نشر الكاتب البريطاني ديفيد
هيرست مقالا انتقد فيه "حمى الاندفاع نحو الحرب"، موضحا أن
بريطانيا لن تجد أسوأ من هذا التوقيت لتدخل "المعمة" في التدخل في الأزمة السورية، ومشيرا في الوقت ذاته إلى تصريحات زعيم حزب العمال جيريمي
كوربين، التي قال فيها إنه "ينبغي على بريطانيا ألّا تجر إلى رد فعل يمكن أن يغذي دورة العنف والكراهية".
وأشار في مقاله الذي نشره موقع "هافنجتون بوست" إلى أن التطورات الأخيرة تأتي في حين "يزداد عدد أعضاء نادي المتدخلين في
سوريا كل أسبوع"، داخل البرلمان البريطاني.
وهذا الأسبوع، من المتوقع أن يلغي البرلمان في بريطانيا اعتراضاته السابقة على مشاركة بريطانيا في حملة القصف الجوي على سوريا.
ولفت الكاتب البريطاني إلى أن "أصوات العقل تكاد تتلاشى بسبب ضجيج التنادي إلى الحرب، فقد تم تجاهل تقرير معقول وجيد الإعداد صادر عن لجنة الشؤون الخارجية، يبين لماذا قصف سوريا يمكن أن يكون كارثيا".
وقال إنه "من المؤسف أن رئيس اللجنة كريسبن بلانت غير موقفه، وانتقل إلى الطرف المقابل في الجدل الدائر حول هذا الأمر".
يوصي التقرير الذي أشار إليه هيرست بأنه ينبغي ألّا يكون هناك إجراء عسكري بريطاني في سوريا ما لم تتوفر استراتيجية دولية محكمة لديها فرصة واقعية في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية وفي إنهاء الحرب الأهلية التي تدور رحاها في سوريا. وجاء فيه النص على أنه "في غياب مثل هذه الاستراتيجية يظل اتخاذ إجراء بهدف تحقيق الرغبة في عمل شيء ما عملا غير محكم".
واعتبر التقرير أن التركيز على المشاركة في شن هجمات جوية على الدولة الإسلامية في سوريا ما هو إلا صرف عن المهمة الأكبر والأكثر أهمية، ألا وهي إيجاد حل للصراع في سوريا وبذلك إزالة واحد من أهم العوامل التي أدت إلى صعود وتمدد الدولة الإسلامية.
وجاء في التقرير: "لسنا مقتنعين بأن المحادثات التي تشارك فيها جميع الأطراف ستشكل حافزا للناس على الانضمام إلى الدولة الإسلامية أكثر من كونها حافزا يسمح باستمرار الفوضى والصراع". تبقى هذه الاستنتاجات صالحة بعد
هجمات باريس كما كانت قبلها.
دورة جديدة من الجنون
وتناول هيرست التغيرات التي طرأت بعد هجمات باريس، حيث تم التخلي تماما عن الذكرى المريرة لأربعة عشر عاما من الحروب الكارثية التي شنت في الشرق الأوسط التي خلفت أعدادا كبيرة من القتلى، إلى جانب الإصابات التي أوقعتها هجمات النيتو الجوية في أوساط المدنيين، وتفاقم الانفصام السني الشيعي، وتفتيت كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، والتدخلات التي تمكن بوش وبلير من إنشائها، ولكنهما لم يتمكنا أبدا من استكمالها، وعدم القدرة على إقامة دولة جديدة فوق ركام الدولة التي سبقتها.
ودافع هيرست عن زعيم حزب العمال جيريمي كوربين، الذي يسخر منه وينتقص من قدره كل يوم، وقال إنه بات عرضة للامتهان حتى من بعض الناس داخل حزبه نفسه، موضحا أن "ما ذلك إلا لأنه ينطق بما هو حق".
وقال إن كوربين أوضح أنه ينبغي على بريطانيا ألّا "تجر إلى رد فعل يمكن أن يغذي دورة العنف والكراهية" بعد هجمات باريس.
وقال كوربين: "تثبت هجمات باريس المنكرة أن ثمة حاجة ماسة إلى جهد عاجل للتوصل إلى تسوية من خلال التفاوض لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، وإنهاء التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية. فلا ريب أن الصراع في سوريا وتداعيات الحرب على العراق هي التي أوجدت الظروف التي مكنت تنظيم الدولة الإسلامية من الترعرع والانتشار وتوسيع رقعة حكمه الإجرامي."
وأضاف أنه "على مدى الأعوام الأربعة عشر الماضية كانت بريطانيا في المركز من سلسلة متعاقبة من الحروب الكارثية التي جلبت الدمار لأجزاء واسعة من الشرق الأوسط. وكانت النتيجة أن زادت المخاطر التي تتهدد أمننا القومي، ولم تنقص".
