لا يمانع في خلافة
محمود عباس في رئاسة
السلطة الفلسطينية لكن بشرط أن يطرح اسمه في ظل إجماع من حركة "
فتح" والشعب الفلسطيني ودعم عربي رسمي.
ولأن ما يطلبه مستحيل التحقق في ظل حالة الانقسام الفلسطيني و"الفتحاوي" والعربي، فهو يترك الباب مواربا، حين يعلن بشيء من التمنع بأنه "مرتاح في الإقامة بأوروبا ولا يطرح نفسه بديلا، لكن في حال بحث الموضوع فلن يكون من جهته ولن يشارك بأي نشاط علني أو سياسي بالسياق، ولن يدلي بأي بيان سياسي إلى أن "تنضج الطبخة " إذا كانت جدية بعيدا عنه وبدونه قبل الخوض بأية تفاصيل"، وفقا لرده على ما يتردد عن ترشيح اسمه من قبل أطراف عربية لوراثة محمود عباس.
يواجه صعوبات جمة تحتاج إلى جهود مضنية من أجل ترميم وتعبيد الطريق أمامه، منها معارضة بعض زملائه في قيادة "فتح" لتوليه الرئاسة لأسباب مختلفة، مثل أنه ليس الأكبر سنا، وفق تقاليد المنظمة، وليس من جيل المؤسسين، إضافة إلى علاقته الجيدة مع القائد "الفتحاوي" محمد دحلان الذي أبعده عباس عن "فتح".
ويخشى العديد من أعضاء اللجنة المركزية لـ"فتح" أن يمثل اختيار
القدوة جسرا لعودة دحلان للعب دور مركزي يقوده بعد سنوات قليلة إلى منصب الرئاسة. وفي الجهة المقابلة فإن عباس ما زال يمسك بالكرسي بيده وأسنانه وأظافره، ويرفض وسيبقى على موقفه، ولن يوافق على التنحي من منصبه، كما أكدت مصادر التي أضافت أن رئيس السلطة ما زال متخندقًا في منصبه.
ناصر القدوة المولود في عام 1953 بغزة، هو ابن شقيقة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار)، تنقل بين ليبيا ومصر، وانضم إلى "فتح" في عام 1969، بعد أن تعرف على الحركة خلال زيارات "أبو عمار" المتكررة إلى ليبيا، مكان إقامة أسرته بعد انتقال والده للتدريس في بنغازي، منذ أيام الملك إدريس السنوسي.
حصل القدوة على شهادة في طب الأسنان من جامعة القاهرة عام 1979، واختير قبلها عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1975 ممثلا عن "اتحاد الطلبة".
انتخب عضوا في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ما بين عامي 1981 و1986، وفي تلك الفترة عين عضوا مراقبا في المجلس الثوري لـ"فتح" عام 1981، وانتخب عضوا عاملا في المؤتمر الخامس للحركة عام 1989.
بدأ القدوة عمله الدبلوماسي في عام 1986، حيث عينه الخال "أبو عمار" مساعدا للمثل الدائم لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة زهدي الطرزي، ليحل مكانه بعد ذلك في عام 1991، وبقي في موقعه حتى عام 2003.
ساهم القدوة أثناء وجوده في هذا الموقع، في تحريك قضية ضد "الجدار العازل" الإسرائيلي في الأمم المتحدة، حيث نتج عن هذه الجهود قرار محكمة العدل الدولية في "لاهاي" بعدم شرعية الجدار، ووجوب تعويض المتضررين الفلسطينيين منه.
عُين وزيرا للخارجية الفلسطينية في حكومة أحمد قريع في نيسان/أبريل عام 2003 وحتى عام 2005.
كان إلى جانب خاله الزعيم "أبو عمار" خلال الحصار الإسرائيلي للمقاطعة في رام الله، وفي المشفى الفرنسي بباريس حيث نقل إلى هناك وتوفي في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2004.
ونتيجة لقربه من "أبو عمار" في آخر أيامه، سيتبنى القدوة نظرية اتهام "إسرائيل" بتسميم الرئيس عرفات، مؤكدا "أن نوعية السم المستخدم تثبت ضلوع السلطات الإسرائيلية في عملية القتل".
يقول: "حقيقة اغتيال عرفات من قبل إسرائيل تمثل قناعة لدى الشعب الفلسطيني بشكل عام، ولدى العرب وأصدقاء فلسطين في العالم، وأن الكثير من الدلائل والشواهد في هذا الاتجاه موجودة".
واحتراما للخال فقد ترأس مجلس أمناء "مؤسسة ياسر عرفات" منذ إنشائها عام 2007 وحتى الآن، كما أعيد انتخابه في مؤتمر "فتح" السادس عام 2009 عضوا في اللجنة المركزية للحركة.
واختير في آذار/مارس عام 2012 مساعدا للمبعوث الأممي لسوريا كوفي أنان ولخلفه الأخضر الإبراهيمي، وقرر الاستقالة من المهمة في شباط/فبراير عام 2014، حيث كلفته الجامعة العربية فيما بعد بمهمة مبعوثها الخاص في ليبيا.
ورغم ظهور اسم القدوة بقوة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية أخيرا فإن مسألة "خلافة عباس" لا زالت بعيدة عن الحسم بوجود مرشحين يعتبرون أنفسهم أحق بالمنصب، ومن بينهم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، والقيادي "الفتحاوي" الأسير مروان البرغوثي، والقيادي في "فتح" محمد دحلان، بالإضافة إلى أنه وفي خضم حرب الخلافة يتوقع أن ترغب المؤسسة الأمنية الفلسطينية في وجود أحد قياداتها على كرسي الرئاسة ومن أبرزهم مدير المخابرات العامة ماجد فرج، رغم أن علاقاته مع قادة الأجهزة وقادة "فتح" غير مستقرة.
