في خطوة جريئة وجديدة على صعيد القوى والحركات الاسلامية قررت حركة النهضة
التونسية التحول إلى حزب سياسي، من خلال تخليها الكامل عن النشاط الدعوي الديني، والتفرغ للنشاط السياسي فقط ،حسبما اشارت المعلومات الواردة من العاصمة التونسية.
وقال رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي في تصريح صحفي على هامش انطلاق فعاليات الدورة الـ 46 لـ"مجلس شورى حركة النهضة": "نحن بصدد التحول إلى حزب يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح انطلاقا من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها، ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب بما في ذلك النهضة".
كما أوضح عضو شورى الحركة، زبير الشهودي، في تصريحات صحفية، أن قرار تحول حركة النهضة إلى حزب سياسي بالمعايير التي حددها الدستور التونسي وقوانين الدولة، أمر تم حسمه وحظي بموافقة أغلبية قيادات الحركة خلال المؤتمرات المحلية والجهوية، بانتظار المصادقة عليه بشكل قانوني خلال انعقاد المؤتمر العام للحركة يومي 21 و22 مايو (ايار) الجاري..
وتقول بعض المصادر الاسلامية المتابعة لتجربة حركة النهضة في تونس أن المؤتمر العام المقبل للحركة سيكون حاسما في مسألة الفصل بين نشاطات الحركة الدعوية والسياسية.
واضافت المصادر الاسلامية، ان قرار الحركة خطوة إيجابية، مشيرة إلى أن خلط الأحزاب الإسلامية بين السياسة والنشاط الدعوي، يسيئ لأدائها السياسي والديني في الوقت نفسه، خاصة وأن تونس تخلصت من النظام الشمولي، إضافة إلى أن الدستور يمنع الجمع بين العمل السياسي والجمعياتي.
وكان رئيس حزب مصر القوية والقيادي السابق في حركة الاخوان المسلمين الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح قد دعا، خلال انعقاد الدورة الاخيرة للمؤتمر القومي العربي في شهر نيسان (ابريل) الماضي في منطقة الحمامات في تونس ،الحركات الاسلامية والاحزاب والتيارات العربية لتبني الدعوة من اجل فصل العمل الديني والتوجيهي عن العمل السياسي وذلك من اجل عدم استغلال البعد الديني في التنافس السياسي، وبالمقابل دعا ابو الفتوح لابعاد الجيوش العربية والاجهزة الامنية العربية عن العمل السياسي وذلك لحماية الصراعات السياسية من تدخلات الاجهزة الامنية والعسكرية.
ومع ان الدعوة التي اطلقها ابو الفتوح لم تحظ بنقاش واف وعميق من قبل المؤتمرين والباحثين المشاركين في المؤتمر القومي العربي فان مجرد ان يدعو قيادي اسلامي بارز لهذه الخطوة ومن ثم تأتي حركة اسلامية (لها جذور قوية من حركة الاخوان المسلمين العالمية) كي تتبنى هذا الطرح بعد مناقشات معمقة بين صفوف كوادر وقيادات الحركة فان ذلك يؤكد ان الاسلاميين يتجهون نحو المسار الصحيح ، ولكن ذلك لا يكفي، لانه بالمقابل يجب ان تتوفر الظروف المناسبة كي يحصل التنافس السياسي والحزبي في اجواء هادئة وحرة.
لكن هل يعني ذلك تبني القوى والحركات الاسلامية خيار الدولة المدنية او خيار الفصل بين الديني والسياسي في المجال العام؟
قد يكون الجواب عن هذا السؤال مبكرا، ولا بد في البداية من الاطلاع الشامل على القرارات التي سيتخذها المؤتمر العام المقبل لحركة النهضة التونسية والخلفيات الفكرية والسياسية والحقوقية التي ستستند عليها الحركة على صعيد الفصل بين السياسي والديني في العمل العام ، لان هذه القرارات وابعادها ستشكل وثيقة مهمة برسم القوى والحركات الاسلامية وبقية الاحزاب العربية وكل الجهات المعنية بالتجارب الاسلامية السياسية ولابد من اجراء دراسة معمقة لهذه القرارات.
وبانتظار نتائج المؤتمر العام لحركة النهضة فانه لا بد من القول: انه اذا اتخذت الحركة قرارا نهائيا بالفصل بين العمل السياسي والديني فان ذلك يشكل خطوة اسلامية جريئة برسم كل الحركات والقوى والشخصيات الاسلامية، ولا بد من تهنئة الحركة على هذه الخطوة وهي تضاف الى السجل الايجابي لاداء النهضة على صعيد المرحلة الانتقالية وتعزيز الديمقراطية في تونس.