وبحسب هيرست، فإنه على الرغم من كل تحذيرات كوربين "لكن لا يستمع إليه أحد".
وأشار إلى أن التاريخ يخبرنا -والتاريخ الحديث بشكل خاص- بأن ردود فعل الغرب على الهجمات الإرهابية في نيويورك ومدريد والدار البيضاء ولندن، والآن في باريس كانت باستمرار كارثية، لم ينجم عنها سوى نشر ألسنة اللهب، والتسبب في انهيار الدول، ودعم الطغاة الذين لا رسالة لهم في الحياة سوى الحفاظ على مراكزهم ومكتسباتهم، وسحق كل شكل من أشكال التعبير الديمقراطي، وشن الحرب على المعتدلين وعلى المتطرفين على حد سواء ودونما تمييز، وزيادة أعضاء نادي المعجبين بالدولة الإسلامية والمؤيدين لها".
جنون التدخل
وقال هيرست معلقا على إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، بالقول إن ما حدث "ما هو إلا ثمرة من ثمار التدخل الأحمق في سوريا"، محذرا بريطانيا من التدخل في سوريا.
وأضاف أن "هذا التطور لم يكن مفاجئا"، ووصف ما يحدث في سوريا بـ"جنون التدخل"، موضحا أن ما يجري في سوريا "ما هو إلا جنون جماعي متعدد الأطراف".
وقال موضحا هذا "الجنون": "يقاتل الروس والإيرانيون وحزب الله ضد قوات المعارضة من أجل إنقاذ الأسد وتثبيت نظامه.. ويرحب المقاتلون الشيعة في العراق بحملة القصف الروسية، وقد جرى قصفهم، كما يزعمون، من قبل الولايات المتحدة بالقرب من الرمادي. ,في هذه الأثناء، تساهم الولايات المتحدة بتوفير غطاء جوي ووحدات قوات خاصة على الأرض لمساندة تقدم قوات البشمركة والمجموعات الكردية السورية، ولكنهم لا يتقدمون خطوة واحدة خارج المنطقة التي تخضع لهم".
وكان برنامج الولايات المتحدة المعروف باسم "درب وجهز" الذي كلف 500 مليون دولار أمريكي قد انهار بعد أن انتهى المطاف بالكثيرين من المقاتلين السوريين ضمن ما يعرف بالفيلق 30، بأن وقعوا في أسر جبهة النصرة، التنظيم السوري الذي ينتسب إلى القاعدة.
وسحب الأردنيون دعمهم لألوية الجيش السوري الحر، بما في ذلك مجموعة الجبهة الجنوبية، التي شنت سلسلة من الهجمات في شهر حزيران/ يونيو على مواقع الحكومة السورية في درعا.
وتحارب تركيا حزب العمال الكردستاني المتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، بينما تنضم إلى المملكة العربية السعودية في دعم جيش الفتح، الذي يشتمل ضمن بنيته القيادية على جبهة النصرة.
وتساءل أخيرا بالقول: "هل ثمة وقت أفضل من هذا حتى تنضم بريطانيا إلى المعمعة؟".
وانتقد هيرست تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، وقال: "في تحد صارخ لحقيقة الأوضاع على الأرض، زعم كاميرون في باريس الاثنين بأن العالم يلتم شمله في حربه ضد الدولة الإسلامية".
وأعرب كاميرون عن قناعته الراسخة بأنه يتوجب على المملكة المتحدة أن تنضم إلى الهجمات الجوية في سوريا، وحتى قبل التصويت على ذلك في البرلمان، وكشف النقاب عن أن بريطانيا عرضت على فرنسا استخدام قاعدة سلاح الجو البريطاني الموجودة في أكروتيري داخل قبرص.
وشبّه هيرست رئيس الوزراء البريطاني كاميرون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "الذي لا يحيد أنملة عن دعم الدكتاتورية في الشرق الأوسط"، وقال إن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حوّل فرنسا إلى عضو كامل وملتزم في سياسة التدخل التي يقوم عليها المحافظون الجدد، فهو يتكلم ويتصرف تماما مثلما كان يتكلم ويتصرف جورج دبليو بوش بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وقال هيرست: "الحقيقة أن هولاند هو بوش الجديد، بل بلغ به الأمر أن يقيم نسخة فرنسية من القانون الأمريكي الذي سن بعد هجمات سبتمبر، وعرف بقانون باتريوت".
وختم مقاله بالقول: "إننا على وشك أن نعود ونعيش دورة الأربعة عشر عاما الماضية ذاتها بأكملها - الغضب، الانتقام، الضربات الجوية الحمقاء، قتل المدنيين، وفي نهاية المطاف تكبد الهزيمة والانسحاب تارة أخرى. كان كوربين محقا بشأن العراق في عام 2003 وهو محق الآن بشأن سوريا".