نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا حول ردود فعل الإعلام والرأي العام الأوروبي، على حوادث
التحرش الجنسي التي وقعت في
كولونيا بألمانيا ليلة رأس السنة، ورأى أن ردة الفعل المبالغ فيها والمغالطات التي حصلت تعكس
عنصرية قديمة أحيتها هذه الأحداث.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه لا أحد في أوروبا يتذكر حادثة سنة 2012 التي وقعت في يوم افتتاح مهرجان البيرة الشهير في ألمانيا، حين تعرضت امرأة للاغتصاب، وتعرضت 91 امرأة أخرى للتحرش الجنسي على يد المشاركين في الاحتفال، إذ إن هذا الموضوع تم تجاهله من قبل وسائل الإعلام المحلية.
وفي المقابل، لم تتوقف وسال الإعلام منذ أسبوعين عن الحديث عما وقع في مدينة كولونيا، بعد أن روت بعض النساء الحاضرات أن حوالي 30 شخصا يبدون من أصول عربية قاموا بالتحرش بالمشاركات في الاحتفال.
وذكر التقرير أن حادثة التحرش الجماعي هذه أثارت جدلا واسعا، سرعان ما تحول إلى شعارات ومواقف عنصرية، تعتبر أن الجريمة التي حصلت تعكس ثقافة الآخر وهويته، وهو ما فتح الباب لمجموعة من الاعتداءات والتجاوزات في حق الأجانب، تضمنت تعرضهم للإهانة ومنعهم من التواجد في الأماكن العامة، في ظل دفاع بعض المسؤولين المتطرفين عن هذه الممارسات.
وذكر التقرير أن أول الأخبار التي وردت حول هذا الموضوع تحدثت عن ألف شخص قاموا بالاعتداء على النساء، وكان الهدف من هذه المبالغة هو إحداث الصدمة لدى الرأي العام، رغم أن التحقيقات بينت أن عدد المعتدين لا يتجاوز ثلاثين شخصا، أغلبهم منحرفون، قرروا استغلال الوضع لنشر الفوضى والتحرش بالنساء وسرقة ممتلكاتهن.
وأشار التقرير إلى أن هذا النوع من الاعتداءات على النساء يحدث بشكل متكرر في التجمعات الكبيرة في أوروبا، ولكن عوض إطلاق نقاش واسع حول كيفية حماية النساء من هذا النوع من الاعتداءات، تحول الأمر إلى جدال حول سلبيات الهجرة ومخاطر قبول الأجانب.
وأشار التقرير أيضا إلى أن هذا النوع من الدعاية المعادية للأجانب كان منتشرا في الولايات المتحدة خلال سنوات الثلاثينات ضد السود، حيث كانت المجموعات العنصرية التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض تعتدي أحيانا على شخص أسود وتقتله، بدعوى أنه نظر لامرأة بيضاء.
واعتبر التقرير أنه لا يمكن تعميم الاعتداءات التي قام بها 30 منحرفا في ألمانيا على جميع اللاجئين العرب، كما أنه لا يمكن في المقابل اعتبار أن السياح الأوروبيين الذين يأتون للدول العالم الثالث بحثا عن السياحة الجنسية، يمثلون ثقافة وهوية القارة الأوروبية بأسرها.
وأشار التقرير أيضا إلى أن ليلة احتفالات رأس السنة شهدت تجاوزات أخرى وفضائح بالجملة، ولكنها لم تحظ بالقدر ذاته من الاهتمام الإعلامي؛ نظرا لأن من قاموا بها ليسوا من الأجانب، فقد وصفت بعض وسائل الإعلام البريطانية احتفالات رأس السنة في مدينة مانشستر بأنها كانت "مجزرة"، ونشرت صورا لنساء شبه عاريات يترنحن في الطريق من شدة السكر، وبالطبع في تلك الأجواء والفوضى حدثت بعض الاعتداءات الجنسية وأعمال التحرش، ولكن لم يتم التركيز عليها؛ لأن من قام بها لا ينتمي لأقلية أو جالية أجنبية.
كما تطرق التقرير إلى تناول الصحافة العالمية لتلك الأحداث، حيث إن صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية، لم يفتها أن تستغل هذه القصة لاستفزاز الناس، من خلال الخلط بين مشاعر معاداة
المهاجرين والصور العنصرية التقليدية، فقد نشرت رسما كاريكاتوريا يظهر الطفل السوري أيلان كردي الذي غرق وهو يحاول الهرب من جحيم الحرب في بلاده، في صورة منحرف يحاول التحرش بالنساء.
ورغم أن بعض الأصوات سارعت إلى التنديد بهذا الاستفزاز والإساءة التي يمثلها هذا الرسم الكاريكاتوري، فإنه في الحقيقة عكس مشاعر العنصرية والخطاب العدائي تجاه المهاجرين الذي انتشر في أوروبا في الفترة الماضية؛ حيث طغت الفكرة التي تصور الأجانب، وبشكل خاص العرب المسلمين، على أنهم غير متحضرين، وعاجزون عن التأقلم مع المجتمعات الغربية المتقدمة.
وأشار التقرير في السياق ذاته إلى أن "أشباه المفكرين" و"أشباه السياسيين" الذين شجعوا حكوماتهم الغربية على الدخول في حروب في الشرق الأوسط بدعوى نشر الديمقراطية والتحضر في هذه الدول، أصبحوا الآن يعيبون على سكان هذه الدول الهروب من جحيم الفوضى والحرب الذي خلفه التدخل الأجنبي في بلدانهم، ويعتبرون أنهم غير جديرين بالعيش مع "الغرب المتحضر"، رغم أن هذا الغرب المتحضر ذاته، ارتكب جنوده مئات جرائم الاغتصاب في العراق وأفغانستان، ومؤخرا أيضا ظهرت الفضائح ذاتها في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما يقول التقرير.
وذكر التقرير أن سياسة الكيل بمكيالين التي يعتمدها الرأي العام العالمي، تعتبر أن هؤلاء الجنود المنحرفين لا يمثلون مجتمعاتهم، وهم حالات شاذة لا يقاس عليها، متناسين أن سجلات الشرطة في بريطانيا وأمريكا تؤكد أن الغالبية الساحقة من مرتكبي عمليات الاغتصاب هم من المواطنين المحليين البيض، وأن الكثير أيضا من سكان الدول الغربية يسافرون إلى دول العالم الثالث، مثل المغرب وتايلند، بحثا عن السياحة الجنسية واستغلال الأطفال.
وحذر التقرير من أن الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم الدولة في أوروبا خلال الفترة الماضية، سببت انقساما مجتمعيا وأدت لزيادة في نسبة الاعتداءات على النساء المسلمات بنسبة 60 في المئة في السنة الماضية، ومع أحداث كولونيا والتناول الإعلامي غير البريء، يبدو أن الانقسام الاجتماعي في أوروبا سوف يتعمق، وفق الموقع.