات الصحفيين من مختلف التوجهات في السجون الآن. وكل فترة نقرأ ونسمع عن منع نشر مقالات في الصحف القومية، والخاصة، واقتحام بعض المواقع الإخبارية، وملاحقة بعض الصحفيين، ووقف بعض البرامج التلفزيونية، ومنع إعلاميين من الظهور.

* هل نجحت الطريقة التقليدية في التعامل الأمني مع الصحفيين؟

- مطلقا. فالتعامل الأمني مع أي فئة أو أزمة، وليس فقط مع الصحفيين، لا يحل أزمة، إنما يصنع أزمات جديدة، تضاف إلى الأزمة الموجودة، وعلى السلطة الحاكمة التخلي عن فكرة القبضة الأمنية.

* هل غير الحبس من قناعاتك؟

- السجن لا يغير قناعات أحد في قضايا لا تقبل الحلول الوسط، إنما يرسخ القناعات الأساسية التي لا غنى عنها، وستبقى الحرية والديمقراطية والحوار؛ هدف جميع الأحرار في كل وقت ومكان، وهي السبيل الوحيد لتقدم هذه البلد.

* كيف تصف تجربتك في الحبس؟

- تجربة غير سارة، مكثت في السجن 120 يوما، أي نحو أربعة شهور في سجن طرة، تعرضت فيها بالطبع، مثل كل سجين رأي، لضغوط نفسية وعصبية طوال فترة مكوثي دون ذنب أو جريرة. تم وضعنا في زنزانة صغيرة لا تزيد مساحتها عن بضعة أمتار، ومُنعنا من الخروج لاستنشاق الهواء، والتريض نهارا، كما مُنعنا من النوم على السرائر، وافترشنا الأرض بما فيها من رطوبة وبرودة وقساوة، لم يسمح لنا بالإطلاع على الصحف ومعرفة الأخبار، ولم يُسمح لنا بالتحدث مع الآخرين، ومكثنا 21 يوما لا يسمح لنا بلقاء أسرنا وأهلينا ومحامينا.

* ما كانت طبيعة التهم الموجهة؟

- هي نفسها التهم العبثية التي توجه للصحفيين وأصحاب الرأي المعارضين من سنين طويلة، مثل تكدير السلم العام، ومحاولة قلب نظام الحكم، أضف إلى ذلك نشر أخبار كاذبة، باعتبارنا صحفيين، تتعلق بتفاصيل تظاهرات يوم الأرض في نيسان/ أبريل الماضي.

* ما هو مستقبل الصحافة الإلكترونية في ظل التضييق على العمل الصحفي؟

- المواقع الإلكترنية أكثر جرأة وصراحة. المواقع الإلكترونية سقف الحريات فيها مرتفع، وهوامش التعبير عن الرأي بحرية متاحة، أعتقد أن مستقبلها واعد، وهي مستقبل الصحافة. وهذ ليس رأيي، فهناك تجارب سبقنا إليها الغرب، وتحولت صحف كبرى من ورقية إلى إلكترونية، ولكنها في مصر ما زالت بحاجة إلى قوانين لتنظيم أعمالها، والاهتمام بها، وضم الصحفيين فيها إلى نقابة الصحفيين.

* كيف دخلت الصحافة الرقمية على خط المواجهة مع السلطة؟

- للأسف أصبح صحفيو المواقع الإلكترونية يدفعون أثمانا أكثر من غيرهم. فلا تزال السلطة لا تعي دور الصحافة الإلكترونية وقيمتها، وتنظر إليها بعين الريبة، كما لا توجد مظلة حماية نقابية تمتد لهؤلاء الصحفيين.

عملي كصحفي نقابي منذ 10 سنوات؛ يدفعني للقول بضرورة وجود مظلة حماية تمتد لجميع الصحفيين، سواء في الصحف الورقية أو الإلكترونية. وزميلي في الحبس محمود السقا لم يكن نقابيا.

* ما هي الأزمات التي تعاني منها الصحافة على المستوى الداخلي؟

- توجد أزمة حقيقية في صيغة ملكية الصحف، فهي إما صحف مملوكة لرجال أعمال يدافعون عن مصالحهم، وإما صحف قومية موالية للدولة تعمل بشكل تقليدي، ولكن وسط هذا وذاك توجد فئة من الصحفيين وجيل مؤمن بحرية الكتابة والصحافة والإعلام؛ ويدافعون عنهما بقوة بغض النظر عن مواقف ملاك الصحف.

* هل تعتقد بنجاح اللجنة المشكلة من قبل الرئاسة في الإفراج عن الصحفيين؟

- أدعم بقوة أي مبادرة للإفراج عن الزملاء الصحفيين، سواء نقابيين أو غير نقابيين، فالدستور والقانون يكفل لهم حرية الرأي والتعبير، وحرية الحياة بين ذويهم وأهليهم وزملائهم. أتمنى أن تكون تلك المبادرة مختلفة عن كل المبادرات والوعود السابقة، وأن يطلق سراح الصحفيين، وجميع الشباب في السجون. لا نريد أن نشكك في نوايا السلطة حتى نرى ماذا سيحدث.

(أرسلت نقابة الصحفيين قائمة بأسماء 29 صحفيا محتجزا، لمراجعة أوضاعهم، وضمهم لقوائم العفو القانوني، والصحي، والشرطي).

* خلال تجربتك في الحبس ما هي معاناة الزملاء الآخرين؟

- الكثير من الزملاء الصحفيين يعانون من غياب العلاج، والتضييق عليهم في الزيارات، ولهم شكاوى حقيقية ولهم الحق في الخروج. ظللت طوال فترة حبسي لا أعلم ماذا يراد بي، أو متى سوف أخرج.

* ما هي رسالتك كصحفي حُبس ودفع ثمن التعبير عن رأيه؟

- أحلم أن يكون لدينا صحافة حرة وإعلام حر بدون رقيب على الصحفي غير الضمير والقانون. أحلم أن يُطلق سراح جميع الزملاء الصحفيين، وإعلاء قيمة الرأي والرأي الآخر. أحلم بالحريات العامة في كل مكان في مصر؛ لأنها مقياس تقدم أي بلد في كل شيء.