مدونات

العمدة مسلما.. هل كان صادق خان لينجح لو أنه في باكستان؟

عبد الكريم محمد
عبد الكريم محمد
صادق خان الإنجليزى من أصول باكستانية انتخب كأول عمدة مسلم للندن في تاريخها، صادق لم يكن حالة النجاح الأولى كمسلم يرتقي لأرفع المناصب التنفيذية والتشريعية في الديمقراطيات الغربية، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: "هل كان صادق خان ليشق طريقه وينجح لو أنه في باكستان؟".

السؤال بطريقة أخرى.. لماذا ينجح المسلم (المتمسك بهويته) في بيئة سياسية غربية التي ربما ترفض (أو تعادي) بيئته المحلية أو وطنه الأم؟

ربما حالة صادق خان مختلفة نوعاً ما حيث أنه مولود في لندن لأسرة مهاجرة من باكستان أي من الجيل الثاني من المهاجرين، لكن الأكيد أن صادق حلقة في مسلسل نجاحات مسلمين مهاجرين كثر.

ربما يكون السبب الرئيسي للنجاح في الغرب والإخفاق في الوطن الأم هو اختلاف البيئات السياسية بين بلاد الغرب والبلاد الإسلامية، حيث يمكن للسياسي المسلم أن يشق طريقه في بيئة سياسية غربية، وفق عقد اجتماعي يسمح بإدماج المهاجرين ويضمن أصول سياسية ثابتة ومُتفق عليها من الجميع.

لكن ما الذي يمنع من وجود بيئة سياسية سليمة في البلاد الإسلامية رغم أن طريقة حكم تلك البلاد تقلد الديمقراطيات الغربية، وكثير من نخبها السياسيين تعلموا ودرسوا وعملوا وتعايشوا مع البيئات السياسية الغربية؟

ربما غياب العقد الاجتماعي والقواعد الدستورية السليمة في البلدان الإسلامية بالإضافة لاختلاف الفاعلين في البيئات السياسية في البلاد الإسلامية (التي تعاني من تَحكم عسكري في مقاليد الحكم وممالك وراثية) عنه في البيئات السياسية الغربية هو محور الأزمات السياسية وسبب رئيسي في حالة التخلف السياسي والاقتصادي التي تعيشها هذه البلاد.

رغم ما سبق لا يمكن اغفال دور الغرب نفسه ومسؤوليته عن عدم وجود بيئة سياسية سليمة في البلاد الإسلامية، المسؤولية هنا ليست مباشرة ولكن طرق الغرب في التعامل مع الأوضاع السياسية هي ما تؤدي إلى كثير من المساوئ.

طرق الغرب بصناعة الحكام والنخب ودعمهم وتوجيههم له دور مهم في سلوك الحكام والنخب وما يترتب عليه من إمكانية وجود بيئة سياسية سليمة من عدمه.

من جانب آخر يدعم الغرب كل الانقلابات العسكرية في الدول الإسلامية، انقلابات تعصف بالحياة السياسية بجملتها ولا تتحمل وجود مجتمع سياسي مدني (شهدنا هذا في باكستان مع الجنرال برويز مشرف أو ما يحصل الآن في مصر مع الجنرال عبد الفتاح السيسي).

انقلابات عسكرية تضيق ذرعا بالأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني عموما، وتعمل على نسف أي محاولة لبناء تجربة ديمقراطية مدنية تساعد في إرساء بيئة سياسية سليمة ليظل الحكم في القبضة العسكرية، بالإضافة لتدجين النخب والأحزاب واستخدامهم كمعول هدم للديمقراطيات الناشئة.

فبينما يفخر كل حكام العرب بتلقي تعليمهم في جامعات الغرب، ويفخر الغرب نفسه بالمساعدات الديمقراطية بواسطة معاهد سياسية (اُنشئت خصيصاً لهذا الغرض) وجامعات عريقة ومؤسسات اقليمية ودولية عاملة في مجال حقوق الإنسان والحقوق السياسية، إلا أنه لا يمانع ولا يستنكر الممارسات السياسية الخاطئة التي يفعلها الحكام أو النخب خريجوا هذه المعاهد والجامعات، بل يزيد الغرب عن هذا باحتضان الحكام والنخب الفاشلة والدفع بهم للصدارة والسلطة مجدداً.

مراعاة لمصالحه لا لقيمه، يفشل الغرب دائما في أن يكون طرفا محايداً ونزيها حال تدخله في الأزمات السياسية، فهو دائما يميل إلى من يضمن ولائه ويحقق له مصلحته، وحبذا لو كان تربى ونشأ في معاهده وجامعاته ومؤسساته.

رغم إعلانهم الغرب المتكرر بالعمل على نشر قيم الحق والحرية والعدل والمساواة أرقى ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية، وتباهيه بالدفاع عنتلك القيم، إلا أن أنظمته السياسية لا تحاسب من يخالف تلك القيم، إلا لو كان الأمر على هواهم "يقدمون البشير للمحكمة الجنائية الدولية ويغضوا الطرف عن بشار الأسد والسيسى.. يعاقبون الأول ويستخدمون الثاني ويدعمون الثالث"، ازدواجية مزرية تلك التي تنادي بقيم الحضارة الإنسانية وتتحالف مع من ينتهكها.

هكذا الغرب يضيق على السياسيين المسلمين في أوطانهم ويفتح الباب لهم في بلاده، رغم أنه يمكنه دعم البيئات السياسية الديمقراطية في الدول الإسلامية، دعم تقل تكلفته كثيراً عن ثمن معالجة أزمات الدكتاتوريات وغياب الديمقراطية، فلو وجد المهاجرون بيئات سياسية واقتصادية سليمة في أوطانهم لما هاجروا من الأساس.

بقدر ما يفتح الغرب بيئته السياسية للمهاجرين المسلمين بقدر ما يساهم في إعاقة بيئاتهم السياسية المحلية.
التعليقات (0)