بورتريه

سعدات والنايف.. جريمتان في رام الله وصوفيا بانتظار العقاب

بورتريه سعادات النايف
بورتريه سعادات النايف
 هما وجهان يرمزان للتراجيديا الفلسطينية، وجهان يختصران تاريخ ما يصفه كثيرون بـ"الخيانات العربية".

كلاهما كان ضحية "الخيانة"، خيانة ذوي القربى وإخوة الدم والكفاح المشترك، أحدهما اغتيل في المكان الذي اعتقد أنه سيكون الأكثر أمنا في العالم، في مبنى السفارة الفلسطينية في بلغاريا، سفارة بلاده التي تتهم بالمشاركة في قتله بحسب أهله وبيان "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

والآخر "اختطف بصفقة" من سجون "السلطة الوطنية الفلسطينية" إلى السجون الإسرائيلية، أو ربما، لنكون أكثر دقة ومصداقية، فقد نقل من سجن إلى آخر، ضمن صفقات وتفاهمات الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية بالتنسيق مع أميركا وبريطانيا، بحسب رواية عبد الحق العاني، محامي سعدات في لندن، نقلا عن لسان سعدات نفسه، فقد كان الرئيس عرفات على علم بتلك الصفقة، ووقع أمر اعتقال سعدات ونقله إلى مبنى المقاطعة.

وكلاهما قيادي في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وبدءا حياتهما مع الحكيم جورج حبش، وبعد رحيله واصلا مع الشهيد أبو علي مصطفى الذي اغتيل بصاروخين إسرائيليين ضربا مكتبه أثناء تواجده فيه، ليجد ثانيهما، أحمد سعدات، نفسه يقود "الجبهة" في عصر التنسيق والتفاهمات الفلسطينية/ العربية – الإسرائيلية.

أحمد سعدات، المولود عام 1953 في بلدة دير طريف في الرملة، نزح مع أسرته إلى مدينة البيرة، ودرس في "معهد المعلمين" في مدينة رام الله، وحصل على شهادة دبلوم في الرياضيات من المعهد.

التحق بصفوف العمل الوطني في إطار العمل الطلابي بعد هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967، وفي عام 1969، انضم لصفوف "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

تقلد مسؤوليات متعددة ومتنوعة داخل السجون الإسرائيلية وخارجها، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية العامة لـ"الجبهة" عام 1981. وفي المؤتمر الوطني الخامس عام 1993، أعيد انتخابه لعضوية اللجنة المركزية العامة والمكتب السياسي أثناء وجوده في المعتقل الإداري، وأعيد انتخابه لعضوية اللجنة المركزية العامة والمكتب السياسي في المؤتمر الوطني السادس عام 2000.

وكان عضوا في لجنة فرع "الجبهة الشعبية" في الوطن المحتل، وأصبح مسؤولا لفرع الضفة الغربية منذ عام 1994.

تعرض للاعتقال على يد الاحتلال عدة مرات، بدأت مع شباط / فبراير عام 1969، ثم اعتقل في عام 1970 لمدة 28 شهرا، وتواصلت الاعتقالات في أعوام  1973 و1975 و1976 و1985 و1989 و1992.

ومع قدوم "السلطة الفلسطينية" اعتقل في سجون السلطة أربع مرات، بدءا من عام 1996 وحتى عام 2003.

تم اختياره أمينا عاما لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بعد اغتيال أمينها العام "أبو علي مصطفى" على يد الاحتلال الإسرائيلي بصاروخين استهدفا مكتبه في مدينة رام الله المحتلة، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2001.

وظهر في أول خطاب له بعد توليه الأمانة العامة، وأعلن عن مبدأ "الجبهة الشعبية" وهو: "العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس".

اختطف سعدات من قبل مخابرات "السلطة الفلسطينية"، وتم احتجازه في مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى أن قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة مقر عرفات، مطالبة بتسليمها سعدات وأربعة من رفاقه تتهمهم بالوقوف وراء اغتيال وزير السياحة الإسرائيلية رحبعام زئيفي.

وتم عقد صفقة بـ"مباركة" بريطانيا والولايات المتحدة، لفك الحصار عن مقر عرفات، وبناء عليها سجن سعدات ورفاقه في سجن أريحا الفلسطيني تحت حراسة رجال أمن أمريكيين وبريطانيين.

وزار القنصل البريطاني العام في القدس السجن، وأبلغ سعدات رسالة مفادها قوله إنهم أمام خيارين: إما اقتحام المقاطعة بكل ما ينجم عنه من خسائر، أو أن يوقع سعدات رسميا اتفاق الحجز الدائم، واعتبر أبو مازن تلك مساومة مشروعة وناجحة، بحسب رواية محامي سعدات.

في آذار مارس 2006، انسحب المراقبون "الأمريكان والبريطانيون" من سجن أريحا. وبعد خمس دقائق، دخلت قوة عسكرية إسرائيلية إلى مدينة أريحا، حاصرت السجن، وبدأت بهدم أجزاء منه.

و بعد حصار دام 12 ساعة، ألقي القبض على سعدات ومجموعة من المطلوبين الفلسطينيين للقوات الإسرائيلية.

نفى البريطانيون أي علاقة أو تنسيق مع "إسرائيل" حول الموضوع، بينما أعلن الأمريكان أنهم أرسلوا خطابا لـ"السلطة الفلسطينية" تخبرهم بنيتهم الانسحاب.

من جانبهم، قال الفلسطينيون إن الولايات المتحدة قدمت أكثر من 44 طلب انسحاب منذ دخولهم المعسكر، وكلها كانت صورية؛ بهدف الضغط من نواح معينة، كما تجاهل الأمريكيون اقتراح "السلطة" بنقل المساجين إلى المقاطعة في رام الله.

