الكماليون يحاولون سرقة الانتصار

فشلت محاولة الانقلاب العسكري التي قامت بها مجموعة من الضباط الموالين للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، في منتصف يوليو / تموز الماضي، إلا أن النقاش الدائر حول الجهة التي تقف وراء إفشالها ما زال مستمرا، في ظل ادعاء الجميع بأنه هو الذي لعب دورا محوريا في إفشال محاولة الانقلاب.

الكماليون، العلمانيون المتطرفون، منذ تأسيس الجمهورية التركية كانوا مسيطرين على جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، بما فيها الجيش والاستخبارات والقضاء الأعلى، إلا أن نفوذهم تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة بالتوازي مع ارتفاع الوعي الديمقراطي لدى الشعب التركي والإصلاحات التي حققتها الحكومة التركية لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في إطار مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة، يحاول هؤلاء أن يسترجعوا نفوذهم من خلال تقديم أنفسهم كقوة قومية ووطنية يمكن الاعتماد عليها في مكافحة تنظيم الكيان الموازي الموالي للولايات المتحدة.

الشعب التركي الذي نزل إلى الشوارع والساحات استجابة لدعوة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لصون الديمقراطية والإرادة الشعبية ضد الانقلابيين هو الذي أفشل محاولة الانقلاب، إلا أن الكماليين منذ الخامس عشر من يوليو / تموز الماضي يتجولون بين مختلف القنوات التلفزيونية ويظهرون على صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية ليدَّعوا بأنهم لعبوا دورا كبيرا في إفشال محاولة الانقلاب وأن الانقلابيين كانوا على وشك النجاح في تنفيذ خططهم لولا موقفهم الداعم للإرادة الشعبية. وكأنهم يطالبون الشعب والحكومة بدفع ثمن هذا الموقف الرافض للانقلاب.

صحيفة يني شفق التركية في عددها الصادر يوم الأحد الماضي نشرت تصريحات ضابط متقاعد يحذر من إمكانية حصول محاولة انقلاب جديدة في البلاد. وجاء في التقرير أن العقيد المتقاعد حسن أتيلا أوغور أكّد في حديثه للصحيفة أن الأمر لم ينتهِ بعد، وأن القوى المحرِّكة لمحاولة الانقلاب لم تلقِ أسلحتها حتى الآن، وتحدث عن تفاصيل السيناريو المتوقع للفوضى، وزعم أن المحاولة القادمة ستكون أكثر دموية، محذِّرا من أن عدم اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة على وجه السرعة قد يؤدي إلى محاولة انقلاب جديدة لن يتعدى وقوعها شهر نوفمبر / تشرين الثاني القادم.

قبل الحديث عن إمكانية المحاولة الثانية للانقلاب العسكري في تركيا، لنتذكر أولا من هو هذا العقيد المتقاعد وإلى أي مدى يمكن الوثوق بتصريحاته التي أثارت ضجة كبيرة وتساؤلات عديدة في مثل هذه المرحلة الحساسة.

العقيد المتقاعد حسن أتيلا أوغور اشتهر اسمه كالضابط التركي الذي قام بأول تحقيق مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان بعد اعتقاله. وهو من أبرز الوجوه المنتمية إلى مجموعة آيدينليك التي يقودها الزعيم السياسي التركي، دوغو برينتشك، الموالي للنظام السوري. وكان أوغور أحد المتهمين في قضية أرغينيكون وحكم عليه بالسجن. ويتولى أوغور حاليا منصب رئيس حزب الوطن الذي يتزعمه برينتشك. ومن المعروف أن مجموعة آيدينليك من المجموعات الانقلابية التي تحاول السيطرة على الجيش التركي.

تصريحات أوغور التي نشرتها صحيفة يني شفق تهدف بالدرجة الأولى إلى بث الرعب بين المواطنين، وتحاول أن تفتح المجال لعودة الكماليين تحت مسمى اتخاذ التدابير اللازمة، لأن الرجل لو كان يملك معلومات ذات قيمة لكان عليه تقديمها إلى الجهات المسؤولة، بدلا من إثارتها على صفحات الجرائد. 

الشعب التركي أفشل محاولة الانقلاب الأولى مع أنها لم تكن متوقعة، وهو الآن يقظ وعلى استعداد تام لمواجهة محاولة ثانية وثالثة ورابعة للانقلاب بكل ما يملكه من قوة، كما يدرك جيدا ما الذي يحاول أن يفعله الكماليون، ولن يسمح بسرقة انتصاره من قبل انقلابيين آخرين كمجموعة آيدينليك، لأن هذا الانتصار أمانة في عنق الشعب التركي تركها الشهداء الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداء للدين والوطن في مواجهة الانقلابيين وليس بينهم شهيد ينتمي إلى حزب برينتشك.

هناك شبه إجماع في تركيا على أن الأمر لم ينتهِ بعد، وأن جماعة كولن والقوى الداعمة لها سوف تكرر محاولة النيل من الحكومة التركية والإرادة الشعبية، إلا أن الأغلبية ترى أن المحاولات القادمة ستكون كحرب باردة ضد تركيا لتشويه سمعتها وزعزعة أمنها واستقرارها السياسي والاقتصادي، وأن احتمال محاولة انقلاب ثانية على غرار الأولى ضئيل، وأن تركيا كانت مستهدفة وستظل مستهدفة، ولكنها حكومة وشعبا لكل المحاولات بالمرصاد. 

* كاتب تركي