في الوقت الذي تقترب فيه الهبة الفلسطينية الأخيرة من دخول شهرها الثالث؛ فإن الاحتلال الإسرائيلي يزيد من حراكه الساعي إلى احتوائها، بعد إدراكه أنها انتفاضة حقيقية. والقضاء عليها لا يلوح بالأفق القريب، وهو ما ينذر بتصعيد إسرائيلي كبير، ربما يتمثل في
عملية عسكرية في الضفة الغربية المحتلة والقدس، بحسب مراقبين.
واعترف وزير دفاع الاحتلال موشيه
يعلون، الجمعة الماضي، بأن القضاء على ما وصفها بـ"موجة الإرهاب الحالية، لا يلوح في الأفق"، متوقعا في حديثه لإذاعة جيش الاحتلال أن تستمر الانتفاضة "خلال الأسابيع القادمة على أقل تقدير".
وذهب يعلون إلى أن "سياسة الردع هي الكفيلة باجتثاث جذور الإرهاب، والتغلب عليه، مثلما حصل سابقا (...) حيث إن الأمر يتطلب الاستعداد للتعامل مع سيناريوهات متعددة".
عابرة للحدود
وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي، عدنان أبو عامر، إن الاحتلال بكافة مؤسساته العسكرية والأمنية والسياسية "يشهد حراكا جديدا في الأيام الأخيرة حول طبيعة الأحداث الجارية في
الضفة والقدس"؛ مشيرا إلى أن التوجه الحالي للاحتلال هو "إطلاق اسم الانتفاضة على الأحداث الجارية، ما يعني تغيرا في وسائل وأدوات الاحتلال بمواجهة الانتفاضة الثالثة".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "هذا التغيير لم يكن مفاجئا، ولكنها تراكمات الأسابيع الماضية"، مؤكدا أن الإسرائيليين بعد مرور 60 يوما "اتفق معظمهم على أن هذه انتفاضة عابرة للحدود، بين الضفة والقدس والداخل المحتل، وهذا يتطلب عندهم إغلاق مناطق في الضفة والقدس، والقيام بحملة اعتقالات واسعة، وإبعاد بعض الفلسطينيين من الضفة إلى غزة".
وأكد أن "هناك توجها إسرائيليا لاستخدام أدوات عسكرية أكثر قمعا في محاولة لضبط الأوضاع"، معتقدا أن كل ما يقوم به الاحتلال "بات دون جدوى، في ظل استمرار أعمال الانتفاضة الثالثة".
وحول اهتمام الاحتلال بمناقشة احتمال انهيار السلطة الفلسطينية؛ فقد بيّن أبو عامر أن "الإسرائيليين يعتقدون أن الانتفاضة قد تؤدي إلى انهيار السلطة، وهذا التقدير مدار خلاف بين من مؤيد ومعارض".
انهيار السلطة
وأضاف أبو عامر أن "هناك من يرى أن انهيار السلطة يصب في مصلحة الاحتلال، لكن المستوى الأمني والعسكري الإسرائيلي يرى العكس"، مشيرا إلى قول وزيرة خارجية الاحتلال السابقة تسيبي ليفني، إن "السلطة تقوم بجهود كبيرة لمنع تنفيذ عمليات ضد المستوطنين والجنود".
من جانبه؛ أوضح المختص في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، أن "كل المقترحات والإجراءات الإسرائيلية لاحتواء الانتفاضة حتى الآن؛ تتعلق بالوضع الميداني، حيث تفرض عقوبات محدودة على المناطق التي ينطلق منها منفذو العمليات، وعلى عائلاتهم".
وأكد لـ"
عربي21" أنه "لا أحد على الإطلاق يمكن له أن يتوقع متى يمكن أن تنتهي تلك الانتفاضة"، معتقدا أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية "أخفقت في مواجهة الانتفاضة كما أنها أخفقت في التنبؤ بها".
لكن حكومة الاحتلال "المتطرفة" التي يتزعمها بنيامين نتنياهو "تتصرف بطريقة غير منطقية"، بحسب أبو زايدة الذي أشار إلى أن "هناك من يقترح استئناف عمليات الاغتيال، وإعادة اجتياح الضفة بالكامل، وإنهاء دور السلطة الفلسطينية، وهو الموضوع الذي يحوز حاليا على اهتمام الاحتلال".
ورجح أبو زايدة عدم رغبة الاحتلال في انهيار السلطة الفلسطينية "لأنها تعمل على تهدئة الأوضاع، وإن لم تظهر ذلك"، منوها إلى أن هذه الرغبة قد تتغير إذا ما زادت الخسائر في صفوف الاحتلال، ولم يفِ رئيس السلطة محمود
عباس بتعهداته لـ"كيري" في زيارته الأخيرة، بوضع حد لعمليات المقاومة، بحسب القناة الإسرائيلية الثانية.
وخلفت الانتفاضة منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، 106 شهداء فلسطينيين و23 قتيلا إسرائيليا.