تستمر
الأزمة الروسية بشكل متفاقم؛ يتبع
الروسيون اليوم سياسة التحدي واستعراض القوة في تعاملهم مع الأزمة الروسية التركية، فهم يهدفون بخطواتهم التي يخطوناها إلى حصر
تركيا في الزاوية.
يسعى بوتين إلى الإظهار للعالم أنه لم يوضع ولن يوضع في موقف محرج أبدا. لذلك يقوم باتهام تركيا بالتعاون مع تنظيم الدولة، ويدعو الغرب إلى تحسين علاقتهم بالأكراد مدعيا أن حل الأزمة السورية سيتم عن طريق الأكراد.
ويقوم بتضييق جميع مجالات العلاقة بين البلدين، محولا كل مجال منها إلى أزمة مختلفة. فقد قامت
روسيا باحتجاز عشرة رجال أعمال ذهبوا إلى إحدى المعارض بتأشيرة سائح لا بتأشيرة عمل، وقامت بترك الخضراوات والفواكه المستوردة من تركيا على الحدود حتى تتلف، كما أنها وجهت نداء لمواطنيها بعدم الذهاب إلى تركيا بغرض السياحة...
وأوضحت في مقالي بالأمس، أن إسقاط الطائرة الروسية كان خطأ فادحا ومن الممكن أن يترتب عليه عواقب وخيمة، وذلك إذا نظرنا للأمر من منظور سياسي فقط.
فبالرغم من وجود قواعد واضحة وصريحة للاشتباك المسلح، فقد كان بالإمكان التصرف كما في السابق (قام الروس باختراق مجال الجو التركي أكثر من مرة) تجاه الطائرة الروسية التي خرقت مجالنا الجوي.
ليس واضحا حتى الآن مصدر قرار ضرب الطائرة الروسية، فربما يكون هذا التصرف صادرا من الطيار نفسه على اعتبار عدم تلقيه أمرا بعدم ضربها. لا أعتقد شخصيا بأن القرار صدر بطلب وموافقة الحكومة في تلك اللحظة. كما أني لا أعتقد أن الأشخاص الذين يحكمون تركيا اليوم مسرورون بهذه النتيجة. فلو لم
يتم إسقاط الطائرة الروسية، لما كان الأمر كما هو عليه الآن.
إن الأحداث الحاصلة في الفترة الأخيرة من استهداف التركمان من قبل روسيا بعمليات جوية، وعدم إظهار الحساسية اللازمة لقضية خرق الحدود بالرغم من التحذيرات والتعليمات المستمرة، لم تترك بابا أمام تركيا إلا وأغلقه ما دفع بالحكومة إلى القيام بمثل هذا العمل.
شددت الحكومة التركية على محافظتها على حقها التقني (حسب قواعد الاشتباك) وعلى حقها الدبلوماسي (إذا تكرر الخرق مجددا فإن ما حدث سيتكرر) أيضا.
ومع ذلك كله، فقد قامت تركيا باستخدام أسلوب لين حيال المسألة..
ففي اليوم الأول، قال أردوغان: "نحن الآن في معاناة جراء وقوفنا وجها لوجه في موقف كهذا".. هذا وقد كان وزير الخارجية تشاووش أوغلو، يحاول الارتباط مع الروس من أجل مناقشة المسألة.
لكن استخدام الروس لكلمات من العيار الثقيل، أدت إلى زيادة حدة التوتر بين البلدين، الأمر الذي دفع الرئيس أردوغان بالأمس ليقوم بالرد على بوتين.
فقد أفاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريح مع قناة "سي أن أن" العالمية، بأن تركيا لن تعتذر من روسيا، كما أنه قال إنه يجب على الروس الذين قاموا بخرق مجال تركيا الجوي الاعتذار منها على الفور.
الأمر ليس مختلفا بالنسبة لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، فكلما زادت التهجمات الروسية أصبح موقفه أكثر حزما وصلابة.
السؤال الآن ليس "لماذا حصلت هذه الأزمة؟"، بل إنه "كيف ستنتهي وماذا ستكلف؟".
كيف ستتم إدارة وحل هذه الأزمة؟
أن نكون هدفا لسياسيات القوة التي تتبعها تركيا سيلحق الأذى بتركيا. سيبعدنا عن أهداف سياسة "الإصلاحات الهادئة" التي نتمنى الرجوع إليها. وسيشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي الذي نرغب به. سيجعل من مشكلة الأكراد المرتبطة بسوريا وتركيا مشكلة عامة في الشرق الأوسط. وبذلك، ستتدخل كل من روسيا وإيران في هذه اللعبة القذرة.
علاوة على ذلك، فإن روسيا ستقوم بدعم كل من حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية بشكل أكثر فعالية، وسيتم تزويدهم بالسلاح ما سيؤدي إلى سيطرتهم على الضفة غرب الفرات، الأمر الذي سيدفع تركيا إلى استخدام السلاح في مواجهة ذلك.
بالتأكيد أن كرامة وكبرياء تركيا مهمة جدا. فإن كلا من حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان، مثلا الكرامة والكبرياء في السياسة الخارجية لفئة كبيرة من الشعب لفترة طويلة.. ويؤمن ناخبو حزب العدالة والتنمية، بأن السياسة الخارجية التي يتبعها الحزب، هي مساواة تركيا بالقوى الأخرى في العالم.
لكن على حكام تركيا اليوم، أن يبحثوا وأن يجدوا الطرق السياسية والعقلانية لصد الأخطار المحدقة بتركيا، وعلى رأس هذه الأخطار البلاء الروسي وما يحمله من مخاطر.
في هذه المرحلة.. اتباع سياسة التحدي والسيطرة، لن يؤدي إلا إلى إلحاق الأذى بتركيا.
لا يجب أن تتبع تركيا سياسة التحدي، ولكن يجب عليها أن تبحث عن طرق التسوية العقلانية في مواجهة التهجمات الروسية الشرسة عليها.
(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")