نشرت صحيفة نوفال أوبسرفاتور الفرنسية تقريرا حول ظاهرة انتشار الفكر المتطرف في
السجون الفرنسية، وقالت إن أخطر الفرنسيين الذين نفذوا هجمات إرهابية، دخلوا السجن بسبب ارتكاب جرائم عادية، وهنالك تحولوا إلى متشددين دينيا، وسط عجز من السلطات الفرنسية عن وقف هذه الظاهرة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شهادات حراس السجون وبعض السجناء السابقين، تفيد بأن الفكر المتطرف ينتشر في السجون الفرنسية منذ سنوات، فيما لا تزال السلطات تعتمد على برامج مراقبة وتوعية قديمة وغير فعالة.
ونقلت في هذا السياق شهادة سجين سابق فرنسي في سجن غراس، الذي قال: "كنت أقضي أغلب أوقاتي داخل السجن في ممارسة الرياضة، وفي يوم من الأيام اقترب مني أحد النزلاء الذي كان قد اعتنق الإسلام حديثا، وأصبحنا نقوم بتمارين الضغط لتقوية العضلات مع بعضنا، وبدأ هو وأصدقاؤه بالحديث عن الإسلام في البداية، ثم تطور الأمر إلى حديث عن الجهاد، فقررت أن أبتعد عنهم. ورغم أنني في تلك الفترة كانت تملؤني مشاعر الغضب والنقمة، فإنني كنت أرفض فكرة شن حرب ضد المدنيين".
وأضاف هذا السجين السابق: "المسألة تتعلق بالوحدة والخوف داخل السجن؛ حيث إن الفرد يشعر بحالة من الضعف والحيرة، فيبحث عن مجموعة ينتمي إليها؛ بحثا عن الحماية، وعن نوع من الحياة الاجتماعية".
وذكرت الصحيفة أن السجون الفرنسية أصبحت مصنعا لتفريخ
الإرهابيين، ففي سجن "فلوري ميروجي"، التقى في سنة 2006 شريف كواشي، منفذ هجوم شارلي إيبدو، مع أحمدي كوليبالي، منفذ الهجوم على المتجر اليهودي في اليوم ذاته.
وقد توطدت العلاقة بينهما في الطابق الثالث من السجن، بينما كان يقبع في الطابق الرابع شخص آخر معروف في عالم التشدد، وهو جمال بغال، الجزائري الذي أدين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وتلقى تدريبا في صفوف هذا التنظيم في أفغانستان واليمن.
وقد كوّن هؤلاء الثلاثة صداقة قوية امتدت حتى بعد خروجهم من السجن، حيث كان كواشي وكوليبالي يزوران بغال في مسكنه في مقاطعة كنتال في الجنوب الفرنسي، حيث كان يخضع للإقامة الجبرية.
كما أضافت الصحيفة أن عبد القادر مراح، الشقيق الأكبر والأب الروحي لمحمد مراح منفذ هجوم تولوز، هو أيضا أصبح متطرفا وراء القضبان. فقد أفاد شقيقه عبد الغني بأنه تعرف على مجموعة من المنتمين للسلفية الجهادية في السجن في سنة 2000، ثم عندما خرج أصبح لا يتحدث على شيء سوى الدين، حتى أن أبناء الحي أصبحوا يلقبونه بأسامة بن لادن.
ونقلت الصحيفة أيضا شهادة "فيليب كمباني"، الذي يعمل في سجن "غراس" الذي تواجد فيه محمد مراح: "كنت أعمل مراقبا في السجن في سنة 2008 عندما جاء محمد مراح بعد أن أدين بتهمة السرقة، وقد كان في البداية شابا يبحث عن الترفيه، ويطالب بالسماح له بلعب "البلاي ستايشن" داخل زنزانته، ثم شيئا فشيئا تحول إلى شخص متدين ومنغلق وتغيرت شخصيته بين ليلة وضحاها".
ويقول فيليب كمباني إنه وجه تحذيرات عديدة إلى إدارة سجن "غراس"، ولكن لم يلتفت أحد لتحذيراته إلا بعد أن حصل هجوم تولوز في سنة 2012.
وقال كمباني: "شاهدت على امتداد 10 سنوات من الخدمة في السجون كيف يتحول مجرمون عاديون إلى متشددين بين ليلة وضحاها، هؤلاء يتغيرون من الخارج فقط، ولكن ميلهم نحو العنف والإجرام لا يتغير، فطريقة شتمهم للحراس مثلا تتغير، كانوا في السابق ينعتوننا بأوصاف مثل "ابن العاهرة"، ثم فجأة أصبحوا يصفوننا بـ"ابن الكلب" و"الكافر"، ويقولون لنا سوف نقوم بغزو بلدكم".
ونقلت الصحيفة عن "فرهاد خشروشافار"، الباحث الاجتماعي الفرنسي الذي قام بدراسة حول ظاهرة
التطرف في السجون، قوله إن "السلطات الفرنسية لم تنتبه لظاهرة انتقال الأفكار المتشددة بين السجناء إلا في وقت متأخر، ولكن هؤلاء بعد أن تفطنت لهم السلطات غيروا استراتيجيتهم، وأصبحوا يتحركون بعيدا عن أعين الحراس ويخفون تدينهم، أما الذين لا يزالون يتحركون بشكل علني في السجون فهم فقط الأقل خطورة".
كما نقلت الصحيفة عن "توماس روبي"، المسؤول في إدارة السجون الفرنسية، قوله إن أكبر المهربين واللصوص في السابق كانوا هم من يسودون السجون، واليوم أصبح المتشددون هم الذين يحظون بهيبة ويجلبون الأنظار، حيث إنهم يتصرفون بكل سرية، ويكوّنون خلايا ويتواصلون بعدة أشكال. وقد عثر المفتشون في عدة مناسبات على هواتف في زنزاناتهم تحتوي على صور راية تنظيم الدولة".
كما ذكرت الصحيفة أن أكبر المتشددين في
فرنسا لا يمانعون من الدخول للسجن، بل يعتبرون ذلك فرصة لنشر فكرهم المتطرف، وتكوين خلايا جديدة، على غرار "إبراهيم واتارا"، الذي قال أثناء محاكمته في سنة 2014 بتهمة الانضمام لتنظيم القاعدة والسفر لليمن ومنطقة وزيرستان: "أريد أن تحكموا علي بأقصى مدة ممكنة، لأنني في السجن على الأقل أتمتع بمكان أعيش فيه وبالأكل والشرب".
وقد تفطنت السلطات إلى نواياه وقررت وضعه في السجن الانفرادي، ولكنه رغم ذلك يقتنص كل فرصة للتقرب من بقية السجناء ونشر أفكاره. كما أنه يقوم بتمرير رسائله للسجناء من خلال التكلم معهم بصوت عال من زنزانته الانفرادية، أو من خلال الهواتف السرية التي يتم تسريبها إلى داخل السجن.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن السلطات الفرنسية تواجه اليوم معضلة حقيقية، تتمثل في التعامل مع الشبان العائدين من صفوف تنظيم الدولة في سوريا، وهي تخشى من أن إيداعهم في السجون سيؤدي بهم إلى المزيد من التشبع بالفكر المتطرف، ولكنها في الوقت ذاته لا تملك أي برامج فعالة لإطلاق سراحهم ومراقبتهم وإعادة إدماجهم في المجتمع.