عندما تقصف قوات التحالف الدولي موقعا للجيش السوري، عمداً أو خطأ، وتقتل جنوداً من جيش يشارك في الحرب، تقوم الدنيا ولا تقعد، وتنبري بثينة شعبان لتحليل "التخطيط الممنهج والمسبق" لتلك الغارات، ويسارع المندوب الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين الى التنديد بـ"التهور" الاميركي، ويتسابق المسؤولون الاميركيون للاعتذار وربما طلب السماح. ولكن عندما تقصف طائرات النظام أو روسيا قافلة مساعدات إنسانية يفترض أنها لفريق محايد ولا علاقة لها بأي من أفرقاء النزاع الذين لا يعدون ولا يحصون، يخرس جميع أولئك المنظرين بالخطط الممنهجة والتهور.
قلب النزاع السوري كل المعايير. لم يعد جديداً القول إن هذه المأساة لا تشبه إلا نفسها. بمقاييس القانون الدولي، ليس استهداف قافلة تنقل مواد غذائية لمدنيين محاصرين أقل من جريمة حرب يتعين إنزال أقصى العقوبات بالمسؤولين عنها. أما السكوت عنها أو التهاون في الرد عليها فلن يكون أقل من ضوء أخضر للمتحاربين لتكرار جريمتهم مرات ومرات وتمزيق ما تبقى من هيبة القانون الدولي والمؤسسات الدولية.
لن يكون "غضب" ستافان دو ميستورا حيال ما حصل كافياً لاعادة الاعتبار الى دوره في
سوريا، ولن يؤدي تعليق وكالات الامم المتحدة نشاطها في سوريا إلى ردع النظام وحلفائه عن تكرار جريمتهم، إذ ليس التجويع إلا عموداً أساسياً من استراتيجيته الحربية، وليس للاعتبارات الانسانية حيز واسع في حساباته للاحتفاظ بالسلطة.
أمام جريمة كهذه يبدو ما يسمى المجتمع الدولي الملتئم في مقر
الأمم المتحدة، أمام اختبار حقيقي. فإذا كانت للأمم المتحدة وهيئاتها فرصة لاستعادة دورها ودحض الاتهامات لها بالفشل والرد على الاتهامات المتزايدة لها بالتواطؤ مع النظام وأتباعه، فهي مطالبة بموقف قوي مما حصل. المعرقلون لن يتهاونوا وأصحاب الفيتوات لن يتبدلوا، إلا أن موقفاً قوياً مما حصل وتسمية المتورطين بأسمائهم بات ضرورة ملحة وقت يضرب أطراف النزاع عرض الحائط كل الخطوط الحمر متسببين بتفاقم نزاع بات عدد ضحاياه يناهز نصف مليون قتيل.
بات واضحاً أن اتفاقات وقف النار الملتبسة في سوريا هي أخطر من المعارك نفسها. فالعنف الذي يلي هدنة لا تستغرق سوى أيام يزداد وحشية وابتكاراً مرة بعد مرة. تزداد الحاجة الى انقلاب حقيقي في الحراك الدولي حيال سوريا. حراك لا يهدف الى إنقاذ إرث أوباما أو تسجيل نقطة إضافية لبوتين. حراك دولي استثنائي لايجاد حل لحرب استثنائية. نصف مليون قتيل فاتورة أكثر من كافية لتغيير نظام سوري دموي أو نفض نظام دولي متهالك.
(عن صحيفة النهار اللبنانية)