الفصل الأول:
كإخوة يوسف، بعد أن أخذوه من أبيهم بعهد أن يحفظوه ويحموه، فخانوا العهد، وألقوه في الجب حسدا منهم، لم يراعوا صغر سنه ولم يأبهوا لكبر سن أبيهم، تحجّرت قلوبهم، فلم ترق لبكاء الصغير واستغاثته، وماتت ضمائرهم فلم يعطفوا على عجوز ذهب بصره حزنا على صغيره.
هكذا كان قدر
مصر التي استقبلت يوسف عبدا مباعا، فبعد آلاف السنين تصبح مصر كلها يوسفا جديدا، فيلقي بها جندها، إخوة يوسف الجدد ممن أقسموا على عهد الولاء لترابها وحماية أرضها وشعبها، في جب مظلم. فعلى حين غرة، غدر الحماة بعهدهم، وألقوا البلاد في جب الضياع والعبودية. لم يرحموا صغيرا بها، ولم يوقّروا عجوزا فيها، ولم يصونوا عرضا لنسائها. فكما بيع يوسف عبدا، بيعت مصر جارية مقطعة الأوصال لكل من دفع ثمنا بخسا لقوادي العسكر.
لكن إخوة يوسف الجدد هم الأشد قسوة وجبروتا. فإن كان أبناء يعقوب قد سوّلت لهم أنفسهم التخلص من أخيهم، فذلك لم يكن كرها له إنما طمعا في حب أبيهم. لكن ما حجة إخوة يوسف في زماننا؛ عندما لم يكتفوا بإلقاء مصر في جب الإفلاس والتبعية بعد أن حطموا اقتصادها، ونهبوا خيراتها؟ لم يكتفوا بجعل شعبها في حالة من العوز، بل صاروا يتاجرون بجوعه تارة وبأعضائه تارات.. لم يكتفوا بأن تباع مصر كما بيع يوسف، ولكن صاروا يمزقونها قطعا ويبيعونها للشرق والغرب.
إخوة يوسف أشفقوا على أخيهم من القتل، أما العسكر فكل يوم يقتلون في مصر وشعبها بلا رحمة أو هوادة.
الفصل الثاني:
ولأن قصة يوسف لها أكثر من فصل، كذلك قصة مصر فبعد انتهاء الفصل الأول من قصة الصدّيق برميه ثم بيعه، يبدأ الجزء الثاني على أرض مصر، وكأن الله كتب أن يذيقها مما أذاقت منه نبيه، فظل يتوارث حكمها عزيز مصر (..) الذي يظهر بوجهه القبيح أحيانا، وأحيانا أخرى يتوارى خلف آلاف من الأقنعة، ذاك الضعيف أمام الأقوى منه، والأسد الجسور على الضعفاء من رعيته.
كما ظل قاضي يوسف، من ارتضى أن يكون حذاء بقدم الحاكم، ذاك الذي علم الحق وحكم بالباطل، ما زال يجلس على منصة القضاء، ليحكم كل يوم على آلاف آلاف الأبرياء بالسجن والموت من أجل (شخص) يجلس على رأس الدولة، مكتفيا بقوله "يوسف أعرض عن هذا" هم أيضا يريدوننا أن نعرض عن فحشهم وتجبرهم، فلا نذكره ولا نعارضه، وإلا مكاننا السجون.
وبعد أن ظل يوسف بسجن مصر أعواما، أصبحت مصر كلها سجنا، وحدودها قضبان من القهر تحبس داخلها كل بريء. فخلف جدران مصر يُسجن الأطفال وتنتهك طفولتهم، وخلف قضبان مصر تغتصب الفتيات ولا معتصم يجير الكسيرة.. خلف جدران مصر يُحبس العجائز ويُقهر أصحاب الفكر وأصحاب الدين.. خلف قضبانها تُمحى ذاكرة شبابها وتسلب منهم قوتهم وأعمارهم.
الفصل الثالث:
سنينا عجاف.. رؤيا رآها ملك مصر فأفزعته، فصار يبحث عن تأويلها لتكون سببا لخروج المظلوم من السجن، وتكون إيذانا ليحكّم شرع الله على أرضه، لكن قصتنا تختلف "فذليل" مصر، أقصد "عزيزها"، هو من يصنع السنين العجاف صنعا، فمنذ أن حكم العسكر مصر وهي تعيش في سنين عجاف، تأكل فيها البقرات العجاف البقرات السمان. لكن هذه ليست رؤيا تحتاج لتفسير لنتجنبها، بل هي واقع نعيشه، والأدهى والأمر أننا لا نعرف عدد البقرات العجاف، وكم ستطول سنوات القحط.
في قصة يوسف كان العقاب سنين جوع فقط، ربما لأن الناس كانت ذنوبهم أخف من ذنوبنا بمراحل، أما نحن فقد أوجد لنا العسكر أنواع قحط جديده تتناسب مع حجم ذنوبنا، فنحن من ارتضينا بالدم والظلم، ونحن من سنجني الثمار.
زرعوا لنا..
- فقرا مائيا نتيجة تنازلهم عم حق البلاد في مياه النيل، مما سيترتب عليه الجوع والعطش والموت البطيء.
- ترسيم حدود مع السعودية وبيع جزيرتين لها، مما سيدخل البلاد في حرب مع دول الجوار.
- التنازل عن آبار الغاز لليونان وقبرص وإسرائيل.
- سيناء التي صارت قاب قوسين أو أدنى لتكون تحت يد الإسرائيليين بالفعل.
- الديون التي أغرقوا البلاد فيها لصالح معظم بلدان ومنظمات العالم.
- معاداة دول الجوار والدول الإسلامية بمناصره العسكر للطغاة كما الحال في سوريا - ليبيا - اليمن.
- محاربة العسكر لكل ما هو سني داخل حدود مصر وخارجها، وتأييدهم للشيعة والعلمانية الفجة.
أسباب سبع أخطر من السنين العجاف السبع صنعها لنا "ذليل" مصر، فأين لنا من يوسف ليدبر الأمر وينقذ تلك البلاد من عجافها؟ ولكن اعلموا يرحمكم الله أن بداية نجاة البلاد في قصة يوسف كانت برفع الظلم عن المظلوم، وإعطاء أصحاب الكفاءة حقهم في الإدارة، ولكن بقصتنا ما زالت النهاية مفتوحة؛ لأن الظلم ما زال قائما، وما زال الناس في غيابة غيهم وظلمهم وفسادهم يعمهون.