قدم لـ"محكمة" عسكرية إسرائيلية حكمت عليه في كانون الأول/ ديسمبر عام 2008 بالسجن في معتقل عوفر لمدة 30 عاما.

ولم يدفعه الاعتقال إلى اليأس، فقد هاجم الأسير سعدات "السلطة الفلسطينية" باستمرار، كان آخرها حين دعا لتشكيل محاكمة شعبية للقيادات الفلسطينية "المتواطئة" في عملية اغتيال الأسير المحرر عمر النايف داخل مقر السفارة الفلسطينية في بلغاريا.

وأشار سعدات في رسالة من سجنه إلى أن "هذه الجريمة تواطأت فيها السلطة وجهاز مخابراتها بشكل مباشر وواضح لا لبس فيه، وتعيد إلى الأذهان ممارسات السلطة في اقتحام سجن أريحا واختطاف الرفاق من داخله".

وعثر على الأسير المحرر عمر النايف مقتولا داخل السفارة الفلسطينية في بلغاريا، بعدما تحصن فيها تجنبا لقيام بلغاريا بترحيله إلى "إسرائيل" التي طالبت بتسليمه.

وقالت عائلة النايف إن عناصر مجهولين اقتحموا السفارة، وهاجموا النايف، وقاموا بقتله دون وجود أمن السفارة أو طاقمها، متهمة السلطة بـ"التواطؤ" مع "الموساد" الإسرائيلي لتصفيته.

وعمر النايف من مواليد جنين عام 1963، انضم إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في فترة مبكرة من حياته، وأصبح من قياداتها.

اتهمته "إسرائيل" بقتل مستوطن في منتصف ثمانينيات، فقبض عام 1986، ومعه شقيقه حمزة وصديقهما سامر المحروم.

حكم على الثلاثة بالسجن المؤبد، وظل عمر النايف يعاني في الأسر من تعذيب مستمر حتى أيار/ مايو عام 1990، حيث خاض إضرابا عن الطعام لنحو أربعين يوما نقل على إثره إلى المستشفى، حيث تمكن من الهروب من داخله والخروج من الأراضي المحتلة.

ووصل إلى بلغاريا عام 1995، وعاش حياة عادية، وتزوج وأنجب ثلاثة أطفال، كلهم يحملون الجنسية البلغارية، غير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي كانت تطالب باعتقاله وتسليمه إليها، بدعوى وجود "اتفاقيات جنائية" بين الاحتلال والاتحاد الأوروبي تتضمن تسليم "مطلوبين".

وأرسلت النيابة العسكرية الإسرائيلية في كانون الأول /ديسمبر 2015 طلبا لوزارة العدل البلغارية بتسليم النايف، و طالبت النيابة البلغارية بوضع النايف رهن الاعتقال لحين اتخاذ قرار بشأن تسليمه.

وقد دفع هذا النايفَ إلى اللجوء إلى السفارة الفلسطينية ببلغاريا، خاصة بعدما تلقى تهديدات بالقتل.

وحذرت "الجبهة الشعبية" السفارة من الإقدام على تسليم النايف، وقالت في بيان لها "إن عمر لجأ للسفارة الفلسطينية باعتبارها الموقع الطبيعي والوحيد الذي يمكن أن يوفر له ولكل فلسطيني وفلسطينية الحماية القانونية والسياسية".

وبشكل مفاجئ أعلن عن مقتل عمر النايف يوم 26 شباط/ فبراير الماضي داخل السفارة الفلسطينية في بلغاريا، وقالت مصادر فلسطينية إن عملية الاغتيال تحمل بصمات "الموساد" الإسرائيلي.

وذكرت مصادر رسمية فلسطينية أن جثة النايف عثر عليها في حديقة السفارة وليس داخلها، فيما قال السفير الفلسطيني في بلغاريا إنه عُثر على النايف مصابا داخل سيارة وفارق الحياة بعدما نقل إلى المستشفى.

وبادرت "الجبهة الشعبية لاتهام "الموساد" الإسرائيلي بالوقوف وراء عملية الاغتيال، بينما قالت عائلة النايف إنه ألقي به من الطابق السادس بمبنى السفارة الفلسطينية في بلغاريا.

ونقلت الجزيرة أن "النايف ضُرب بآلة حادة على الجبهة والصدغ والأنف والفم، ونتج عن ذلك تهتك في الجمجمة وكسر غائر في الرجل"، مشيرة إلى عدم وجود أثر لطلقات نارية في جثمان الأسير الفلسطيني السابق.

وكشفت صور مسربة من داخل السفارة الفلسطينية بصوفيا آثار بقع دماء كثيرة، رغم محاولات تنظيفها وهطول الأمطار طيلة الليل، ما يعزز فرضية الاغتيال التي تتحاشى ذكرها الدوائر المقربة من حكومة صوفيا.

وعقب ورود عملية الاغتيال، أعلنت "السلطة الفلسطينية" تشكيل لجنة تحقيق، حيث أمر الرئيس محمود عباس بتوجهها مباشرة إلى بلغاريا للمساهمة في كشف تفاصيل الحادثة.

وذكرت مصادر إعلامية فلسطينية أن الاغتيال وقع بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف إلى "إسرائيل"؛ تلبية لدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما التقى بوريسوف رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله خلال الزيارة نفسها قبل يومين فقط من اغتيال النايف.

رحل شهداء برصاص وبصواريخ الاحتلال الإسرائيلي، ويقبع في سجون الاحتلال مئات الأسرى، وبينهما كانت التفاهمات والتنسيق الأمني تلعب لعبتها في مساعدة القاتل بشكل غير مباشر لممارسة جرائمه دون ضجيج.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم