ناقش
معهد واشنطن في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني، تنظيم الدولة وأولوياته الاستراتيجية، حيث بدا أنه عمل على التخلي عن نهجه التقليدي باستهداف العدو القريب، وذهب إلى نهج استهداف العدو البعيد، وكأنه أصبح تنظيما جديدا.
وبحسب تقرير المعهد الذي أعده نداف بولاك، وتعرضه "
عربي21"، فإن الهجمات الأخيرة التي تبناها تنظيم الدولة في العديد من البلدان، توضح بأنه يستطيع تنفيذ عمليات خارجية حتى مع انحسار الأراضي الخاضعة لسيطرته.
وولدت هذه الهجمات نقاشا في غاية الأهمية حول ما إذا كان ذلك تحول استراتيجي قام به تنظيم الدولة في الآونة الأخيرة، للتركيز بصورة أكثر على الهجمات في الخارج، أو أنه بالأحرى سلسلة من الانتصارات التكتيكية التي تمثل ذروة لاستراتيجية، وضعها التنظيم منذ وقت طويل، وفق المعهد.
وأورد التقرير أن الهجمات الأخيرة في باريس وبيروت وشرم الشيخ أظهرت لقادة العالم أنهم يواجهون مشكلة خطيرة: فإذا كان تنظيم الدولة محصورا على ما يبدو ضمن سوريا والعراق سابقا، فقد أثبتت الهجمات الأخيرة عكس ذلك تماما.
ونقل تقرير المعهد عن أولئك الذين يعتبرون أن الهجمات الأخيرة تشير إلى تحول استراتيجي، أن تنظيم الدولة قرر تخصيص المزيد من الموارد للعمليات في الخارج، نتيجة لفقدانه الأراضي.
ووفقا لهذه الحجة، بما أنه يتعذر على الجماعة إحراز تقدم على أرض المعركة بفعل خسارة الأراضي، فهي تحتاج إلى التركيز بصورة أكبر على الهجمات في الخارج للمحافظة على سمعتها وتدفق مجنديها.
وبحسب الباحث الأمريكي بولاك معد التقرير، فإن هذه الحجة تعد منطقية، لا سيما في ضوء الهزائم التي تكبدها مؤخرا تنظيم الدولة في سنجار وشمال سوريا، ولكنه أضاف أن هناك عوامل أخرى تشير إلى أن النجاحات التي حققتها الجماعة مؤخرا في الخارج، تشكل جزءا من جهود عالمية كان قد بدأها التنظيم قبل تقلص حجم دولته المزعومة بوقت طويل.
ولفت إلى أن اعتداءات 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في باريس لم تكن المرة الأولى التي حاول فيها مناصرو تنظيم الدولة أو أتباعه استهداف الدول الغربية.
وفي الواقع، تم إحباط سلسلة من المخططات النشطة للتنظيم في أنحاء أوروبا كافة في العام الماضي، حيث كان من المفترض تنفيذها بينما كانت الجماعة تحقق أهم مكاسبها من ناحية الاستيلاء على الأراضي.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون صرح الأسبوع الماضي أن الأجهزة الأمنية البريطانية أحبطت سبعة مخططات محلية لتنظيم الدولة. وكُشفت محاولات أخرى في إسبانبا وإيطاليا، كما أن الولايات المتحدة تمكنت من إحباط مخططات عدة.
وتناول تقرير المعهد طبيعة التحضيرات اللازمة التي يتبعها تنظيم الدولة لتنفيذ هجمات في الخارج، حيث قال: "أولا، إن تشكيل الفريق المناسب من العناصر وإرسالهم من سوريا إلى أوروبا بشكل خفي يستغرق وقتا. كما أن التحضيرات اللوجستية، التي حصلت في بلجيكا وفقا لبعض التقارير، تتطلب الموارد والوقت".
ويشمل ذلك كله الحصول على المتفجرات والأسلحة، وتجميع السترات الواقية، وإيجاد أسهل الطرق وأسرعها للدخول إلى فرنسا مثلا دون إثارة الشبهات.
