تنتمي
جبهة النصرة من الناحية الأيدولوجية إلى منظومة السلفية الجهادية ومقرراتها، وهي فرع تنظيم القاعدة في
سوريا، وقد عُرفت بقوة شكيمتها القتالية والعسكرية في قتال النظام السوري وحلفائه، بحسب باحثين ومراقبين.
ولئن كانت جبهة النصرة قد تمكنت من حفر اسمها بقوة في ميادين القتال وساحاته، فما قدرتها على استثمار انتصاراتها العسكرية ضد النظام لإحراز مكاسب سياسية وشعبية تمكنها من إنجاز مشروعها الذي تتطلع إليه؟ وهل تمتلك تصورا مكتملا لسوريا المستقبل تسعى لتحقيقه؟
وكيف يقدم منظرو جبهة النصرة ومناصروهم مشروعهم الذي يطمحون لإنجازه في سوريا؟
وفقا لشخصية قيادية قريبة من جبهة النصرة، اشترطت عدم الكشف عن هويتها، فإن للجبهة مشروعها الخاص بها، والذي لا يتوافق تماما مع الثورة السورية، ولا يتوقف عند إسقاط النظام، بل يبدأ بعد إسقاطه لافتا إلى أن الجهاز التثقيفي في الجبهة كان يربي جنوده على ذلك.
وأوضح المصدر نفسه لـ"
عربي21" أنه بحكم قربه من غرفة صناعة السياسات والقرارات داخل الجبهة، فإن قيادة الجبهة وحتى تؤمن غطاء شعبيا أو شرعيا لاستمرار المعارك والقتال، فقد كانت تخطط في بدايات الثورة لمعركة مع العلوية في جبلهم لسنتين، ثم يتم نقل المعركة إلى معقل الحزب جنوب البلاد لسنة كاملة.
ولفت إلى أن قيادة الجبهة كانت تتطلع إلى مناطق أخرى تكتمل فيها معالم المشروع الجهادي خارج سوريا، في سيناء وليبيا والصومال، على أمل تجميع الصفوف ليكون الملتقى في القدس وفقا للمصدر القريب من جبهة النصرة.
وتابع: "لكن خروج
تنظيم الدولة الإسلامية إلى العلن وإعلانه المعروف أفسد تلك المخططات، وقلب الطاولة ليتقلص مشروع جبهة النصرة من أجندة الجهاد المعولم، إلى مشروع محلي صرف، وهو تحكيم الشريعة بوسيلة الجهاد حصرا بعد إسقاط النظام".
لكن ما هي طبيعة العلاقة بين جبهة النصرة وباقي الفصائل الوطنية والإسلامية الأخرى؟ وما هو تصور الجبهة لإدارة علاقاتها مع تلك القوى والفصائل مستقبلا؟ وما مدى تأثيره على مشروعها في سوريا؟
أوضح القيادي القريب من الجبهة أنها لا تمانع من الناحية التكتيكية بمشاركتها معها بشرط أن تكون القيادة للنصرة، أما عن طبيعة العلاقة بين الجبهة وأحرار الشام، فطبقا للمصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه، فإن أحرار الشام تعد العائق الوحيد أمام الجبهة والمنغص لها، ويتمنون انزلاق أحرار الشام إلى العمل السياسي حتى يرتاحوا منها بتصنيفها كجيش الإسلام.
من جانبه قال الإعلامي السوري، مدير مكتب الجزيرة في باكستان، أحمد زيدان "إن التحدي الأكبر أمام جبهة النصرة هو قدرتها على استثمار انتصاراتها العسكرية ضد النظام كمكاسب سياسية وشعبية"، لافتا إلى أن "ما أقدمت عليه في إدلب ومعرة النعمان لا يخدم مشروعها الذي تتطلع إليه".
