بعد سلسلة محاكمات مطولة في قضايا وصفت بالخطيرة، ابتداء من "دعم المجموعات المسلحة" و"الإرهاب"، وانتهاء بما تطلق عليه السلطات "تهديدا لأمن المجتمع والسلطة"، أصدر القضاء
الإماراتي مؤخرا عدة أحكام بالبراءة لأشخاص قضوا فترات طويلة داخل السجون، تعرض فيها العديد منهم للتعذيب، بحسب منظمات حقوق الإنسان.
محاكمات سبقها اختفاء قسري للعديد من المعتقلين، لم يستطع أي من ذويهم معرفة أماكنهم، وتبعها تضييق على فريق الدفاع، وعدم السماح للمحامين بالالتقاء بموكليهم، كما يؤكد المتهمون.
ويرى العديد من الحقوقيين أن مسلسل
الاعتقال في الإمارات بحق المعارضين، الذي ينتهي بالإفراج عن بعضهم بأحكام براءة بعد محاكمات شكلية، هو "انتهاك صارخ لحقوق الإنسان".
وتقول رئيسة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، صفوة عيسى، إن "بقاء المعتقلين في السجون السرية، ومعاملتهم بطريقة سيئة، وتعرضهم للتعذيب، واتهامهم بالإرهاب، والإساءة إلى رموز الدولة، ثم حصول تحول دراماتيكي، وإصدار أحكام بالبراءة، يدلل على أن المحاكمة أمنية وليست قضائية".
وتوضح عيسى في حديثها لـ"
عربي21" أن القضاء في الإمارات ليس مستقلا بشكل كامل، وأن من يحدد البقاء في السجن من عدمه هو الجهاز الأمني، مع الأخذ بالحسبان الضغوط الخارجية التي تمارس على الدولة، سواء الرسمية أو الشعبية أو الحقوقية".
حملة تشهير من إعلام الدولة
لم يتعرض المعتقلون للتعذيب وفقدان الحرية فقط، بل واجهوا حملة إعلامية شرسة من الإعلام الموالي للدولة، واتهامهم بالإرهاب، ووصل الأمر إلى حد التخوين، كما يوضح نشطاء.
وبحسب تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد تعرض المعتقلون إلى حملات تشويه أثناء فترات احتجازهم والتحقيق معهم، "شارك فيها الإعلام الحكومي، ونالت من شخوصهم وعائلتهم، وتضمنت في بعض الحالات القدح والذم والتشهير بحق المعتقلين، حتى قبل أن تثبت عليهم أي من التهم المدعاة بحقهم".
ويقول الناشط الحقوقي، أنس مقداد، في حديثه لـ"
عربي21" إن "إعلام أبو ظبي كال العديد من التهم للمعتقلين، واتهم العديد من المواطنين بالخيانة، والأجانب بالإرهاب، والإساءة للدولة ونظامها، وتعريضها للخطر".
وأوضح مقداد أن عائلات المعتقلين المواطنين "تعرضت لمضايقات كبيرة؛ بسبب حملة التشويه ضد أبنائهم، وطردت زوجات بعضهم من وظائفهن، كما فرض حظر السفر على العديد من أقاربهم".
أسماء
وترصد "
عربي21" مجموعة من معتقلي الرأي، الذين حكموا بالبراءة بعد فترات احتجاز طويلة قضوها داخل السجون، دون حصولهم على أي تعويض مادي أو معنوي، والتي تؤكد صفوة أن القوانين في الإمارات لا تتيح ذلك.
موزة العبدولي
اعتقلت المواطنة الإماراتية موزة العبدولي، بالإضافة إلى شقيقتها أمينة وأخوهما مصعب، في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بإمارة الفجيرة، ليتبع الأمر اعتقال أخيهم الأكبر مصعب بعشرة أيام.
