نشرت صحيفة الموندو الإسبانية تقريرا حول تبعات رفع
العقوبات عن
إيران، استعرضت فيه الحسابات الاقتصادية المتعلقة بتجارة النفط وعقود مشاريع البنية التحتية، التي تشير إلى أن الولايات المتحدة ستكون آخر من يستفيد من هذا القرار، الذي لطالما دافعت عنه إدارة الرئيس باراك أوباما وعملت على إقناع الحلفاء الأوروبيين به.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن عملية ذوبان الجليد بين إيران والولايات المتحدة تسير على نحو جيد، وقد أصدر باراك أوباما يوم الجمعة تعليماته للإدارة الأمريكية بإعطاء الضوء الأخضر لإمكانية بيع طائرات بوينغ الأمريكية لإيران، ما إن يصدر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن احترام إيران لتعهداتها
النووية. ولكن يوم الأحد، وقبل أن تصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها، أعلنت طهران عن اعتزامها شراء 124 طائرة من شركة إيرباص الأوروبية.
وأكدت الصحيفة أن هذا الصراع بين شركة بوينغ الأمريكية وإيرباص الأوروبية، هو وجه واحد من وجوه المنافسة المحتدمة بين الشركات العالمية في الفترة القادمة، بمجرد تتالي خطوات رفع العقوبات.
ورغم أن الاتفاق الذي تم توقيعه في فيينا في تموز/ يوليو الماضي، ينص على إعادة تسليط هذه العقوبات بشكل آلي بمجرد خرق إيران لأحد تعهداتها، فإنه يبدو من غير المرجح أن تقدم إيران على هذا الأمر، بعد أن بذلت الإدارة الأمريكية جهدا كبيرا لإقناع معارضيها في الداخل وحلفائها في الخارج، وعلى رأسهم اليونان وإسبانيا، بقبول هذا القرار.
واعتبرت الصحيفة أنه من المفارقات العجيبة حول الاتفاق النووي، أن أكبر المستفيدين من رفع العقوبات على إيران هي دول أخرى غير الولايات المتحدة، حيث إن الشركات الأمريكية سوف سيتواصل منعها من الاستثمار في إيران أو التعامل مع الشركات الإيرانية، لأن هذا الأمر لا يزال محظورا بموجب قانون أصدره الرئيس السابق بيل كلنتون في سنة 1995، على خلفية دعم إيران لمنظمات شيعية إرهابية.
وذكرت الصحيفة أن أوباما، في سعيه لإنقاذ الموقف وإشراك الشركات الأمريكية في كعكة السوق الإيرانية، أصدر استثناء يوم الجمعة الماضي للتغاضي بشكل مؤقت عن هذا القانون، من أجل بيع 124 طائرة تحتاجها إيران بشكل عاجل، التي ستكون فاتحة لعملية بيع أكثر من 400 طائرة ستبلغ كلفتها الجملية حوالي 20 مليار يورو على مدى عشر سنوات قادمة.
كما رجحت الصحيفة أن تقوم الولايات المتحدة بعدد آخر من الاستثناءات لإزالة العقبات التي وضعها القانون الذي صدر في عهد بيل كلنتون أمام الشركات الأمريكية. ولكن رغم هذه الخطوة التي اتخذها الجانب الأمريكي، فإن إيران لا يبدو أنها سترد عليها بالمثل، وستفضل الشركات الإيرانية على ما يبدو التعامل مع الشركات الأوروبية التي تربطها بها علاقات قديمة.
وفي المقابل، أشارت الصحيفة إلى إمكانية لجوء الشركات الأمريكية للالتفاف على العقوبات وتحقيق الاستفادة المنشودة من انفتاح السوق الإيرانية، عبر تأسيس شركات فرعية تابعة لها في دول أخرى لا تخضع للعقوبات الأمريكية. ولكن عددا من خبراء الاقتصاد يحذرون من أن هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر، وقد تجلب لهذه الشركات عقوبات إدارية وتلحق ضررا كبيرا بسمعتها أمام الرأي العام.
كما أكدت الصحيفة أن أكبر المستفيدين من رفع العقوبات، ستكون أولا الدول الأوروبية. ونقلت في هذا السياق عن "خوسي ماريا فينالس"، مدير شركة "لوبيثينيو" الإسبانية التي تربطها علاقات تجارية جيدة بإيران، قوله إن "تسابق الدول الأوروبية نحو السوق الإيرانية سيكون مثل السباق نحو الذهب في كاليفورنيا في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر".
"إذ إن إيران تحتاج إلى
استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات من أجل إعادة بناء منشآتها النفطية، وتجديد بنيتها التحتية المتهالكة ومرافقها الاقتصادية، وهنالك العديد من الشركات الأوروبية على غرار شركة "ريبسول" الإسبانية للنفط، التي أصبح الآن مسموحا لها بالتعامل مع إيران، والتي تملك أيضا التكنولوجيا اللازمة والعلاقات الودية مع المسؤولين الإيرانيين للحصول على عدة عقود مربحة لن تحصل عليها الشركات الأمريكية".
وأضافت الصحيفة أن التأثيرات السلبية لرفع العقوبات على إيران، سيشمل بورصة وول ستريت الأمريكية، لسبب بسيط، حيث إن إيران كانت تصدر ما بين مليون و1,5 مليون برميل من النفط يوميا، والآن مع رفع العقوبات تسعى لرفع طاقتها الإنتاجية خلال ستة أشهر المقبلة بنصف مليون برميل يوميا. وهذا يعني المزيد من العرض في سوق المحروقات العالمية، في وقت تعاني فيه هذه السوق من فائض في العرض يبلغ حوالي مليوني برميل، وهو ما أدى لانخفاض الأسعار لمستويات قياسية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في مؤسسة "إنتل" الأمريكية للدراسات، قوله إن المعنيين بالسوق الدولية يسعون الآن للتوصل لاتفاق جديد مع إيران لتنظيم عودتها للسوق، من أجل تفادي هبوط الأسعار إلى مستويات أقل.
كما ذكرت الصحيفة أن النفط الإيراني سوف يحدث تأثيرا سلبيا على بقية منتجي النفط؛ لأن كلفة إنتاجه في إيران تعتبر منخفضة مقارنة ببقية الدول. وقالت إن هذا الأمر يمثل خبرا سيئا بالنسبة لمجموعة من الدول، مثل الولايات المتحدة وكندا وفنزويلا وروسيا ونيجيريا، بعد أن كانت أرباح شركات الطاقة في هذه الدول قد انخفضت في سنة 2015 بنسبة 76 في المئة، بحسب تقديرات وكالة "ستاندارد أند بورز" في نيويورك، بسبب انخفاض الأسعار، وبالتالي فهي ستتكبد خسائر أكبر مع إغراق السوق بالنفط الإيراني الرخيص.
كما أن البنوك أيضا أصبحت حذرة من إعطاء القروض لشركات التنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة، لعدم ثقتها في قدرة هذه الشركات على سداد ديونها في ظل انخفاض سعر النفط الذي سيجعل الطلب على النفط الصخري منعدما؛ نظرا لارتفاع كلفة استخراجه.