كتب ريتشارد هول في موقع "غلوبال بوست" تقريرا عن زيادة حالات
زواج القاصرات بين
اللاجئات السوريات في
لبنان، وقال إن أميرة كان عمرها 16 عاما عندما عقد قرانها على شاب سوري عمره 20 عاما، وتتذكر اليوم الذي سبق زفافها عندما أخبرها خطيبها بأنه أحبها منذ أن وقعت عيناه عليها، وتقول: "وبعد أسبوع على الزاوج ضربني لأول مرة".
ويعلق هول قائلا إن "زواج الأطفال في لبنان نادر، حيث تتزوج نسبة 13% من النساء قبل أن يبلغن سن الثامنة عشرة، وذلك بحسب دراسة تمت قبل فترة، ويقول الخبراء إن معظم اللاتي تزوجن في هذا السن هن من الجيل القديم، لكن الظاهرة لقيت صحوة بين اللاجئين السوريين، الذين فروا من الحرب الدائرة قريبا من لبنان".
ويضيف الكاتب أن "الكثير من العائلات لديها اعتقاد أن أوضاعا استثنائية تقتضي اتخاذ قرارات استثنائية، وتعيش نسبة كبيرة من السوريين في أوضاع قاسية في المخيمات، ولا يمكنهم تقديم ما يكفي لعائلاتهم، ولهذا يلجؤون لتزويج بناتهم لأي شخص يتقدم لهن، وبالنسبة للبعض فإن الزواج هو محاولة لتحقيق استقرار بعيدا عن بيوتهم، وللخروج من حالة الفوضى حولهم".
وينقل التقرير عن مسؤولة إعلام الإغاثة الإنسانية في منظمة "سيف ذا تشلدرن" كارولين إنينغ، قولها: "بالنسبة للاجئين السوريين، الذين يعانون من ديون، ويكافحون من أجل توفير المعيشة اليومية، فإن تزويج بناتهم هو الطريقة الوحيدة كي يحصلن على معيشة جيدة"، وتضيف إنينغ أنه "نظرا لقلة الوظائف وفرص التعليم المحدودة المتوفرة للسوريين، فإن
الفتيات لا يشعرن أن هناك خيارات توجد أمامهن لتأمين المستقبل".
ويذكر الموقع أنه لا يعرف عدد اللاجئين السوريين؛ نظرا لعدم وجود مخيمات رسمية لهم، إلا أن المنظمات التي يهمها الموضوع تقول إن المشكلة تزداد سوءا بين اللاجئين السوريين.
ويشير هول إلى أن دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف العام الماضي، كشفت عن أن 23% من النساء السوريات المقيمات في لبنان اليوم تزوجن قبل بلوغهن سن الـ 18 عاما، ومن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 12و17 عاما، فإن هناك 4454 فتاة تزوجن قبل أن يبلغن سن البلوغ، وهي نسبة مساوية لنسبة 6.3%، وهي أقل من النسب العالية التي تحدث في مخيمات اللاجئين في الأردن، الذي استقبل أكبر عدد من السوريين، بعد كل من تركيا ولبنان، فقد ارتفع عدد سجلات الزواج لفتيات دون سن الـ18 من 12% عام 2011 إلى أقل من 32% عام 2014.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن أميرة هربت مع عائلتها من مدينة القامشلي السورية قبل عامين، وعاشت مع والديها وإخوتها في بيت مؤقت في بلدة قب إلياس في منطقة زحلة، وعندما جاء زوجها مع والده لطلب يدها في بيتهم المؤقت شعرت بالفرحة، واعتقدت أنها ستبدأ حياة جديدة، وما تبع هذا دوامة من الانتهاكات لم تكن مستعدة لمواجهتها؛ بسبب صغر عمرها وظروفها.
