قام ولي العهد ووزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف الأسبوع الماضي بزيارة للعاصمة التركية أنقرة في الوقت الذي تتعرض فيه
تركيا والسعودية لمؤامرات يحيكها "العقل المدبر" الذي يبدو في الظاهر حليفا لكلا البلدين ولكنه في الحقيقة يكن لهما العداء ويستهدفهما بخطط خبيثة.
هذه الزيارة فرح بها المطالبون بالتقارب التركي السعودي لمواجهة التحديات والمخاطر التي تحيط بكلا البلدين ودعاة تشكيل تحالف سني للحد من التمدد الإيراني الشيعي في المنطقة، وسط تكهنات متفائلة حول التحركات المشتركة لحل بعض الملفات كالملف السوري.
الأمير محمد بن نايف، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، عقب لقائهما في أنقرة، أكَّد أن بلاده مستهدفة، وقال: "الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان، ولا نستطيع أن نقول لهم لا تستهدفونا، لكن المهم أن نحصن أنفسنا قدر الإمكان"، مضيفا أن "تركيا بلد شقيق، ويهمنا دائما أن يكون التنسيق بيننا قويا والعمل مشتركا، لأننا بالفعل بحاجة إلى بعضنا البعض".
نعم، تركيا والسعودية مستهدفتان وبحاجة إلى بعضهما، وهناك قواسم مشتركة، بالإضافة إلى ظروف تجعل تعزيز التعاون الاستراتيجي أمرا ضروريا لمواجهة المؤامرات التي تهدد كلا البلدين، كما أن هناك مواقف متباينة من قضايا هامة تعيق وصول التعاون الثنائي إلى المستوى المطلوب.
ومما لا شك فيه أن موقف تركيا عموما، وأردوغان على وجه الخصوص، من الديمقراطية والربيع العربي والشعوب الثائرة من أجل الحرية والكرامة يأتي على رأس تلك المواقف المتباينة. ومنذ فترة طويلة تحاول أطراف تدعو إلى تشكيل تحالف تركي سعودي لمواجهة إيران أن تدفع تركيا باتجاه التخلي عن الوقوف إلى جانب ثورة الشعب المصري والاعتراف بشرعية الانقلاب والمصالحة مع مصر السيسي.
تصريحات أردوغان، في الحوار الذي أجراه الكاتب السعودي القدير جمال خاشقجي وبثته قناة روتانا خليجية، حول الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي وشروط أنقرة لعودة العلاقات مع مصر إلى طبيعتها، تؤكد أن سياسة الجزرة التي تمارسها تلك الأطراف لاستمالة الرئيس التركي إلى المصالحة مع السيسي والإيقاع بينه وبين الملايين من محبيه العرب والمسلمين لن تنجح في تحقيق أهدافها، لأن أردوغان أذكى بكثير وأكثر حنكة من تلك الأطراف.
تركيا نجت قبل أقل من ثلاثة أشهر من محاولة انقلاب دموية قامت بها مجموعة من الضباط الموالين للكيان الموازي، وأطلقت الحكومة التركية عملية شاملة لتطهير أجهزة الدولة من خلايا هذا التنظيم الإرهابي، وارتفعت شعبية أردوغان والحكومة بين المواطنين بشكل غير مسبوق، في ظل تأييد المعارضة لمكافحة الكيان الموازي، كما أن الاقتصاد التركي تجاوز صدمة محاولة الانقلاب وآثارها السلبية. ولكن القوى الداعمة للانقلابيين ستواصل محاولاتها لاستهداف تركيا وإرادة شعبها.
المملكة العربية السعودية هي الأخرى مستهدفة من قبل القوى ذاتها التي تستهدف تركيا، ولعل قانون جاستا خير دليل على ذلك، كما أن هناك مشاكل اقتصادية تعاني منها المملكة لأسباب عديدة كتراجع أسعار النفط وغيره، بالإضافة إلى ما يقال حول وجود تنافس بين ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
رغبة تركيا في التقارب مع السعودية لمواجهة المخاطر والتحديات والمؤامرات صادقة، وتدرك أنقرة جيدا أن هذا التقارب لصالح البلدين والمنطقة بأكملها. وبالتالي أعلن أردوغان بشكل صريح وقوف تركيا إلى جانب السعودية في مواجهة قانون جاستا. وإن كان ما يدور حول وجود تنافس داخل الأسرة المالكة في السعودية صحيحا فإن ذلك لا يعني تركيا، لأنه شأن سعودي داخلي لا تتدخل فيه تركيا، ولا تدعم طرفا ضد آخر.
ولكن هناك أمر آخر يجب ألا تتغافله أنقرة، وهو وجود تيار خليجي يعادي تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، لأن عداء هذا التيار للرئيس التركي متأصل لا يتزعزع، ويتمنى سقوطه مهما كانت عواقبه. ولم يخف المنتسبون لهذا التيار الخليجي فرحتهم باحتمال نجاح محاولة الانقلاب في الخامس عشر من تموز/يوليو الماضي. وكمثال واضح لموقف هؤلاء من محاولة الانقلاب في تركيا، كتب رئيس اللوبي السعودي في الولايات المتحدة، سلمان الأنصاري، في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي الشهير "تويتر"، ليلة محاولة الانقلاب، أن "تركيا بلا أردوغان: استقرار أكثر لمصر في سيناء وانفراجة أمنية أكبر في ليبيا وانحسار لميليشيات فجر ليبيا ووضوح أكبر في الموقف مع سوريا".
قد يقول قائل إن ما كتبه الأنصاري يمثل نفسه، وقد يكون ما يقوله صحيحا، إلا أن ذلك لا يغير شيئا من الحقيقة، وهي أن ذلك التيار الخليجي المعادي لأردوغان له نفوذ قوي في السعودية، وأن هؤلاء الذين يعادون الرئيس التركي ويعملون ليل نهار لتشويه سمعته ويقال إنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، أقرب إلى قلوب صناع القرار في السعودية من الإخوة الطيبين الذين يرون ضرورة التقارب بين أنقرة والرياض للدفاع عن أنفسهما وحل مشاكل المنطقة والأمة.
* كاتب تركي