وقعت الحكومة
الفلسطينية في 4 آب/ أغسطس الماضي اتفاقية شراكة مع صندوق الاستثمار الفلسطيني؛ لتطوير حقل نفط "رنتيس"، غرب مدينة رام الله، وهو الاتفاق الأول من نوعه في هذا المجال، ما يثير كثيرا من التساؤلات حول الاتفاقية، ما لها وما عليها، وعوائدها الاقتصادية على الفلسطينيين، وكيف ستتعامل "
إسرائيل" معها؟
ويمتد الحقل بين "إسرائيل" والضفة الغربية، وتبلغ مساحة المنطقة التي سيتم فيها استخراج
النفط 432 كيلومترا مربعا، من شمال قلقيلية إلى غرب رام الله، ويقع 60 في المئة منه داخل الضفة الغربية. ومنذ عام 2011، تستخرج "إسرائيل" 8 آلاف برميل نفط يوميا من أجزاء الحقل الواقعة داخل حدود سيطرتها.
ردود الفعل الفلسطينية
وقالت وزيرة الاقتصاد الفلسطينية، عبير عودة، على هامش حفل توقيع الاتفاق بمقر الحكومة الفلسطينية بمدينة رام الله، إن "الاتفاق سيمنح الحكومة فرصة استغلال المصادر الطبيعية الفلسطينية، لتنمية الاقتصاد وخلق فرص عمل".
وأكد رئيس سلطة الطاقة عمر كتانة الذي شارك في حفل توقيع الاتفاق؛ أن "للاتفاق أبعادا سياسية واقتصادية، ويبقي المصادر الطبيعية تحت تصرف السلطة الفلسطينية".
وأشار رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، محمد مصطفى، إلى أن "مشروع النفط في الضفة الغربية له عوائد اقتصادية كبيرة على إيرادات السلطة الفلسطينية تزيد عن 70 في المئة عبر حصتها في الإنتاج ورسوم الامتياز والضرائب، بما يعادل مليار دولار".
وحاولت "
عربي21" التواصل مع مصادر فلسطينية مسؤولة للحصول على تفاصيل إضافية، لكنها اكتفت بما نشر في وسائل الإعلام، دون إبداء الأسباب.
تهميش للمنطقة
من جهته، قال رئيس بلدية رنتيس، مؤيد عودة، إن "أي جهة رسمية فلسطينية لم تبلغهم حتى اللحظة بطبيعة اتفاق استخراج النفط من القرية التي يبلغ عدد سكانها 2600 نسمة، ومساحتها 30 دونما"، لكنها تعاني من تردي أوضاعها الاقتصادية، بسبب التهميش المستمر للحكومة الفلسطينية لها، كما يقول أهالي القرية.
وأضاف عودة لـ"
عربي21" أن "المنطقة بحاجة لرعاية الحكومة لها بشكل دائم، وبحاجة إلى البنى التحتية من شوارع وشبكتي المياه والكهرباء؛ لأنها تتعرض إلى اعتداءات دائمة من قبل المستوطنين".
وأشاد رئيس قسم الجغرافيا في جامعة بيرزيت، والخبير الفلسطيني بالموارد الطبيعية المهندس، عبد الله حرز الله، باتفاق استخراج النفط من حقل رنتيس، لكنه قال إن "تجاوز معارضة إسرائيل المتوقعة له يتطلب إجراء مباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حول تسهيل السلطات الإسرائيلية لعمل الطواقم الفنية العاملة في استخراج النفط من الحقل".
شروط إسرائيلية
وأضاف لـ"
عربي21" أنه "يمكن للسلطة الفلسطينية التواصل مع أطراف دولية لإقناع إسرائيل بعدم عرقلة تنفيذ الاتفاق؛ لأن بعض الطواقم العاملة في استخراج النفط من الحقل قد تكون دولية وأجنبية".
ورأى أنه يمكن "منح إسرائيل نسبة مئوية من عوائد النفط، كي لا تعيق عمل الطواقم الفنية"، مضيفا: "هنا تعلو لغة المصالح المادية على رفضها السياسي، خصوصا مع وجود 2.5 مليارات برميل نفط، و182 مليار قدم مكعب من
الغاز الطبيعي في حقل رنتيس، تقدر قيمتهما الإجمالية بأكثر من 155 مليار دولار"، وفق تقديره.
وعلى الرغم من أن أحدا لا يمتلك أرقاما دقيقة حول احتياطيات حقل رنتيس من النفط والغاز، لكن الفلسطينيين يستوردون سنويا من "إسرائيل" ما قيمته ما بين مليار ونصف وملياري دولار من الاحتياجات النفطية.
وذكر مسؤول في وزارة الاقتصاد الفلسطينية؛ أن "السلطة الفلسطينية تتوقع أن يصطدم الاتفاق بمعارضة إسرائيل، لأن 60 في المئة من المناطق المحددة للتنقيب مصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو، وفي حال لم تعط إسرائيل الموافقة على التنقيب في هذه المناطق، فسيكون من الصعب البدء في مشاريع من هذا النوع، على الرغم من أن اتفاق أوسلو يعطي الفلسطينيين الحق باستغلال مواردهم، وأن سيطرة إسرائيل قانونيا على مناطق "ج" انتهت في عام 1998 وفق اتفاق أوسلو".
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ"
عربي21"؛ أن "عدم سماح إسرائيل للفلسطينيين باستغلال مواردهم الفلسطينية في المناطق الفلسطينية يكلف الفلسطينيين خسائر بقيمة 5 مليارات دولار سنويا".
صندوق الاستثمار
وأنشئ صندوق الاستثمار الفلسطيني عام 2002 بمرسوم رئاسي فلسطيني، ورغم أنه مسجل كشركة عامة مملوكة للسلطة الفلسطينية في وزارة الاقتصاد الوطني، لكن لديه ذمة مالية مستقلة عن الموازنة العامة للحكومة الفلسطينية.
ونشر الكاتب الفلسطيني فضل سليمان، مقالا في 21 آب/ أغسطس الماضي؛ ذكر فيه أن صندوق الاستثمار الفلسطيني يفتقر لوجود قانون ينظمه، ما يشكل مخالفة على صعيد تطبيق نظام النزاهة. وقال إنه رغم ما ينشره موقعه الإلكتروني من معلومات تعريفية ومالية وإدارية متعلقة به، لكنه يخلو من بيانات كافية عن مشاريع الصندوق، والحقوق المالية الخاصة بمجلس الإدارة، وغياب معلومات حول امتيازات الرئيس التنفيذي للصندوق، والجهة المسؤولة عنه، وآلية مساءلته، كما قال.
وقال الخبير الاقتصادي الفلسطيني، ورئيس مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، عمر شعبان، إن "اتفاق السلطة الفلسطينية مع صندوق الاستثمار الفلسطيني لم يمر بالقنوات التشريعية والمجتمعية الفلسطينية".
ورأى أنه من الغريب أن "السلطة منحت الصندوق الحق الحصري لإدارة الموارد الطبيعية، ولم تعلن عطاء علنيا لإتاحة المجال للمنافسة أمام جميع الشركات الفلسطينية، ما يجعله كالصندوق الأسود، لا أحد يعلم ما في داخله".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "هذا الاتفاق غير قانوني؛ لأنه لم يخضع إلى نقاش عام في المجتمع الفلسطيني، سواء عبر اجتماعات المجلس التشريعي، أو حلقات النقاش لدى الخبراء الاقتصاديين، أو برامج تلفزيونية وتقارير صحفية"، وفق قوله.