نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرين حول تداعيات القرار الذي اتخذته
روسيا، والقاضي بسحب جزء من قواتها من
سوريا، واعتبرت أن هذا القرار يصبّ في مصلحة
إيران، ويساهم في تعزيز موقفها وضمان بقاء الأسد في السلطة.
وقالت الصحيفة، في هذين التقريرين اللذين ترجمت "عربي21" مقتطفات منهما، إن التدخل العسكري لروسيا، منذ أيلول/ سبتمبر 2015، أدخل تغييرات على التوازن الاستراتيجي في سوريا، خاصة حينما تراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن "معاقبة" نظام الأسد إثر استعمال هذا الأخير للأسلحة الكيماوية ضد شعبه. واليوم مثّل
الانسحاب الروسي نقطة تحول في الصراع السوري، وسيخدم مصالح عديد الأطراف الأخرى، أبرزها إيران، كما تقول الصحيفة.
وذكرت الصحيفة أن الكرملين حقّق الأهداف التي كان يصبو إليها منذ بداية تدخّله في المنطقة، والتي تتمثل أساسا في تصدر المشهد السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، وتحقيق موازنة مع الولايات المتحدة. فمنذ تدخل روسيا العسكري ثم حديثها عن ضرورة التهدئة ووقف إطلاق النار، وصولا إلى الانسحاب، أثبت بوتين أنه "سيّد اللعبة" في سوريا.
وأشارت الصحيفة إلى أن قرار بوتين بالانسحاب سيجنب روسيا العبء الإضافي على اقتصادها المنهك، نظرا لتكلفة الحرب الباهظة التي تخوضها في سوريا، وسيدفعها لمزيد من الضغط على نظام الأسد حتى يقوم بالتفاوض خلال محادثات جنيف، التي ستعقد خلال الفترة القادمة. كما سيكون لقرار الانسحاب انعكاس إيجابي على عديد القضايا، منها مأساة اللاجئين الفارين من القصف الروسي، بالإضافة إلى العلاقات الروسية التركية المهددة بالتصعيد.
وأضافت الصحيفة، نقلا عن المختص في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إميل حكيم، أن "انسحاب روسيا سيدفع الجميع لإعادة النظر في مسؤوليّاتهم، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما سيصبّ هذا الانسحاب في مصلحة إيران، وسيساهم في تعزيز موقفها في سوريا وضمان بقاء الأسد في السلطة".
وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة موقف مسؤول إيراني، فضل عدم الكشف عن هويّته، أن "طهران ستسعى لنشر حوالي 2500 جندي من فيلق القدس في سوريا، بالإضافة إلى عدد من عناصر قوات الباسيج الذين تلقوا تدريبات خاصة في إيران، وذلك بهدف مساندة كل من الجيش السوري والمليشيات الموالية للأسد على الميدان".
وأوردت الصحيفة أن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، رحّب بقرار انسحاب القوات الروسية؛ حيث اعتبرت إيران منذ البداية أن التدخل الروسي ساهم في تعقيد الوضع في البلاد، خاصة أن الأسد أصبح يعتمد أكثر على حليفه الروسي. وبالتالي فإن انسحاب روسيا سيفتح المجال أمام إيران حتى تستعيد مكانتها في خضم التحالف الإيراني - السوري الذي جمع بين الجانبين منذ أكثر 30 سنة.
وأشارت الصحيفة إلى أن إيران تكبّدت خسائر فادحة على خلفية مشاركتها في القتال جنبا إلى جنب مع قوات النظام السوري، حيث ارتفع عدد القتلى في صفوف الإيرانيين إلى 260 قتيلا، منذ إعلان الحرس الثوري زيادة عدد مستشاريه العسكريين في سوريا، لكنّ ذلك لم يثنيها عن مواصلة دعم نظام الأسد، خاصة بعد انسحاب الجانب الروسي.
وذكرت الصحيفة أن تعزيز قوة إيران وموقفها داخل الأراضي السورية، بعدما أعلن بوتين عن انسحاب قواته، سيمثّل مصدر قلق لعدد من الدول، على رأسها السعودية، التي لطالما سعت جاهدة إلى الحدّ من توسّع عدوّها الشيعي، خاصة في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.
كما اعتبرت أن انسحاب روسيا لن يؤثر على مصير تنظيم الدولة، على الأقلّ على المدى القصير؛ لأن القصف الروسي لم يستهدف منذ البداية مواقع هذا التنظيم، بل سعى فقط إلى إضعاف المعارضة السورية، وهو ما مكن تنظيم الدولة من الصمود حتّى هذه اللحظة، في ظل عدم جدية العديد من الدول في القضاء على هذا التنظيم، وعوضا عن ذلك سعت كلّ دولة إلى حماية مصالحها الفردية داخل البلاد.
ورجحت الصحيفة أن انسحاب روسيا لن يهدّئ من رحى الحرب التي تدور منذ أكثر من خمس سنوات على الأراضي السورية؛ نظرا لتعدد الأطراف وتداخل المصالح فيها، إلا إذا استطاع بوتين فرض حلّ دبلوماسي من شأنه حلّ هذا الصراع.
واعتبر إميل حكيم أن "الأزمة السورية ستغير المنطقة بشكل جذري، وربما كانت تداعياتها على المستوى الإقليمي من إقامة الدولة اليهودية".