يرسم تقرير لمعهد واشنطن صورة متفائلة لمعركة
الموصل، ويرى أنها قد تحسم أسرع مما يعتقده كثيرون.
ويرى التقرير الذي أعده مايكل نايتس أن مشاركة
التحالف الدولي الجوية الفعالة، سيكون أمرا حاسما في المعركة.
يقول نايتس إن "تحرير الموصل أقرب ما يكون إلى أمر واقع"، فقد يتراوح عدد عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») بين 2000 و 3000 مقاتل للدفاع عن مدينة تصل مساحتها إلى 12 ميلا مربعا، بينما تواجه هذه العناصر مقاتلين من قوات الأمن العراقية و"البيشمركة" الكردية، التي يناهز عددها 54 ألف شخص.
ويضيف نايتس أنه بإمكان المرء أن يتصوّر بسهولة السيناريوهات المرعبة التي قد تنشأ خلال المعركة. فهناك بعض الأسئلة التي قد تطرح نفسها هنا وهي: ماذا لو فرّ مليون شخص من المدينة؟ ماذا لو فجّر تنظيم «الدولة الإسلامية» جميع الجسور الممتدة فوق نهر دجلة وخرّب أنظمة الكهرباء والمياه، مسبّبا أزمة إنسانية؟ ماذا لو أدت أعمال العنف إلى إفساد التواصل الأول بين قوات الأمن المشاركة في تحرير الموصل و"مقاتلي المقاومة" المحليين المناهضين لـ تنظيم «داعش»، الذين ربما كانوا أنفسهم يقاتلون الحكومة قبل عام 2014؟ ماذا لو اندلعت اشتباكات بين قوات "الجيش العراقي" من جهة والقوات التركية أو الكردية التي تحاول دخول المدينة من جهة أخرى؟ وماذا عن الخطر الذي تشكّله «وحدات
الحشد الشعبي» المدعومة من إيران، بإقحامها نفسها في القتال في المناطق الحضرية وقيامها بهدم بلدة مجاورة كتل عفر، التي تُعتبر موطن العديد من قادة تنظيم «الدولة الإسلامية» وشريحة سكانية كبيرة من التركمان السنّة؟
ويؤكد التقرير أن المخططين العسكريين المشاركين في العملية يدركون تماما ماهية هذه التعقيدات. ولكنه يؤكد أيضا أن معظمها لن يتطوّر بالحدة نفسها التي يخشاها المراقبون. هناك فرصة جيدة بأن يحقّق التحرير الفعلي للمدينة نجاحا باهرا: فمعظم سكان الموصل سيحتمون في منازلهم، إذا تمّ تشجيعهم على البقاء حيث هم لأن أنحاء كثيرة من هذه المدينة الكبيرة لن تتأثّر بشكل مباشر بعمليات القتال، بينما ليس لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» ما يكفي من المقاتلين للدفاع عن أكثر من بضعة أحياء.
وسيقوم العراق بالتعاون مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة بتنفيذ العمليات الخاصة، كما ستساهم القوة الجوية في منع التدمير الشامل للبنية التحتية الأساسية، كما ستَستخدم الحكومة العراقية المعدّات المزوّدة من الولايات المتحدة لاستبدال الجسور التي تتعرض للتخريب. وقد بذلت بغداد وحلفاؤها الدوليون أيضا جهودا حثيثة لإبقاء قوات "البيشمركة" و«وحدات الحشد الشعبي» الشيعية بعيدا عن المعركة الحضرية لتحرير الموصل، حيث أخذوا العبرة من المرحلة التي أعقبت احتلال المدينة في عام 2003 حين قوبل وجود قوات الأمن الكردية والشيعية في المدينة، الذي فرضه الجيش الأمريكي، برفض عنيف من قبل الأغلبية العربية السنّية.
وجهة نظر نايتس، الذي عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقا بقوات الأمن في البلاد، فإن التحالف الدولي أدى دورا رئيسيا في كل نصر، بفضل حملاته الجوية والجهود التي بذلها في تدريب القوات العراقية وتجهيزها.
فحاليا تحلّق في سماء الموصل أسراب من الطائرات القتالية الأمريكية وتلك التابعة للتحالف، إلى جانب طائرات الاستطلاع دون طيار، فضلا عن منصات للتزوّد بالوقود. أما كامل القوة الاستخباراتية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة فتتركّز على الموصل كالليزر، حيث تمنح العراق القدرة على الوصول إلى المدينة وقتل قادة
تنظيم الدولة وكشف دفاعاتهم في الوقت الفعلي. كما أن الطائرات الأمريكية تنقل المواد الغذائية والوقود والذخيرة مباشرة إلى ساحة المعارك. ومن جهتها، تقوم المدفعية الأمريكية والفرنسية على الأرض بقصف مواقع التنظيم وصولا إلى أطراف المدينة. أما قوات التحالف الخاصة فتعمل في الأماكن التي يمكننا رؤية هذه القوات - على الخطوط الأمامية، حيث تحدّد الأهداف وتقدّم المشورة للقادة العراقيين - وفي الأماكن التي لا يمكننا رؤيتها، في الموصل حيث تعمل على تنظيم صفوف المقاومة وأداء مهمات خاصة. وفي المقرات العراقية كقاعدة "غرب القيارة" الجوية، تُعتبر فرق الاستشارة التابعة للتحالف كالصمغ الذي يُبقي العمليات العراقية - الكردية المشتركة متماسكة ويُقلل من الخسائر في الأرواح بين صفوف العراقيين.