واتهمت العبدولي بـ"الإساءة إلى دولة الإمارات وقادتها والمؤسسات الرسمية والسياسية، ونشر
معلومات مغلوطة قد تسبب ضررا بسمعة الإمارات"، في تغريدات نشرتها على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
وقضت دائرة أمن الدولة في
المحكمة الاتحادية العليا الإماراتية ببراءة أصغر معتقلة في السجون الإماراتية، موزة محمد العبدولي، في جلسة 30 من أيار/ مايو الجاري، بعد فشل النيابة في إثبات أي من التهم الموجهة ضدها. وعلى الرغم من الحكم ببراءة موزة، إلا أن عائلتها لم تعرض للآن على المحاكمة، وما تزال معتقلة.
سليم العرادي
اعتقل سليم العرادي في آب/ أغسطس 2014، رفقة رجلي أعمال ليبيين يحملان الجنسية الأمريكية، واحتجزوا في سجن سري، ولم تعترف سلطات أمن الدولة بداية الأمر بأنها احتجزتهم، لتوجه لاحقا للثلاثة تهم متصلة بالإرهاب، لكن الادعاء قرر في آذار/ مارس تغيير الاتهامات إلى دعم "متشددين ليبيين"، وجمع تبرعات دون إذن السلطات، قبل أن يحكموا بالبراة قبل أيام.
يقول المعتقل الليبي السابق في سجون الإمارات، محمد شقيق سليم العرادي، في مقالة له بصحيفة الغارديان البريطانية في 25 أيار/ مايو الماضي: "بعد 16 شهرا، لفّقت النيابة العامة الإمارتية أول الاتهامات لشقيقي، زاعمة بأن له صلات بمؤسستين منخرطتين بأحداث الثورة الليبية، وذلك اعتمادا على اعترافات اُنتزعت تحت وطأة التعذيب، ولكن في آذار/ مارس المنصرم، تراجعت المحكمة عن التهم الموجهة لسليم، وتم توجيه اتهامات أخرى جديدة، أقل خطورة بكثير، لكنها لا تزال مضرّة على نحو كبير، حيث تم اتهامه بتنفيذ أعمال عدائية ضد ليبيا، دون الحصول على إذن من الحكومة الإماراتية، ولم يجرِ دعم هذا الاتهام أمام المحكمة بأي أدلة تؤيده".
معاوية الرواحي
ألقي القبض على المدون العماني معاوية الرواحي على الحدود بين الإمارات وسلطنة عمان، في 24 شباط/ فبراير 2015، ولم يسمح له بالعودة لبلاده، لكنه تمكن من إجراء اتصال مع زميل يعمل مدافعا عن حقوق الإنسان، ليخبره أنهم قاموا بإيقافه.
وقضت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات، الاثنين 14 آذار/ مارس 2016، ببراءة الرواحي من تهم الإساءة لرموز الدولة، وبث أخبار كاذبة، وذلك بعد مثوله أمام المحكمة خمس مرات، وبعد أن قضى 14 شهرا خلف القضبان.
خالد العجمي
اختفى الإعلامي الكويتي المعروف، خالد العجمي، عن الأنظار لفترة دامت أكثر من ستين يوما في الإمارات، ولم يستطع ذووه وحتى السفير الكويتي في أبوظبي معرفة مكانه، ليتبين فيما بعد أنه معتقل من قبل السلطات الأمنية الإماراتية.
واتهم العجمي الذي كان يدير قناة بداية، بـ"الإساءة إلى رموز الدولة، واستغلال القناة عن طريق بث أخبار كاذبة وإشاعات من خلالها"، كما وجهت له تهمة بدعم "تنظيم سري، والتواصل مع رموزه وعناصره، وإجراء مقابلات معهم في القناة".
وفي 21 أيلول/ سبتمبر 2015، حكمت المحكمة الاتحادية العليا ودائرة أمن الدولة الإماراتية ببراءة خالد فهاد العجمي من جميع التهم المنسوبة إليه.