كشف تقرير لمعهد واشنطن الصعوبات التي يواجهها
سعد الحريري بوصفه زعيما للسنة في
لبنان.
وعدد التقرير عدة عوامل تساهم في إضعاف مكانة سعد الحريري في مجتمعه، من بينها المصاعب المالية الشخصية، والمشاكل في إقناع شركاء تحالفه بانتخاب عون، وبروز زعماء بدلاء. وقد أصبح تهميشه المستمر يهدّد بتقسيم السّنّة، وتعزيز مكانة إيران في دولة أخرى في الشرق الأوسط.
منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق، الزعيم السني رفيق الحريري، في عام 2005، اتّحد السّنّة في لبنان وراء ابنه سعد، رئيس الكتلة النيابية "14 آذار". ولكن يبدو أن عدة عوامل تساهم في إضعاف مكانة سعد الحريري في مجتمعه.
مشاكل الحريري المالية
يقول التقرير إنه قبل مغادرة الحريري لبنان عام 2011، كانت شركة البناء الخاصة به، "سعودي أوجيه"، إحدى أكبر الشركات في المنطقة، وكانت ثروته الشخصية تُقدَّر بـ3.7 مليار دولار. وقد مكنته هذه الثروة، بالإضافة إلى التمويل الأساسي من الرياض، وفقا لبعض التقارير، من الحفاظ على آلة سياسية هائلة، شملت محطة تلفزيونية للحزب، وصحيفة يومية، ومجموعة كبيرة من الموظفين والمستشارين الذين يعملون بدوام كامل.
ومع ذلك، فخلال الفترة التي قضاها في الخارج، هبطت أسعار النفط، ولم تعد
السعودية تنفق الكثير من الأموال، وبرزت شائعات عن وجود مشاكل في تدفق الأموال؛ إذ توقّف دفع الرواتب في شركات الحريري في لبنان بشكل روتيني، ولأشهر متتالية أحيانا. وبينما كان السبب الظاهري الذي أعطاه الحريري لإقامته خارج لبنان هو سلامته الأمنية، همس البعض في بيروت بأنّه كان يتهرّب من الالتزامات المالية في البلاد.
وعلى الرغم من هذه المشاكل، عاد الحريري إلى لبنان بشكل دائم في شباط/ فبراير. لكن بحلول فصل الصيف، اتخذت مشاكله المالية منحى جديدا نحو الأسوأ. ويُقال إن المملكة العربية السعودية تَدين لشركة البناء التي يملكها حوالي 8 مليارات دولار، مقابل أعمال تم إنجازها، وهذه الدفعات المتأخرة اضطرت الحريري إلى أخذ المليارات على شكل قروض مرحلية، لدفع المال إلى المتعاقدين والموردين.
وبانعدام الدخل، وصل عمل الشركة إلى حالة من الجمود، وتم تسريح أكثر من 6000 عامل هندي من عملهم في آب/ أغسطس، بعد مرور أشهر لم يتقاضوا خلالها أي راتب. ويتكهن البعض بأنه سيتم حل شركة "سعودي أوجيه"، وستصادر الرياض أصولها، على غرار ما تقوم به المملكة -على ما يبدو- مع شركة بناء أخرى، هي "مجموعة بن لادن السعودية". وحتى قبل هذه الأزمة، قدّرت مجلة "فوربس" ثروة الحريري الشخصية بـ1.45 مليار دولار، أي أقل من نصف ما كان يملكه عام 2011.
ظهور أشرف ريفي
العامل الآخر الذي أسهم في إضعاف مكانة الحريري، هو ظهور زعماء جدد للطائفة ينازعون الحريري، على رأسهم وزير العدل السابق المدير العام السابق لـ"قوى الأمن الداخلي"، أشرف ريفي.
ريفي الذي استقال من منصبه وزيرا للعدل في شباط/ فبراير الماضي؛ لاعتراضه على الإفراج المبكر عن ميشال سماحة، صعد لهجته ضد
حزب الله، واتهم الحزب بأنه ألحق الضرر بعلاقات بيروت مع الرياض، وبـ"محاولة السيطرة على الدولة ومؤسساتها". وسبق أن وصف أسلحة «حزب الله» بـ"غير شرعية"، واتهم الحزب باغتيال مسؤول سنّي بارز في "قوى الأمن الداخلي"، كما رفض ما "المشروع الإيراني" في لبنان.
ويُعدّ ريفي أحد أشد منتقدي النظام السوري أيضا. ففي الشهر الماضي، دعا بيروت إلى طرد السفير السوري، وقطع العلاقات مع الأسد. كما أنه يرفض ترشّح كل من عماد عون والنائب سليمان فرنجية -صديق شخصي مقرّب من الأسد- للرئاسة.
وفي الوقت نفسه، كان قد أدان الحريري مرارا على تفاوضه مع «حزب الله»، وعلى دعوته لانتخاب فرنجية وعون، معتبرا أن زميله الزعيم السني قد "فقد سلطته".
يرى التقرير أن تصريحات ريفي ضد حزب الله وايران وسوريا القاسية زادت من شعبيته، على الأقل في الوسط السني الطرابلسي. ففي أيار/ مايو، فازت إحدى اللوائح الانتخابية المنتسبة إليه بثمانية عشر مقعدا من أصل أربعة وعشرين في المجلس البلدي في طرابلس، ملحقة الهزيمة بلائحة "14 آذار".
وأدى هذا الأداء المذهل إلى تكهن البعض بأن ريفي يتلقّى تمويلا من الخارج، وربما من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، الذي تدهورت علاقته مع الحريري، بعد تسريب تسجيل صوتي في عام 2005 زُعم أنه كان مهينا للأمير. ووفقا لموقع "بيروت أوبزرفر"، فإن جاذبية ريفي بالنسبة إلى الرياض هي أنّه "يمثّل نبض الرفض السني للتنازلات".
تحذير
ويحذر التقرير من مخاطر انقسام
السنة في لبنان؛ لأن ذلك سيؤدي إلى ترك الشيعة بقيادة «حزب الله» يشكّلون الكتلة السياسية الطائفية الوحيدة المتّحدة في البلاد.
ويرى التقرير أن تراجع دعم الولايات المتحدة للسنة، أنصار الحريري، الذين وصفهم بالمعتدلين المحليين الموالين للغرب، إلى جانب الانهيار المالي والتهميش السياسي، اللّذين يعاني منهما الحريري، أدى إلى تزايد الاستقطاب بين السّنّة، وضعف سلطتهم السياسية في بيروت. وأن هذا لم يعد بالفائدة، ليس فقط على السياسيين "الشعوبيين" مثل ريفي، بل على الإسلاميين أيضا، الذين يقضمون في قاعدة دعم الحريري، ويُقوضون تحالف "14 آذار" الذي اعتوره الضعف. وإذا تم الاستمرار في هذا الاتجاه، فقد يبدأ السنة في لبنان يشبهون المجتمع المسيحي المنقسم، بحسب التقرير.
ويحذر التقرير من أن سياسة عدم التدخل التي تتبعها واشنطن، والانسحاب المالي والسياسي للمملكة العربية السعودية، سيؤديان إلى ضمان زيادة النفوذ الإيراني ونفوذ «حزب الله» في لبنان.