لكن تبدو فرص القدوة جيدة في ظل ما يشاع عن علاقة قوية تربط بينه وبين الأسير البرغوثي، وأن من شأن هذه العلاقة أن تدعم حظوظ ترشيحه، أو أن تكون جزءا من قيادة جماعية تدير شؤون المنظمة والسلطة و"فتح".
وتقول الأنباء إن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تحتضن محمد دحلان، تنازلت عن طرح اسمه كوريث لعباس، لأنه ليس مقبولا على الشارع الفلسطيني، وتحديدا لأنه من قطاع غزة، وليس من الضفة الغربية المحتلة.
ومن المؤكد أو عباس لن يترك الأمور دون حسم فهو بدأ الإعداد لانتخابات قيادة "فتح" وقيادة منظمة التحرير، بعد محاولة عدد من الدول العربية الضغط عليه لإعادة دحلان إلى قيادة الحركة.
ويتوقع أن يعقد المؤتمر العام للحركة قبل نهاية الشهر المقبل، وأن ينعقد المجلس الوطني قبل نهاية العام، وسيجري في المؤتمرين انتخاب قيادة جديدة لحركة "فتح" ولمنظمة التحرير، لكن ليس من مؤشرات على اختيار نائب للرئيس عباس في هذه الانتخابات، الأمر الذي يبقي سؤال الخلافة معلقا ومفتوحا على الاحتمالات.
القدوة لا يغرد خارج السرب "الفتحاوي" فهو يؤكد على جملة من الحقائق التي تعتبر هدفا استراتيجيا لحركة "فتح"، ففي حلقة نقاش سياسية تحت عنوان "ما العمل" طرح ناصر القدوة برنامجا سياسيا للخروج من المأزق الفلسطيني من عشر نقاط.
وحسب الرؤية التي قدمها فإن الخطوة الأولى هي إعادة تحديد الهدف الوطني المركزي وصياغته بصورة واضحة وهو يتثمل بإنجاز الاستقلال الوطني وممارسة السيادة في دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وهو يستبعد الحل العسكري للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ويرى الحل على أساس سياسي. ويدعو إلى ضرورة إعادة صياغة السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى سلطة خدمية وترحيل المهام السياسية والسيادية إلى منظمة التحرير ومراجعة العقيدة الأمنية لتكون مهمة الأجهزة الأمنية خدمة المواطن.
ويؤكد على إعادة الاعتبار للمؤسسة الفلسطينية و"دمقرطتها" عبر الانتخابات الدورية والمتمثلة في "المجلس الوطني" و"المجلس التشريعي" والتنظيمات وكذلك النقابات والاتحادات ومؤسسات المجمتع المدني، والأهم مواجهة الاستعمار الاستيطاني لفلسطين.
وهو يستبعد خيار "المفاوضات" دون توفر أساس سياسي واضح متفق عليه ومشرعن دوليا مع إعلان فشل المقاربة القديمة التي تقوم على أساس "المفاوضات" المباشرة دون شروط أو مرجعية وعدم العودة إليها مرة أخرى.
وفي النقطة الأكثر حساسية يركز على استعادة "الوحدة الوطنية" سياسيا وجغرافيا على أساس مقاربة شاملة تستجيب لمتطلبات: أولها إعادة الوضع إلى ما قبل 2007 عبر تخلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن سيطرتها على قطاع غزة في كافة مناحي الحياة.
وثانيها الشراكة السياسية الكاملة لـ"حماس" في منظمة التحرير والحكومة والجهاز الوظيفي للسلطة من خلال تخلي "فتح" عن سيطرتها عن النظام الحالي وبناء نظام قائم على الشراكة.
وثالثها وجود أساس سياسي واضح يتضمن الاتفاق على الهدف الوطني وهذا يكفي ليشكل جوهر البرنامج السياسي للمنظمة واخيرا قبول مشترك للديمقراطية وتداول السلطة.
ويطرح القدوة ضرورة اعتماد سياسات اقتصادية لإيجاد اقتصاد منتج يساعد على الصمود، عبر تشجيع الإنتاج الزراعي والصناعي بدلا من تشجيع الاستهلاك.
وبعد أن يطرح رؤيته للحل داخل فلسطين يريد أن يواجه مشاكل المنطقة من خلال مواجهة "التيار الإسلامي العنيف" والتفاهم مع "التيار الإسلامي المعتدل" والتصدي للطائفية الصاعدة، ويكون التعامل مع إيران على أساس عربي إيراني وليس سنيا شيعيا، وواجب استخدام القيمة الأخلاقية للقضية الفلسطينية لمواجهة الصعود الطائفي.
وختم القدوة الخطة السياسية بصرورة الإمساك بزمام المبادرة السياسية والحفاظ على القرار الفلسطيني المستقل.
وطالب بضرورة وجود متطلبات جمعية يجب العمل عليها معا والتفاهم على أرضية وضع شامل يشمل الضفة والقدس رافضا للحلول الجزئية مثل "الكونفدرالية" مع الأردن أو "دويلة في غزة".
وبين أن الأردن لا يريد أن يتحمل مسؤولية الضفة، بينما لا تريد "إسرائيل" الانسحاب منها، كما تريد فصل غزة عن الضفة ورمي القطاع في حضن مصر.
القدوة يقدم مقاربة قد تكون مرضية ومشجعة لأطراف أخرى سيكون دورها حاسما في تحديد هوية من سيجلس على كرسي السلطة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل"، إضافة طبعا إلى مباركة الدول العربية الممسكة بالملف الفلسطيني وهي، الأردن والسعودية ودولة الإمارات ومصر ومن بعيد قطر عبر علاقتها بـ"حماس".