نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للكاتب كريم شاهين، حول مكتبة مسجد القرويين، أو "خزانة القرويين"، في البلدة القديمة من مدينة فاس، التي يعتقد أنها أقدم مكتبة في العالم، والتي ستفتح أبوابها للعامة قريبا.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن عزيزة شاوني، وهي مهندسة معمارية من فاس، تم تكليفها بترميم المكتبة، قولها إن" الأمر يشبه علاج الجروح".
ويقول الكاتب: "تجد الباب الحديدي في الممر، الذي كان في الماضي يربط المكتبة بمسجد القرويين، حيث كانا مركزي الحياة الثقافية في فاس قديما، خلف هذا الباب حفظت أمهات الكتاب، حيث كانت للباب أربعة مفاتيح مختلفة، وكان كل واحد منها مع شخص، كي لا يفتح الباب إلا بحضور الأشخاص الأربعة".
ويضيف شاهين أن "المكتبة المرممة تحتوي على نظام قنوات تحت الأرض؛ لتصريف المياه العادمة، بعيدا عن الرطوبة، التي تهدد
المخطوطات فيها، وتضم المكتبة مختبرا لمعالجة المخطوطات وحفظها، وتخزين تلك النصوص القديمة بصيغة رقمية أيضا، وتحتوي الأجهزة على ماسحات رقمية تستطيع تمييز الثقوب الموجودة في الأوراق القديمة، بالإضافة إلى جهاز آخر للحفاظ على المخطوطات وتغذيتها بالرطوبة الكافية كي لا تتفتت الأوراق".
ويتابع الكاتب قائلا إن "المكتبة تضم غرفة خاصة، تخضع لحراسة شديدة، وتضبط فيها الحرارة والرطوبة بدقة، توجد فيها أقدم الكتب، وأهم هذه الكتب نسخة من القرآن الكريم، تعود إلى القرن التاسع، مكتوبة بالخط الكوفي المزخرف على جلد جمل".
ويقول شاهين إنه "يمكنك أن تشم رائحة الكتب القديمة في غرفة القراءة، وتبدو النسخ هشة، ويعلو الغبار هذه الكتب، التي أنهكتها قلة الاستخدام، بعضها تمت تغطيته تماما؛ كي لا تتفتت بين يديك".
وتنقل الصحيفة عن أحد القائمين على المكتبة، قوله: "العاملون هنا يحرسون هذه الكتب بحرص شديد، بإمكانك أن تؤذينا، لكن ليس بإمكانك إيذاء الكتب".
ويلفت التقرير إلى أن ترميم المكتبة يأتي في وقت يقوم فيه المتطرفون بتدمير تراث المنطقة من سوريا إلى العراق، مشيرا إلى أن مقاتلي
تنظيم الدولة قاموا بارتكاب جرائم ثقافية، فدمروا مكتبة الموصل الشهيرة، ودمروا آلاف المخطوطات، كما أنهم قاموا بتجريف مدن آشورية تاريخية، مثل النمرود وحترة في العراق، وفجروا معبد بعل في تدمر، بالإضافة إلى تدمير القبور.
ويذكر الكاتب أن هذه المشكلات تبدو بعيدة جدا عن
المغرب، الذي تمكن من البقاء بعيدا عن التأثر بالفوضى التي تحيط به في المنطقة، التي حطمت دولا كانت مهيبة، لافتا إلى أن العاهل المغربي قام بتبني إصلاحات أرضت الطبقة الوسطى، دون إعطاء الكثير من السلطات للبرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون، وتمت تهدئة الوضع بعد بعض المظاهرات عام 2011.
