في 2 يناير من الشهر الحالي، أعلنت وزارة الداخلية
السعودية أنّها أعدمت 47 شخصا من بينهم نمر النمر بعدما أدينو من قبل القضاء السعودي بتهم تتوجب ذلك، وما إن تمّ الإعلان عن هذا الأمر حتى اندلعت عاصفة من الانتقادات من كل مكان، فكان أن أدلى الغرب بدلوه وكذلك فعل ناشطون في مجال حقوق الإنسان ناهيك عن تصدّر الجانب
الإيراني وأتباعهم في العالم العربي لمشهد المنتقدين دون الوقوف عند هذا الحد كما أصبح معلوما.
وإن كانت دوافع التهديدات والانتقادات الإيرانية للمملكة العربية السعودية معروفة ومفهومة في سياقها، فإنّ إنتقادات الآخرين لم تكن مفهومة على الإطلاق، بل على العكس فقد أظهرت غياب المعيار الأخلاقي الذي استخدموه في الأساس كقاعدة لتبرير موقفهم، منهم من قال إنّه يعارض الإعدام بالمطلق، ومنهم من قال إنّه يعارض لأنّ الشيخ كان ناشطا سياسيا سلميا، ومنهم من قال إنّه يعارض لأنّه لا يثق بأحكام القضاء السعودي.
لكن وقفة جادة عند هذه الذرائع تظهر أنّ للموضوع خلفيات أخرى غير تلك تماما، فمن غير المفهوم لماذا يقوم من يعترض على الإعدام بشكل مطلق في المبدأ بربط اعتراضه باسم النمر أو حالته فقط؟ ولماذا لم يشمل اعتراضه الآخرين الذين أعدموا معه؟ أو ربما الإعدام بشكل مطلق سواء في المملكة أو غيرها من البلدان التي تطبّق عقوبة الإعدام بما في ذلك إيران الأولى عالميا بالنسبة إلى عدد السكان (لاسيما لناحية القصّر أيضا) أو الولايات المتّحدة الأمريكية التي تحتل المرتبة الرابعة عالميا! ولماذا تمّ تخصيص المسألة وتظهيرها بشخص؟
أمّا بالنسبة الى الذين يعترضون لانّهم يشككون باحكام القضاء السعودية ولا يثقون به، فمن المفترض إن كان الأمر كذلك ان يشمل تشكيكهم أيضا الأحكام التي صدرت بحق آخرين معه ايضا، لكننا مرّة أخرى و"لسبب ما" نصطدم بحالة التخصيص الواضحة أو ما يمكن تسميته بالعدالة الانتقائيّة.
أمّا بالنسبة الى اولئك الذين إعترضوا على اعتبار انّ النمر رجل دين ولا يجوز اعدامه وأنّه ظهر في مقطع صغير يدين فيه بشار الاسد ويدعو الى عدم الإصطفاف معه وانّه أعدم على خلفيّة سياسيّة بسبب معارضته لنظام الحكم في المملكة، فان نفس المنطق ونفس الكلام قد ينطبق أيضاً على بعض من أعدموا معه من منظري القاعدة، فمنهم من هو شيخ وليس معادي للأسد فقط بل لجميع الانظمة بما في ذلك النظام السعودي نفسه كفارس آل شويل!
الصحافة الغربيّة تمادت في تضخيم حالة النمر الذاتيّة، فمنهم من جعله ناشطاً سلمياً، ومنهم من وصفه بالمناضل والعالم ومنهم من قال بأنّه "رجل الدين المعروف والأكثر شعبية عند الشيعة"، والحقيقة أنّ الرجل غير معروف الا على نطاق محلي داخلي وليس له ارث علمي ولا وجاهة دينية، وإنما تمّ تضخيمه والنفخ فيه من قبل النظام الايراني كما هي الحال مع جميع أتباعهم في المنطقة، والا فاذا كان مجرّد ناشط مدني، فبماذا نفسّر هذه التهديدات الناريّة التي صدرت من المرشد الأعلى مرورا بالحرس الثوري والجيش والبسيج والرئاسة الايرانية وصولا الى وزارة الخارجية؟
على أي حال، لا نناقش هنا اذا ما كان يستحق الاعدام أم لا، لكنّ ما قامت به إيران قبل وأثناء وبعد اعدام النمر لم يكن مستغربا بما أنّها تحاول أن تقدّم نفسها كأب شرعي لشيعة العالم فارضةَ وصاية ذاتيّة عليهم، لكن من المستغرب فعلا أن تقوم دول غربية على رأسها الولايات المتّحدة بارسال رسائل الى المملكة العربية السعودية تطالبها فيها بعدم إعدامه لكي تأخذ بعين الإعتبار الإعتراض الايراني والا فان اعدامه قد يسبب تصاعدا في النزعة الطائفية وقد يستفز ايران ويدفعها للقيام برد فعل!
