لا يختلف اثنان أن شعبية خليفة
حفتر واسعة، واسمه هو الألمع خاصة في المنطقة الشرقية ويحظى بقبول حتى في مناطق الغرب والجنوب، وذلك برغم أن النقاط المظلمة في تاريخه العسكري والسياسي أكثر من النقاط المضيئة فيه، وأن بداية مشروعه السياسي تكلل بالإخفاق، فقد ظهر على شاشة قناة "العربية" معلنا عن انقلاب عسكري لم يقع له أثر، وكان أشبه بمزحة، أيضا لم يحالف عمليته العسكرية في بنغازي النجاح في الأشهر الأولى، والانتصار الذي حققه جاء بعد سنتين من الحرب الضروس وخلف خسائر كبيرة في الأرواح والأملاك، ولم ينته السجال حتى اليوم.
برغم كل ما سبق ذكره يتمتع حفتر بقبول واسع كما أشرت، ويعود ذلك إلى مسألتين أساسيتين هما:
- تردي الوضع السياسي والاقتصادي والأمني بسبب أخطاء، بل وعبث، النخبة السياسية المدنية، وممارسات الكتائب والمجموعات المسلحة والصراع الذي فاقم من الأزمة وزاد معاناة المواطنين.
- تركيز حفتر على الجيش ونجاحه في تسويق الفكرة للرأي العام، فالزعامة العسكرية تعني شيئا كبيرا للمواطن الليبي، والجيش هو رمز الاستقرار والأمن، وتكون هذا المفهوم وأخذ مكانه في ذاكرة الناس خلال الحقبة الماضية، وترسخ مع ما وقع في جمهورية مصر وسيطرة الجيش هناك على زمام الأمور.
المشاهد البسيط والمتابع العادي للشأن الليبي لا يستطيع استيعاب القضايا المعقدة ويأنس للمقاربات السهلة التي تتفق مع حجم ثقافته ومقدار وعيه وطبيعة إدراكه، وقد نجح حفتر في التناغم مع هذا بأن قدم مشروع الجيش لتكون الثنائية أمام المواطن هي: الجيش في مقابل "الإرهاب" و "المليشيات المسلحة". هكذا هي الصورة منذ إطلاق عملية الكرامة لدى شريحة واسعة من الليبيين، وبرغم أن الجيش لم يحقق إنجازا مهما بخسائر محدودة كما وقع مثلا في درنة وفي صبراته وفي سرت في مواجهة تنظيم الدولة، فالآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتقدم الجيش في بنغازي كبيرة وخطيرة، أيضا نسبة العسكريين في الجيش لا تتعدى 15% في أحسن الأحوال كما صرح قادة عسكريون من الكرامة في مناسبات عدة، لكن كل ذلك لم يؤثر سلبا على أنصار حفتر وظلت ثنائية: الجيش والإرهاب والمليشيات هي الأبرز في وعي شريحة واسعة من الرأي العام.
الوعي الليبي المقولب وفق مقاربة محددة وهي اقتران الخلاص والاستقرار والأمني بالجيش وبالزعيم العسكري متغلغلة حتى في أوساط النخبة، وقد تخلت جمهرة من النخبة المثقفة التي داومت على معارضة العسكر، ورفض دورهم السياسي واتهامهم دوما بالتآمر لأجل السيطرة على مصير الشعوب عن مواقفها، وكان شيوخ وأعيان القبائل والمناطق أقرب من غيرهم لفكرة الزعيم العسكري والجيش المخلص، وقد شكل هؤلاء الحافز للرأي العام المؤيد لحفتر وساهموا في الترويج لثنائية الجيش والإرهاب والمليشيات.
الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية اليوم تصب في صالح حفتر، فركام تجربة المؤتمر الوطني والبرلمان ثم المجلس الرئاسي كان كبيرا ومأساويا بالنسبة للمواطن الليبي، فقد تضاعف خوفه بسبب الفراغ السياسي والحكومي وشبح الانقسام، وتعاظمت الفوضى الأمنية وزاد تغول المجموعات المسلحة والخارجين عن القانون، وتأزم الوضع الاقتصادي والمعيشي بشكل خانق جدا، فيأتي خليفة حفتر في هذا الظرف ليحرر الموانئ النفطية، ويعلن عودة حقول وموانئ النفط إلى الإنتاج والتصدير.
يدرك خليفة حفتر أبعاد الأزمة اليوم، ويعلم هو ومستشاروه المحليون والدوليون أن فشل البرلمان وفشل المجلس الرئاسي، إنما يدفع بأشرعة سفنه إلى الأمام، وهو لا يضع اعتبارا للتحديات برغم جسامتها، إلى درجة التهور، ولو فعل لما أقدم على ما أقدم عليه في بنغازي، ولما ظل مصرا على مشروعه برغم الخسائر الكبيرة والخطيرة، التي ما تزال تخيم على سماء بنغازي وستطل لزمن ليس بقصير.
عين خليفة حفتر على طرابلس، وما كانت بنغازي إلا ملاذا بعد أن فشل الانقلاب الذي أعلن عنه في فبراير 2014، ويخطط حفتر للوصول إليها بنفس المقاربة والثنائية: الجيش مقابل المليشيات. فرئاسة فالمجلس لم تنجح في أن تكون الزعامة السياسية المدنية الفاعلة، وبالتالي تفقد توازنها عند شريحة ليست قليلة بالمقارنة مع حفتر، أما المعارضون لحفتر من ثوار وسياسيون وغيرهم فرغم كثرة عددهم ووفرة تسليحهم قياسا بالذين واجهوا حفتر في بنغازي، إلا إنهم مشرذمون وانقسموا عدة انقسامات على أنفسهم، وبالتالي تدفعهم ثنائية الجيش والمليشيات بعيدا عن اهتمام المواطن، ليظل حفتر هو الأبرز في إدراك عدد كبير من سكان المنطقة الغربية.