وتورد الصحيفة أن وزارة الثقافة طلبت من شاوني عام 2012 تقييم
مكتبة القرويين، وكانت سعيدة لأن العقد رسا على شركتها المعمارية، في حقل عادة ما ينظر إليه بأنه مخصص للرجال، لافتة إلى أن مؤسسة مكتبة القرويين كانت امرأة أيضا.. ففي القرن التاسع الميلادي وصلت فاطمة الفهري، وهي ابنة تاجر تونسي من القيروان إلى فاس، وبدأت بتأسيس مجمع يتضمن مكتبة ومسجد القرويين وجامعة القرويين، وهي أقدم مؤسسة تعليم عليا في العالم، ومن خريجيها الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون، والمؤرخ المسلم ابن خلدون، والدبلوماسي الأندلسي ليو أفريكانوس.
ويفيد التقرير بأنه "من على سطح المكتبة يمكن للمرء مشاهدة بلدة فاس القديمة، بأزقتها، وسكانها الصائمين في شهر رمضان، رغم الحر الشديد، وهم يساومون على البضائع الجلدية، التي تم تصنيعها في المدبغة القديمة، كما يعمل الحدادون وفنانو النحاس في صناعتهم التقليدية بجد واجتهاد، وتختلط رائحة الجلود المصنعة بصوت الأذان، وكأن الوقت توقف في هذا المكان".
وينقل شاهين عن العاملين في الصناعات اليدوية، قولهم إنه أصبح من الصعب تحقيق الأرباح؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، بالإضافة إلى جاذبية الأشياء المصنعة آليا؛ لرخص أسعارها، ومع ذلك يستمر العاملون في عملهم، بعيدا عن شوارع المدينة الحديثة.
وتنوه الصحيفة إلى أن ترميم المكتبة يعيد الذكريات لعزيزة شاوني، التي جاء جدها الأكبر إلى فاس مسافرا على بغل من قريته؛ ليدرس في جامعة القرويين في القرن التاسع عشر، وتقول: "كانت المكتبة أحد بيوته .. إن لها هالة خاصة"، مشيرة إلى أن شاوني، التي نشأت في فاس، كانت تزور دكان عمها في معمله لصناعة النحاس، على مسافة قصيرة من المكتبة، وترى بابها العظيم المغلق، وتفكر في ماذا يوجد خلف ذلك الباب، والآن بعد أن تم تكليفها بترميم المكتبة، فإنها تريد أن تفعل أكثر من ترميم البناء، وتقول: "أريدها أن تستمر في الحياة.. وآمل أن تفتح أبوابها قريبا، وأن يستطيع الناس رؤية المخطوطات لأول مرة، لكني آمل أن يستخدم الناس المكتبة كأنها بيتهم الثاني، فليست أهمية المكتبة في الحفاظ عليها معلما سياحيا، لكن بأن تكون مكتبة عملية".
وبحسب التقرير، فإن المهندسين يعملون في تفحص سلامة هيكل المكتبة، وترميم الخشب، وفي الوقت ذاته محاولة الإبقاء على أكبر قدر ممكن من الهيكل الأصلي، منوها إلى أن فرنسا قامت بمشروع ترميمات للمكتبة في اربعينيات القرن الماضي ؛ لفتحها أمام غير المسلمين، كما قامت بتركيب ثريا في غرفة القراءة، التي تتمتع بسقف مرتفع، بالإضافة إلى طاولات، وكراسي خشبية ملمعة، ونقوش دقيقة على أعمدتها.
ويكشف الكاتب عن أنه "كان من المفترض إعادة فتح المكتبة خلال صيف 2016، ثم في شهر أيلول/ سبتمبر، ولم يتم تحديد تاريخ، لكن يبدو أن المهندسين متأكدون بأن ذلك سيحصل قبل عام 2017، وكان الملك محمد السادس تفقد العمل في حزيران/ يونيو، ويتوقع أن يقوم بافتتاح المكتبة عندما تنتهي أعمال الترميم".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن ترميم المكتبة يعد مقدمة لخطة إعادة فاس إلى مكانتها كونها عاصمة روحية وثقافية كما كانت لقرون، قبل أن تصبح الرباط مركز الحياة السياسية عندما كانت المغرب محمية فرنسية.