هذه الديباجة التي تم الترويج لها رسميا واعلاميا في الغرب خطيرة للغاية، وهي بمثابة موافقة ومباركة على الوصاية الايرانية على شعية العالم بحيث أنّ التعرّض لأي مواطن شيعي في أي بلد يصبح حكما مسألة ايرانية! أمّا المشكلة الاخرى فهي تمس النظام السياسي في البلدان التي تضم شيعة، اذ من المفترض حينها بحسب هذه النظرة أن يأخذ النظام السياسي في هذا البلد أو ذاك بعين الاعتبار وجهة النظر الايرانية عند التعامل مع مواطنيه! وهذا لا يمكن تفسيره منطقياً وعملياً الا على أنّه موافقة من الغرب على مد نفوذ ايران غير المشروع اصلا في العالم العربي الى أبعد مما هو عليه الآن.
ما هي الرسالة التي ستصل إلى العالم في حال قام بلد ما بالرضوخ إلى مثل هذه الضغوطات الغربية وأخذ ما تريده إيران بعين الاعتبار في مسألة داخلية لا تخصّهم ولا تخصّ إيران أصلا؟ وكيف سينظر الناس حينها في هذا البلد أو ذاك إلى أنفسهم والى نظامهم السياسي؟ وكيف سينظر العالم إلى هذا البلد أو ذاك في حال تمّ قبول هذه الطلبات لأنّ إيران منزعجة؟
إن تداعيات مثل هذه الطروحات التي يتم الترويج لها كبيرة جدا ليس على مستوى الأنظمة السياسية فقط وإنما على مستوى ردود الفعل الشعبية أيضاً،و على مستوى المجتمع. ومن الواضح أنّ هناك شيئا غير مفهوم في هذا الطرح خاصّة في الوقت الذي يريدون فيه منّا محاربة الإرهاب الذي ساهمت سياساتهم في خلقه، ومن ثمّ هل يريدون من هذا البلد أو ذاك الانصياع للسلوك الايراني الذي أصبح مقبولا جدّاً بالنسبة اليهم؟ واذا لم ينصع يتم مهاجمته من قبلهم ومن قبل الايرانيين ايضا؟!
في استطلاع أجري مؤخرا من قبل كوانتم كوميونيكايشن، أظهرت عيّنة من المستطلعة آراؤهم أنّ المحرّك الأوّل الدافع للأفراد للإنضمام إلى التنظيم هو "الدفاع عن السنّة"، ماذا يعني ذلك وهل يفهم الغرب هذا الأمر جيدا؟
هذا يعني أنّ هناك في العالم العربي والإسلامي من يرى أنّ السنّة مضطهدون (غالبا من قبل إيران وهو أمر صحيح) وينكّل بهم، وأنّه ليس هناك من يحميهم أو يدافع عنهم بسبب تقاعس الأنظمة العربية وعدم وجود موقف أو رد فعل، وأنّ ذلك يضع مسؤولية على عاتقهم للتحرك دفاعا عن إخوانهم.
إن أخذ هذه الخلاصة بعين الاعتبار تحتّم على كل بلد عربي الآن أن يشدد من لهجته وسلوكه وسياساته وأفعاله تجاه الجانب الايراني على اعتبار انّ ذلك يعد عنصرا مساعدا في لجم الشباب من الإنضمام الى هذه الجماعات التي يريد الغرب أن يحاربها لكنّه لا يتوانى في النهاية عن تقديم كافة الذرائع والأسباب لنشوئها وتكاثرها. الرضوخ للضغوطات إستجابة لرغبات الحرس الثوري ما هي الا ظهور بمظهر الضعف والليونة وإنتحار سيزيد من تعقيد الحالة المعقّدة أصلا وسيعمّق من هذه المشلكة وهو أمر يجب العمل على رفض تكريسه امرا واقعا حتى ولو كان متجسدا بطرح سياسي أو إعلامي في الغرب.