حقق ميشال
عون الذي انتخب الاثنين رئيسا للجمهورية في
لبنان حلما مزمنا لأنصاره في البلد الصغير المتعدد الطوائف، بدأ مع انتقاله من قيادة الجيش إلى رئاسة حكومة موقتة في نهاية الثمانينيات، وصولا إلى تزعمه أكبر كتلة نيابية مسيحية منذ العام 2005.
وجاء انتخاب عون ثمرة توافق شمل معظم الأطراف السياسية في البلد، وهو ما لم يكن متوقعا حتى قبل أسابيع قليلة، بعدما استمر الشغور في منصب الرئاسة نحو عامين ونصف، جراء الانقسامات السياسية الحادة في لبنان.
ويصف النائب آلان عون، ابن شقيقة ميشال عون، الرئيس الجديد بأنه "صبور عنيد ومثابر، بقي 15 عاما في فرنسا ولم ييأس".
وكان يشير إلى الفترة التي أمضاها عون في فرنسا منفيا بعد خروجه من لبنان، إثر حربين مدمرتين خاضهما حين كان رئيس حكومة انتقالية وقائدا للجيش ضد الجيش السوري الذي تواجد في لبنان بين 1976 و2005، وضد "القوات اللبنانية"، القوة المسيحية الأكبر المسلحة في ذلك الوقت.
ويتحدر عون (81 عاما) من أسرة متواضعة في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت. وهو أب لثلاث بنات ولديه عشرة أحفاد.
وينظر مناصرو "الجنرال" إليه بوصفه أيقونة في نضاله العسكري والسياسي. ويتحدثون عن "قائد شجاع نظيف الكف" وزعيم برز من خارج العائلات السياسية التقليدية ونجح في تحقيق تطلعات المسيحيين في بلد ذي تركيبة طائفية بامتياز.
ويجد محازبوه ومؤيدوه فيه "الرئيس القوي" القادر على "تحقيق المعجزات"، وهو الشعار الذي ذيلت به صوره التي رفعت ابتهاجا في عدد من المناطق ذات الغالبية المسيحية.
أما خصومه، فيرون فيه شخصا عصبيا وانفعاليا ومتقلبا في مواقفه و"متجاوزا للمبادئ" بعدما تفاهم مع أشد خصومه للوصول إلى الرئاسة، وبعدما انقلب من عدو للنظام السوري إلى صديق لحزب الله حليف النظام السوري الأول.
ويصور عدد من الصحفيين كاريكاتوريا عهد عون على أنه سيكون عهد "القمع" ويتناقلون أشرطة فيديو يظهر فيها وهو ينهر الصحفيين عند طرحهم أسئلة محرجة له، ويصف فيها البرلمان الحالي الذي انتخبه رئيسا بـ"غير الشرعي" بعدما مدد لنفسه مرتين.
ويرى معارضو عون أنه بدوره سلك طريق العائلات التقليدية عبر إعطاء أدوار سياسية لأفراد من عائلته وعلى رأسهم صهره الوزير جبران باسيل. كما يشككون في قدرته على إدارة شؤون البلاد والعمل لساعات طويلة جراء تقدمه في العمر.
ويقر النائب آلان عون بأن خاله لم يعد لديه "الصبر على الأخذ والعطاء كثيرا"، لكن "وضعه الصحي كالفولاذ والحديد، ولديه ذاكرة فيل".
ويتحدث عنه رجلا "عفويا جدا ومحبا للزراعة.. بعيدا عن الترف، لا تعنيه نوعية الثياب والطعام. ولطالما بقي عسكريا على الجبهة".
مسيرة حافلة
انضم ميشال عون إلى السلك العسكري في عام 1955 حتى توليه قيادة الجيش في 1984.
وكانت المحطة المفصلية الأولى في حياته السياسية في عام 1988، حين كلفه رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل بتشكيل حكومة انتقالية تتولى التحضير لانتخابات رئاسية تعذر إجراؤها في موعدها. فشكل عون حكومة عسكرية واتخذ من القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت مقرا، وبقي فيه لمدة سنتين.
وخاض خلال هاتين السنتين "حرب التحرير" ضد القوات السورية، وهي حرب كرسته زعيما بين المسيحيين الذين كانوا يشكون من الهيمنة السورية على الحياة السياسية اللبنانية، ثم ما عرف بـ"حرب الإلغاء" ضد "القوات اللبنانية" بهدف تجريدها من سلاحها الذي كان يطالب بحصره في "يد الشرعية".
وتركت هذه الحرب أثرا عميقا على المسيحيين الذين انقسموا منذ ذلك الحين بشكل حاد بين الزعيمين.
ورفض عون "اتفاق الطائف" الذي نتج عن تدخل دولي وسعودي لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، واعتبره يمس بالسيادة اللبنانية.
ورفض انتخاب النواب للرئيس رينيه معوض ثم إلياس الهرواي بعد اغتيال معوض في تشرين الثاني/ نوفمبر 1989.
وتحت ضغط التصعيد العسكري السوري الذي استهدف المناطق التي كان يسيطر عليها وصولا إلى القصر الجمهوري، لجأ عون في تشرين الأول/ أكتوبر 1990 إلى السفارة الفرنسية في بيروت، حيث بقي تسعة أشهر قبل أن يغادر إلى فرنسا، ويبقى منفيا فيها لمدة 15 عاما.
في عام 1996، أسس عون "التيار الوطني الحر" من باريس.
وكان لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير 2005 وما تلاه من احتجاجات شعبية دفعت القوات السورية إلى الانسحاب من لبنان، الدور المباشر في عودة عون من منفاه الباريسي.
بعد شهر على عودته، شكل عون مفاجأة كبرى بفوزه منفردا بـ21 مقعدا من أصل 128 في المجلس النيابي، ما دفع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى وصفه بـ"تسونامي".
وفي خطوة مفاجئة قلبت موازين القوى في لبنان، وقع عون في شباط/ فبراير 2006 وثيقة تفاهم مع حزب الله. وبعد عداء طويل، زار عون سوريا ثلاث مرات في الأعوام 2008 و2009 و2010، واستقبله الرئيس السوري بشار الأسد.
في عام 2009، عاد عون إلى البرلمان على رأس كتلة نيابية من 20 نائبا.
وإذا كان بعض الذين وافقوا على التسوية التي تأتي بعون رئيسا قبلوا به من باب "الواقعية السياسية"، وإذا كان المحللون لا يتوقعون "المعجزات" من وصول عون بسبب استمرار الانقسامات بين الأطراف السياسية حول الملفات الأساسية، فإن أنصاره يعلقون عليه آمالا كبيرة.
ويقول آلان عون إن الرئيس الجديد سيكون "قادرا على التغيير" متسلحا بـ"كتلة سياسية كبيرة" و"بالتفاهمات التي توصل إليها" مع الكتل الكبرى في البلاد.