وأضاف زيدان في حديثه لـ"
عربي21" أن "ارتباطها العلني بالقاعدة يجعلها مستهدفة بشكل دائم للقصف الأمريكي بشكل مجاني، ومن غير إعلان عداوتها لأمريكا أو القيام بعمليات عسكرية ضد الأمريكان".
وجوابا عن سؤال حول مشروع جبهة النصرة خارج الإطار العسكري، أشار زيدان إلى أن الجبهة وغيرها من الجماعات المسلحة أثبتت حتى الآن أن مشروعها عسكري، وهي لا تريد إشغال نفسها بمشاريع أخرى لأن ذلك سيحرفها عن مقاومة العدو، وقد يشتت جهدها ويفتح عليها أبواب النقاش تأييدا ومعارضة".
وأشاد زيدان بتميز جبهة النصرة في الميادين القتالية والعسكرية، وانضباط جنودها وعناصرها وانجذابهم لقيادتهم، مشيرا إلى عناية الجبهة بتربية عناصرها كقادة وليس كجنود فحسب، وهو ما استفادته من تنظيم القاعدة.
بدوره، اعتبر الكاتب والباحث السوري أحمد أبازيد، طريقة جبهة النصرة في إدارة علاقاتها مع الفصائل الأخرى معوقا من معوقات إنجاز أي مشروع محلي تطمح إليه.
ووصف الناشط السوري أبازيد "الصدامات المتكررة لجبهة النصرة مع فصائل ثورية عديدة، والتي وصلت إلى حالة حروب التفكيك والاستئصال، عدا عن حوادث التعرض للمظاهرات الشعبية، بأنها "ألقت بظلالها السلبية على علاقتها بالفصائل الثورية والمجتمعات المحلية".
وأشار أبازيد إلى إمكانية "قراءة الاحتقان المشترك بين الجبهة والفصائل الأخرى في بيانات الطرفين، خاصة بعد دخول الفصائل العملية التفاوضية بعد مؤتمر الرياض الذي اعتبرته جبهة النصرة بمثابة انعزال للفصائل عنها، لأنه لا يمكن للقاعدة أن تشارك ضمن عملية سياسية، ولا أن تعيش ضمن فضاء مستقر" على حد قوله.
وجوابا عن سؤال "
عربي21" حول إمكانية تحلي جبهة النصرة بالمرونة في إدارة علاقاتها مع الفصائل الأخرى، والقوى الشعبية المختلفة، لإنجاح مشروعها المحلي الداخلي، بعيدا عن أجندات "عولمة الجهاد" الخارجية، قال أبازيد إن "الجبهة تعتمد سياسة أكثر مرونة في خطابها وعلاقاتها، وتتجنب أن تصل بخلافاتها إلى منطقة اللاعودة".
وأضاف: "لقد شهدنا تغيرا ملحوظا في خطاب جبهة النصرة، حيث بات يركز على مصطلحات ثورية تبعا للمزاج العام، كما شهدنا شراكة ميدانية متجددة مع الفصائل الثورية في معارك الشمال السوري، وهو ما يعني رغبة منها في إبقاء الشراكة مع هذه الفصائل".
واستدرك أبازيد قائلا: "لكنه يتضمن في الوقت نفسه إمكانية تجدد الصدام أيضا ما دامت أسبابه موجودة، بحكم الخطاب (والسلوك) التكفيري والمتشدد الذي ما زال يستخدمه بعض منظري الجبهة ومناصريها ضد خصومها".
يشار في هذا السياق إلى أن قيادة جبهة النصرة بدأت تستشعر في الآونة الأخيرة خطورة تصريحات بعض منظري السلفية الجهادية (خارج سوريا) المهاجمة لفصائل ثورية أخرى، وهو ما يزيد الأمور تعقيدا واحتقانا بينها وبين تلك الفصائل، ما جعلها تطلب من بعض منظري الخارج التوقف عن مهاجمة تلك الفصائل، سعيا منها لإدارة خلافاتها الداخلية بطريقة دبلوماسية ناعمة بحسب مصادر مطلعة.