وأضاف الباحث: "إذا افترضنا أن لدى الفريق أتباع في فرنسا، فقد احتاج هؤلاء أيضا إلى جمع الاستخبارات المتعلقة بالأهداف، من خلال دراسة مستوى الأمن في تلك الأماكن واكتشاف ساعات الذروة فيها. ولا بد أن تكون العناصر قد اضطرت إلى إيجاد شقة يمكن استخدامها كملاذ آمن من أجل التخطيط للاعتداء".
وأشار إلى أن التنظيم لطالما أعلن أنه سيستهدف الغرب؛ ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، وجه الناطق باسم الجماعة، أبو محمد العدناني، تهديداته لفرنسا وأستراليا وبلجيكا ووصف جيوشها بـ"الجيوش الصليبية"، مضيفا أنها "تستنفر في أستراليا وكندا وفرنسا وبلجيكا وغيرها من معاقل الصليب، التي نعدها إن شاء الله باستمرار حالة التأهب والرعب والخوف وفقدان الأمن".
وأضاف الباحث أنه بالنظر إلى عدد من المخططات التي تم إحباطها في أوروبا، يثبت لدينا أن تنظيم الدولة حاول مسبقا ترجمة هذه التصريحات على أرض الواقع. فقد أحبطت وكالات إنفاذ القانون الغربية محاولات بعض أتباع التنظيم خلال العام الماضي، ولكن كان متوقعا أن يتكيف تنظيم الدولة مع ذلك، ويحاول إيجاد طرق جديدة لتخطي تجاربه الفاشلة.
وبحسب بولاك، فإن خبراء عدة أشاروا، بمن فيهم زميلي ماثيو ليفيت، إلى أن تنفيذ اعتداء في الغرب لا يتطلب تكلفة مرتفعة.
وأشارت بعض التقديرات إلى أن
هجمات باريس كلفت حوالي 10 آلاف دولار. وإذا صحت هذه التقديرات، فلدى تنظيم الدولة ما يكفي من الموارد لدعم مثل هذه العملية، وفي الوقت ذاته تخصيص معظم موارده إلى الحوكمة والقتال في سوريا والعراق، إذ إن ميزانية الحرب الخاصة به تقدّر ما بين مليار وملياري دولار.
وقال إن "التنظيمات الإرهابية تستطيع أن تنشط على محاور عدة في الوقت ذاته، ويمكنها أن تشارك في القتال وتنفذ هجمات إرهابية في الخارج بموازاة ذلك.
ما المهم بتشكل تحول استراتيجي أو مجرد انتصار تكتيكي؟
في معرض تقريره، أوضح بولاك أن التحول الاستراتيجي يعني أساسا أن تنظيم الدولة الإسلامية كان يحاول استهداف الغرب منذ وقت طويل، إلا أنه وجد حاليا أيضا طريقة للقيام بذلك من خلال تكييف تكتيكاته مع الواقع.
وتُظهر هجمات باريس أن عناصر الجماعة تعلمت كيف تتكيف مع بعض الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الدول الأوروبية.
فإذا كان عبد الحميد أباعود قد نجح في الدخول إلى فرنسا في الخفاء، على الرغم من اطلاع وكالات الاستخبارات المسبق على دوره في تسهيل عمل خلايا إرهابية عدة في أوروبا، فذلك يعني أن أباعود بنفسه قد وجد ثغرة أمنية، يمكن استخدامها من عناصر أخرى في تنظيم الدولة.
وقد يعتبر البعض أن ذلك استثناء وليس القاعدة بالضرورة، وهذا يعني أن أباعود كان "محظوظا" وأن ذلك لا يعكس بأي طريقة من الطرق أن هناك اتجاها أكبر.
ولكن واقع انتقال عدة مهاجمين من سوريا إلى أوروبا، وعدد الأشخاص المشاركين في المخطط، واستخدام الأحزمة الناسفة، الأمر الذي يفترض مشاركة صانع قنابل بذلك، والاستخدام المحتمل لرسائل مشفرة، تشير كلها إلى حقيقة أن الهجمات لم تكن مجرد لعبة حظ، بل إن منفذيها كانوا يعرفون تماما ماذا يفعلون.