ويورد الموقع أن أميرة تذكرت العنف الذي تعرضت له قائلة: "كان يضربني في الصباح وفي المساء، وقال لي سأجعلك تكرهين حياتك"، و"كنت أريد مشاهدة والدي لكنه منعني"، مشيرة إلى أن الضرب والانتهاك بقي مستمرا، وفي إحدى المرات عندما كانا في طريقهما لحضور حفل زفاف قريب، قام زوجها بدفعها عن الدراجة التي كانا عليها، وعندما أخبرت والديها بأنها وقعت، اتهمها زوجها بأنها أقامت علاقة مع والده، وهي كذبة جعلت الغرباء في المخيم الذي تقيم فيه يعمدون إلى الحديث عن سمعتها وتوبيخها.
ويعلق الكاتب قائلا إن "العنف والانتهاك الذي واجهته أميرة ليس مشكلة تواجه الفتيات اللاتي يتزوجن مبكرا، لكن بلا شك، فإن صغر عمرها أطال من أمد العنف، فالضغوط الاجتماعية والعائلية على الفتاة قد تكون عوامل مؤثرة".
ويكشف التقرير عن أن أميرة كانت تفكر بالطلاق في إحدى المرات التي تعرضت فيها للضرب، لكن والدها أخبرها أنها صغيرة جدا، وعندما أصرت، قال لها: "لو فعلت هذا فعليك أن تقبلي أي شيء؛ لأن هذا هو خيارك"، وتقول أميرة: "لم أكن كبيرة بالقدر الذي يجعلني أتخذ قرارا". وتضيف أنها لم تكن قادرة على ترك زوجها بسبب ما قاله لها والدها.
ويفيد التقرير بأن هناك سببا آخر، فبعد فترة كان واضحا أن زوجها يعاملها بطريقة تجبرها على تركه، وكان يحضر فتاة أخرى إلى البيت، ويقول عنها صديقته، ويطلب من أميرة ألا تنظر إليها، وقال إنه لن يوافق على الطلاق إلا في حال تخليها عن المهر المؤخر، ولم تكن مستعدة بعد كل الذي مرت به أن تتخلى عن حقها.
وينوه هول إلى أن "الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة لا يواجهن العنف المنزلي فقط، بل إنهن يعانين من التعقيدات أثناء الولادة أيضا، فتعقيدات الولادة تعد ثاني أسباب الوفاة للفتيات في سن الـ15 إلى 19 عاما، وعلى مستوى عالمي، بحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية، وقد تؤثر في الأجنة أيضا، فحالات الوفاة للأجنة التي تولد لفتيات صغيرات أعلى من تلك التي تحصل لفتيات تتراوح أعمارهن ما بين 20 إلى 24 عاما، كما تخسر الفتيات فرصة التعليم والتواصل الاجتماعي مع الفتيات من مستواهن العمري ذاته".
وينقل التقرير عن الداعين إلى حماية الفتيات من الزواج المبكر، قولهم إن تجاهل هذه الحقائق يؤدي إلى استمرار هذه الظاهرة، ولهذا فيجب القيام بالتوعية، مشيرا إلى أنه عندما قامت منظمة "كفى"، التي تكافح ضد زواج الصغيرات، بعرض فيديو على الإنترنت، فإنه تحول إلى ظاهرة دولية على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت فيه فتاة عمرها 12 عاما تقوم بالتقاط صور زفافها إلى جانب رجل يصلح لأن يكون جدها، ويعلق أحد المارة على العريس بوصفه "مجرما"، فيرد قائلا: "هذا ليش شغلك، لقد حصلت على إذن من أهلها".
ويختم "غلوبال بوست" تقريره بالإشارة إلى أن الفيديو عبارة عن تمثيل، حيث استأجرت "كفى" ممثلين في حملتها لتغيير القوانين في لبنان، والداعية إلى رقابة مدنية على الزواج الشرعي، لافتا إلى أن لبنان من الموقعين على ميثاق الأمم المتحدة 1989 حول حقوق الأطفال، الذي يحرم زواج الأطفال تحت سن الثامنة عشرة.