ويؤكد التقرير أن الخطر الحقيقي الذي يلوح في الأفق، يتمثّل بإمكانية نشوء صورة أخرى من صور "داعش"، مما يجعل نجاح عملية تحرير الموصل الذي سيتحقق بشقّ الأنفس مجرّد انفراج مؤقت.
ويقدم التقرير صورة متشائمة عن أوضاع المحافظات السنية التي سيطرت عليها بغداد، فمحافظة ديالى الواقعة شمال شرق العاصمة بغداد صورة عن مستقبل محتمل للعراق. فالمليشيا الشيعية "منظمة بدر" التي تدعمها إيران، تهيمن على الأغلبية السنّية في هذه المحافظة، وتدير الحكومة وقوات الأمن المحلية.
ولم يتمكّن التحالف بقيادة الولايات المتحدة من تنفيذ أي عمليات في المحافظة؛ لأن المليشيات المدعومة من إيران رفضت الدعم الجوي الأمريكي، ويخشى التحالف من ردّ فعل المنظمة إذا أقدمت مقاتلاته على تنفيذ أي ضربة جوية خاطئة.
والآن، تحتاج الولايات المتحدة، كما يقول التقرير، إلى البدء بوضع خطط لمنع مناطق أخرى من العراق من مواجهة مصير ديالى نفسه. والخطوة الأولى في إطار تطوير صيغة مختلفة لإرساء الاستقرار بعد انتهاء الصراع، تتمثّل بتمديد فترة "قوة المهام المشتركة (عملية الحل المتأصل)" بقيادة الولايات المتحدة لعدة سنوات، وذلك بالاتفاق مع الحكومة العراقية. وسيكون هدف ذلك إقامة علاقة تعاون أمني طويلة الأمد من شأنها تأمين التغطية للحكومة العراقية الحالية وخليفتها، عبر وضع هذه الشراكة المفيدة تحت كنف رئيس الوزراء العراقي الواقعي الحالي حيدر العبادي. وتندرج هذه الخطوة أيضا ضمن مهمة "قوة المهام المشتركة (عملية الحل المتأصل)"، التي تتمثل بإضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» لكي تتمكن القوات العراقية من التصدّي له بسهولة. ومن الواضح أنه لم يتمّ التوصل حتى الآن إلى هذا الهدف في ديالى، ولن يتم التوصل إلى ذلك أيضا في المناطق الحدودية النائية من البلاد، ولا على طول خط المواجهة في «إقليم كردستان العراق»، حيث يستغلّ التنظيم التوترات بين العرب والأكراد.
ويرى التقرير أن إطالة أمد "قوة المهام المشتركة (عملية الحل المتأصل)" سيعود بالعديد من الفوائد. ويتعيّن على "قوة المهام المشتركة (عملية الحل المتأصل)" تطوير برنامج تدريب وتجهيز يمتدّ على عدّة سنوات، ويركّز على تدريب القوات الخاصة والاستخباراتية على عمليات مكافحة الإرهاب.
ويختم التقرير بأنه يتعيّن على الولايات المتحدة توفير حماية أفضل لأصدقائها في العراق. وفي غياب مثل هذه الضمانة بشأن استمرار دعم التحالف على المدى الطويل، قد يستسلم حلفاء الغرب مثل رئيس الوزراء العبادي، و"مركز مكافحة الإرهاب"، و"الجيش العراقي"، وأكراد العراق، ومقاتلي العشائر السنّية في وجه الضغوط والتهديدات التي تمارسها المليشيات الشيعية المدعومة من إيران خلال السنوات القادمة. كما أن التركيز الدولي المستمر قد يساهم في مراقبة التعاون الأمني وتحسينه بين بغداد و«إقليم كردستان العراق» على طول حدودهما المتنازع عليها.
ويضيف التقرير، تدرك واشنطن تماما كيف تبلورت الأمور في عام 2011: فقد توقّفت عن الدفع، وبعد 30 شهرا تقريبا استولى تنظيم «الدولة الإسلامية» على ثلث العراق. وتمثّل خطأ الولايات المتحدة بانسحابها السريع والكامل من البلاد، مما وفّر الظروف المثلى لاستعادة نشاط تنظيم «داعش» بشكل قوي. يجب على واشنطن أن تتمتع هذه المرة ببعد نظر أكبر. ومن أجل تحويل حلم الانتصار القادم في الموصل إلى إنجاز دائم، يتعيّن على المجتمع الدولي ألا ينسحب من المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد تحرير الموصل.