أشارت بيانات البنك المركزي
المصري إلى استحواذ عشر دول على نسبة 5ر84 بالمئة، من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لمصر، خلال ثلاثين شهرا التالية على وقوع الانقلاب العسكري بالثالث من يوليو 2013.
وتبدو ظاهرة تركز
الاستثمارات الواردة لمصر باستحواذ الدول الخمسة الأولى على نسبة 75 بالمئة من الإجمالي، وهي بريطانيا بنسبة 42 بالمئة والولايات المتحدة 16 بالمئة، والإمارات 8 بالمئة وبلجيكا 5 بالمئة والسعودية أقل من 4 بالمئة، وتضم قائمة الدول العشر الأوائل فرنسا وهولندا وألمانيا والكويت وبالمركز العاشر البحرين.
وهكذا حظيت دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 57 بالمئة من الإجمالي، تليها الدول العربية بنسبة 17 بالمئة، مع استحواذ الدول الخليجية الستة على نسبة 16 بالمئة من الإجمالي.
وجرى العرف على التفرقة بين الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، في اعتبار المباشر يقوم بإنشاء مشروعات جديدة تستوعب عمالة وتضيف منتجات سلعية وخدمية، بينما الاستثمار غير المباشر ينصب على تعاملات الأجانب بالبورصة، وهي تعاملات لا تضيف للناتج المحلي الإجمالي شيئا.
إلا أن أحد وزراء الاستثمار في أواخر عهد مبارك وهو محمود محي الدين، قد غير تعريف الاستثمار الأجنبي المباشر بمصر بإضافة الاستثمار في الاستخراجات مثل النفط، حيث لم يكن يتم إضافتها باعتبارها سلع ناضبة.
كما أضاف الاستحواذان وزيادات رؤوس الأموال والأرباح المحتجزة والعقارات، وشراء أسهم شركة بنسبة 10 بالمئة أو أكثر من مجموع أسهمها، مما ضخم أرقام الاستثمار بعهده، بالمقارنة لما قبله.
وظل التعريف الجديد مستخدما حتى اليوم، حيث تعطي أرقامه الضخمة مجالا للحكومات للتغني بسياساتها الرشيدة، التي جذبت قدرا كبيرا من الاستثمارات الأجنبية، إلا أن غالبية المصريين الذين لم يشعروا بتخفيف تلك الاستثمارات الضخمة من حدة مشكلة البطالة، قد تندروا وقتها على تلك الاستثمارات ووصفوها بالاستثمارات التي لا توفر فرص عمل ولا سلع.
ونفس الأمر حتى اليوم، فحين يقرأ المصريون أن إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت مصر، بالثلاثين شهرا التالية للانقلاب قد بلغت 5ر29 مليار دولار، بمتوسط شهري يقترب من المليار دولار، فسوف تصيب بعضهم الدهشة لعدم شعورهم بأثرها على معيشتهم.
وتبدد البيانات الرسمية تلك الدهشة حين تفسر أن تصدر إنجلترا والولايات المتحدة للاستثمارات يجيء لنشاطهما النفطي، أما المركز المتقدم للإمارات فيفسره سعي بعض مستثمريها لشراء مستشفيات وشركات أدوية ومعامل طبية، ومشتريات بالبورصة.
كما استفاد مستثمرون سعوديون من ظاهرة تواصل ارتفاع سعر الأرض بسبب ندرتها، فتكالبوا على شراء الأراضي مع إعادة بيعها بعد فترة ليست طويلة للاستفادة من فاروق السعر، الأمر الذي زاد سعر الأراضي، وقامت شركات أجنبية بالاستحواذ على شركات مصرية مثل بسكو مصر وغيرها، ليتغير فقط اسم المالك دون تغيير بالإنتاج والعمالة.
ومع ضخامة رقم الاستثمارات الداخلة، تتجاهل الحكومات المتعاقبة بيانات الاستثمارات المباشرة الخارجة من مصر، التي بلغت بالثلاثين شهرا نفسها ما يقرب من 16 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 53 بالمئة من الاستثمارات الداخلة.
ولذلك تكتفي بعض البيانات الرسمية بذكر رقم صافي الاستثمارات المباشرة، بطرح رقم الخارجة من رقم الاستثمارات الداخلة، لنصل إلى أقل من 14 مليار دولار للصافي، بمتوسط شهري 458 مليون دولار.
ويشير تركز غالب الاستثمار الأجنبي بمصر، في عدد قليل من الدول لضآلة قيمة استثمارات غالبية الدول بالثلاثين شهرا، حيث لا شيء للبرتغال ومئة ألف دولار لأستونيا، وأقل من مليون دولار لبلغاريا وحوالي المليون دولار للاتفيا.
وأقل من 2مليون لبولندا، و 4مليون لتايوان وأقل من 5 مليون للسودان، و5 مليون لمالطه و6 مليون لليمن وأقل من 9 مليون للنمسا، وأقل من 10 مليون دولار لكلا من رومانيا والمجر.
ومن الدول التي زارها قائد الانقلاب، نجد استثمارات قبرص 23 مليون دولار بالثلاثين شهرا، والهند 34 مليون واليونان 52 مليون وإيطاليا 70 مليون، والصين 129 مليون واليابان 167 مليون وكوريا الجنوبية 318 مليون دولار.
وبالطبع يظل مناخ الاستثمار الملبد بالاضطرابات الأمنية والسياسية والمشاكل الاقتصادية السبب الرئيسي لقلة استثمارات غالبية الدول، حتى للدول الخليجية الداعمة للانقلاب، ففي مؤتمر شرم الشيخ بمارس من العام الماضي.
أعلن أمير الكويت عن 4 مليار دولار كاستثمارات بمصر، ونائب رئيس الإمارات عن 2 مليار دولار، وولي عهد السعودية عن 3 مليار دولار، بينما أسفرت الشهور التسعة التالية للمؤتمر، عن استثمارات إماراتية بلغت 700 مليون دولار، وسعودية 256 مليون دولار، وكويتية 235 مليون دولار فقط.