لا شك أن الرئيس
محمود عباس يعد أشهره الأخيرة في الحياة السياسية، فالرجل تجاوز الثمانين من عمره وهو مدخن شره، بالإضافة لاعتلال صحته وإصابته بالعديد من الأمراض، كما أنه هدد أكثر من مرة بالاستقالة والانسحاب للتفرغ لحياة عائلية بسيطة، فارتباطه بعائلته شديد، ويتمتع بالجلوس مع أحفاده وأبنائه ويعمل على تأمين حياتهم ومصالحهم.
كما أن الساحة
الفلسطينية لم تعد تحتمل وجود وبقاء الرئيس عباس، وهناك توجه إقليمي ودولي واضح لاستبداله والمسارعة في تغييره، وهذا ما يفسر الصراعات الفتحاوية واشتدادها في الفترة الأخيرة، وكانت إحدى تجلياتها اعتقال أحد ابرز العاملين في مكتب صائب عريقات بتهمة العمالة، وفضحة وكشفه، في تقصد لهز صورة ومكانة عريقات مرشح عباس لرئاسة المنظمة والسلطة.
يبرز في الأفق، بالإضافة لعريقات، ثلاثة محاور رئيسة متمثلة بالرجوب (أبو رامي)، ودحلان (أبو فادي) والأسير مروان البرغوثي؛ وثلاثتهم أعضاء بارزون وأصحاب نفوذ في اللجنة المركزية لحركة
فتح.
يعتبر الرجوب أضعف الأضلاع الثلاثة وأبعدهم حظا عن تولي رأس الحركة، لقلة إمكاناته وضعف سطوته وعدم اتزانه وقلة تشابكاته الإقليمية والداخلية. ويبقى بعده
دحلان المطرود من اللجنة المركزية ومن المجلس التشريعي والمهزوم في غزة والمُبعد من الضفة. إلا أن قوة دحلان في ثلاثة أمور: المال والإعلام والعلاقات الدولية والإقليمية. فالرجل، من غير مبالغة، مليونير، وله أتباع يشتريهم بالمال ويتمتع بقبول واسعٍ بين الفتحاويين في قطاع غزة، وتاريخه الأمني أهّله ليتعامل مع بعض الرموز بطريقة الابتزاز والتهديد والوعيد، وله اتصالات دولية وإقليمية فاعلة، ويسوق فكرة قدرته على استعادة غزة من يد حماس.
جمهور وكوادر الضفة الغربية هم نقطة ضعف دحلان الرئيسية، فحركة فتح هناك لا تقبل به قياديا بارزا، فضلا عن أن تستسيغه رئيسا ووريثا لعباس، لهذا حظوظه تتقلص بالإضافة، إلى أن وجود حماس القوي حطّم آماله في العام 2007، وسيساعد في تحطيم آماله فيما بعد عباس، إن لم يغير من سياسته ويبتدع معادلة تقنع حماس.
يبقى مروان البرغوثي "الحصان الأسود" الذي يمتلك مجموعة عوامل تمهد له الطريق وتجعله أقوى المتنافسين، فله جماهيرية كاسحة في الضفة وغزة، ويتمتع بكاريزما قيادية جلية، وله تاريخ نضالي وعلاقة وطيدة بالكفاح المسلح، ويتميز بذكاء اجتماعي وعلاقة متينة مع الفصائل ورموزها، ومع هذا هو مرن ومتعاط مع الواقع حيث كان من أكثر المطبعين مع الاحتلال (الإسرائيلي) فترة سلطة أوسلو.
العقبة الوحيدة أمام البرغوثي، والتي تعتبر ميزة في الوقت نفسه، وجوده في الأسر، مع العلم أن مروان ليس كأي معتقل، فله ميزات واضحة، حيث يستطيع مقابلة الكثير من الشخصيات ويعقد الاجتماعات معها، ويتواصل بشكل مستمر مع الخارج.
السلطة مقبلة على تغيير حقيقي، وهزة ستصيب أركانها وطريقة تعاملها مع الواقع، وأعتقد أنها أمام طريقين مرتفعي الاحتمال، الأول يصب نحو تعيين مروان البرغوثي خلفا لعباس في رئاسة الحركة والمنظمة، وقد تتم عودة فاعلة للسيد سلام فياض، أو التفكك والتشرذم وتحويل الضفة لكنتونات أمنية، ومحافظات يديرها ضباط الامن. أما محمد دحلان فموقعه المستقبلي مرتبط بقدرته على التأثير بساحة غزة والتصالح مع حماس.