نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية حوارا مع عالم الاجتماع الفرنسي، جيل كيبيل، مؤلف كتاب "إرهابيون من الجيل الثالث"، حول الظروف التي قادت لظهور الفكر المتشدد في
أوروبا، وأسباب انتشار هذا الفكر بين شباب الدول الغربية، وأهدافه التي رسمها
أبو مصعب السوري في سنة 2005.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن جيل كيبيل يعد أشهر عالم اجتماع في فرنسا، وقد حلل في كتابه ظاهرة انتشار الفكر المتطرف بين شباب أوروبا، وهو اليوم يبحث عن الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا، والأخطاء التي يجب تجنبها في المستقبل لمنع وقوع هجمات مثل هجمات باريس.
ونقلت الصحيفة عن جيل كيبيل، الذي يرفض استعمال لفظ
تنظيم الدولة الإسلامية، ويتمسك باسم "داعش"، قوله إن "الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أعلن الحرب على تنظيم داعش، ولكن أهداف هذه الحرب ظلت غامضة، وهو ما سبب تناقضا وتضاربا بين أعضاء التحالف الدولي. كما أن هذه الحرب تدور في الشرق الأوسط فقط. أما في داخل فرنسا، فإن الشرطة والمخابرات تواجه تحديا أمنيا، أمام مجتمع منقسم وأفراد تائهين يبحثون عن الهوية والانتماء، والتحدي الأكبر من بين كل هؤلاء يتمثل في المنتمين للتيار السلفي الجهادي".
واعتبر كيبيل أن "أوروبا تشهد جيلا جديدا من المتشددين، ظهر بداية من سنة 2005، مع كتابات مصطفى بن عبد القادر الرفاعي، المعروف باسم أبي مصعب السوري، وخاصة كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"، وقد استغنى أبو مصعب السوري عن أفكار أسامة بن لادن، الذي أسس للمنظومة الجهادية المهيكلة بشكل هرمي من القمة نحو
القاعدة".
وبحسب كيبيل، فإنه "رغم النجاح الإعلامي الكبير لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، فإنها لم تقنع الكثيرين بالانضمام لتنظيم القاعدة، ولكن أبا مصعب السوري اعتمد نهجا مغايرا، تمثل في الانطلاق من القاعدة نحو القمة، وتكوين مجموعات صغيرة تعمل بشكل مستقل عن المركز، وقد واصلت أفكاره انتشارها بفضل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وبفضل السجون التي كانت تتم فيها اللقاءات وغسيل الدماغ".
"كما استفادت هذه الشبكات التي نشأت من نظريات أبي مصعب السوري، من الثورات العربية وحالة الفوضى وغياب الدولة المركزية في عدة بلدان، وأوروبا تواجه اليوم خطرا أكبر مع انهيار دول مثل اليمن وسوريا والعراق، ودول قريبة جدا مثل ليبيا التي قد تمثل قاعدة خلفية لهجمات في المستقبل".
وحول عوامل جذب هذه الأفكار لبعض الشباب المسلم، قال كيبيل إن "أبا مصعب السوري توجه بأطروحاته مباشرة نحو فئة الشباب، وفي القارة الأوروبية بشكل خاص؛ لأنه يستهدف الشباب المسلم الذي يعاني من الإقصاء والصعوبات الاقتصادية، ويواجه العنصرية وكراهية الأجانب وغربة في داخل البلد الذي ولد ويعيش فيه، كما يستهدف أيضا المعتنقين للإسلام حديثا، الذين لا يتمتعون باطلاع كاف على هذا الدين".
"وقد حرض أبو مصعب هؤلاء على تنفيذ الهجمات في بلدانهم الأوروبية ضد من يعتبرهم الكفار، بعد تلقيهم تدريبا بسيطا حول مهاجمة الأهداف السهلة، مثل أماكن تواجد اليهود أو أعداء الإسلام على غرار مقر صحيفة شارلي إيبدو، على أمل أن يحدث ذلك شرخا عميقا بين المسلمين والمجتمعات الغربية، ليتحقق الهدف النهائي لأبي مصعب، وهو اندلاع حرب بين المسلمين والأعداء تنتهي بإقامة الخلافة"، كما يقول كيبيل.
وفي تساؤل للصحيفة حول هذا التأثير الهائل الذي أحدثه كتاب أبي مصعب السوري المكون من 1600 صفحة، أقر كبيبل بأن "هذا الكتاب تمت صياغته بطريقة ذكية، وهو موجود على الإنترنت ويسهل الاطلاع عليه، كما أن المخابرات الأمريكية هي التي قامت بنفسها بترجمته للغات أخرى؛ لأنها اعتقدت أن ذلك سيتسبب في ضعف وتشتت صفوف الجهاديين من خلال انقسامهم لمجموعات منفصلة، سرعان ما ستظهر الخلافات بينها ويسهل اختراقها وضربها ببعضها".
وأضاف كيبيل أن "أجهزة المخابرات الغربية أساءت التقدير في ذلك الوقت،؛ لأن موقع يوتيوب كان قد بدأ للتو، ولا أحد كان يتوقع أن تصبح شبكات التواصل الاجتماعي بهذا الانتشار والتأثير. كما أنهم لم ينتبهوا لما كان يحصل في السجون، وبالطبع لم يتوقعوا أن يحدث ربيع عربي وتنتشر الفوضى في الشرق الأوسط".
وحول انتشار أفكار تنظيم الدولة في فرنسا أكثر من بقية دول أوروبا، قال كيبيل إن التنظيم يعتمد في دعايته أساسا على اللغة العربية رغم أنه يترجم بعض المواد للغات أخرى، ومسلمو ألمانيا أغلبهم أتراك وليسوا عربا، أما في بريطانيا فأغلبهم هنود وباكستانيون، على عكس فرنسا التي ينحدر أغلب مسلميها من أصول عربية. كما أن لفرنسا ماضيا استعماريا أسود مع الدول العربية، وبعض الشباب يكرهونها حتى بقطع النظر عن الأفكار الدينية".
وقال كبيبل إن "الفكر السلفي الجهادي يلقى رواجا بين بعض الشباب في ظل الأزمة الاقتصادية وفشل سياسات الإدماج الاجتماعي، وهذا الفكر يشجع على الانفصال عن الثقافة الأوروبية؛ لأنها تتبنى الديمقراطية التي هي كفر ورفض لحكم الله، حسب رأي أبي مصعب السوري، وهذا المذهب ينظر لبقية التيارات الأكثر اعتدالا على أنها متساهلة ولا تمثل الإسلام الحقيقي".
ولكن في المقابل، أكد كيبيل على أن "أسلوب هجمات تنظيم الدولة، لا يحظى بتأييد العالم الإسلامي، بل إن البعض من المنتمين للتنظيم يؤكدون وجود معارضة داخلية لهجمات باريس، باعتبارها خطأ تكتيكيا وسياسيا، وهذا يؤشر على حدود آفاق هذا التنظيم، ويؤكد أنه لن يستمر طويلا".