بات
عمال البناء بمثابة الطبقة المنسية في
مصر، فلا تأمينات اجتماعية، ولا خدمات صحية، ولا معاشات، ولا رواتب ثابتة، والعمل ما زال باليومية. وتعمقت أزماتهم مع ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت، وتراجعت فرص العمل أمامهم مع سيطرة
الجيش على معظم أعمال البناء والمشروعات الإنشائية.
وفي ظل ارتفاع الأسعار المستمر في مصر، أعلنت شعبة البناء باتحاد الغرف التجارية، الثلاثاء، أن ارتفاع الأسعار أربك سوق التشييد والبناء، وتسبب في تراجع المبيعات، وأدى إلى حالة ركود، وخاصة بعدما وصل سعر طن "حديد عز" إلى 7550 جنيها، وسعر طن الإسمنت إلى 800 جنيها.
وأدى انخفاض سعر الجنيه (18 جنيها للدولار الواحد)؛ إلى ارتفاع أسعار مواد التشييد والبناء، وهو ما يتسبب بمخاوف من توقف حركة البناء، وعزوف الشركات عن تنفيذ مشروعات جديدة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على العاملين في هذا القطاع، وفق مختصين.
تراكم غير مسبوق
كما أن الأوضاع السياسية والاقتصادية لعدد من الدول العربية؛ كانت سببا آخر في أزمة عمال قطاع البناء المصريين، حيث أدى تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا إلى عودة 275 ألف عامل لمصر، وفق الأرقام الرسمية، كما أدى قرار الأردن بوقف استقدام العمالة الأجنبية منتصف العام الحالي لزيادة الأزمة، إضافة إلى ما يثار حول سوء العلاقات بين النظام المصري والسعودية، ودول خليجية أخرى، الأمر الذي سبب تراكما غير مسبوق لعمال البناء داخل مصر.
ووصل معدل
البطالة في مصر إلى 12.5 في المئة بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو الماضيين، بما يعادل 3 ملايين و600 ألف عاطل عن العمل، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أحلامنا ليست كبيرة
ويقول محمد لمعي، وهو مبيّض محارة (عامل قصارة): "أحلامنا ليست كبيرة، وتتمثل في نقابة عمالية قوية تجمعنا وتدافع عن حقوقنا، وتأمينات اجتماعية تشمل تأمينا صحيا وعلاجا ميسرا للنفقات، وقانون عمل يحفظ حقوقنا أمام أصحاب العمل، وتحديد حد أدنى للأجور يساعد عمال اليومية في الحفاظ على أقل مستوى من الحياة".
وأضاف محمد خلال حديثه لـ"
عربي21": "ماذا أفعل لو مرضت يوما؟ النتيجة سأكون بلا دخل، ماذا أفعل لو أُصبت بمرض خطير؟ أو تعرضت لإصابة عمل؟ من سيعالجني أو ينفق على أسرتي؟ لا يشعر بنا أحد ولا يقف بجوارنا مسؤول ولا يخطر ببال الإعلام أن يرصد معاناتنا".
وبعد تنهيدة طويلة قال محمد: "هذا هو الوضع العادي الذي كنا نتعايش معه، ولكني أخاف أن تكون الأيام القادمة أسوأ". وتابع متسائلا: "مع ارتفاع أسعار الأسمنت من سيطلبني للعمل؟ الكل سيؤجل أعمال التشطيب، والنتيجة أسبوع في العمل وأسبوع في البيت، وما أتحصل عليه لا يكفي لشراء أقل متطلبات بيتي مع هذا الخراب في الأسعار".
"الكل مطحون في صمت"
أما السبّاك عادل الشربيني؛ فيقول لـ"
عربي21: "حالة العمالة في مصر، وخاصة الأعمال الحرفية مثل عامل البناء والخرسانة والسباك والنجار والكهربائي ومقاول العمل؛ الكل مطحون في صمت إلى أن يأتي يوم لا يقدر على العمل، ولا يوجد تأمين يحميه أو معاش ينتظره كل شهر أو مستشفى يعالج فيه، مثل أوروبا وأمريكا".
ويوضح عادل، الذي عمل في إيطاليا سابقا لمدة خمس سنوات: "مصر رجعنتي تاني للخلف؛ فهناك فرق شاسع بيننا وبين أوروبا، وأقل ما يقال إنه لا توجد نقابة حقيقية في مصر وكل الموجود وهم ومجرد روتين".
سيطرة الجيش زادت من ضيق الحال
وتابع لـ"
عربي21": "أنا أعمل سباكا في منطقة فيصل بالقاهرة، وأعرف عمالا من كل الطوائف والمهن يعانون من ظلم وسوء معاملة، كما أن أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية الصعبة هم أول من يتحملون وزرها وكوارثها".
وأضاف: "رغم الوعود الكثيرة من الحكومات، إلا أن الأوضاع أسوأ، وبخاصة بعدما اختفت من أمامنا الشركات الصغيرة التي تعمل من الباطن مع الشركات الكبرى، والتي كانت تتلقفنا للعمل في مشروعات الإسكان والبناء والطرق وغيرها، ولكن منذ سيطرة الجيش على قطاع البناء وحصوله على المناقصات بالأمر المباشر؛ لم يعد لنا مكان في تلك المشروعات، وزاد ضيق الحال".
ويقول محمود خورشيد، وهو مدير مستودع حديد وإسمنت: "كنا لا نتوقف عن تحميل الحديد وطلبيات الإسمنت، ولكن بعد ارتفاع الأسعار بهذا الشكل لم يعد أمامنا إلا مشاهدة التلفزيون واللعب على التلفون المحمول".
وأكد محمود لـ"
عربي21" أن المستهلك أحجم بشكل كبير خلال الأشهر الماضية عن شراء الكميات السابقة نفسها، ولم يتبق إلا الزبون الذي يقوم بعمليات تشطيب أو ترميم، أما عمليات البناء فقد تراجعت بشكل كبير، كما قال.
لا مكان للصغار
ويوضح رضا محمد، صاحب شركة للمقاولات، أنه بدأ الآن "في الخروج من السوق تماما، واتفقت وشريكي على بيع ما نملكه من معدات وأدوات، وتسريح العمال؛ لأن المشكلة في تفاقم، والسوق أصبح مغلقا بشكل كبير على الجيش وعدد من الشركات التي تتناول ما تبقى من فتات الهيئة الهندسية، ولم يعد هناك مكان للصغار"، على حد وصفه.
وأضاف رضا لـ"
عربي21": "كشركات صغيرة؛ كنا نعمل وسط الكبار، ولكن الاستمرار الآن أصبح مستحيلا مع سيطرة الجيش، وتضاعف أسعار مواد البناء بشكل كبير، وأجور العمال لن نتمكن من توفيرها، مع ما هو مطلوب من هدايا ورشاوى وإكراميات حتى تنال فرصة العمل وعند تسليم المشروع".