مقالات مختارة

العرب بين سندان الطاغية المحلي وكفيله الخارجي

فيصل القاسم
1300x600
1300x600
لم تعد الثورات أبدا شأنا محليا بحتا، بل هي محكومة بعدة عوامل، وأهمها الآن، بعد العامل المحلي، هو العامل الخارجي. لقد اكتشفت الشعوب العربية الثائرة بعد أن بدأت ثوراتها أن الأمر ليس بالسهولة التي تصورتها، بل هي أعقد بكثير، إلا في الحالات التي يتفق فيها المتحكمون بمقاليد إدارة العالم على إزالة هذا الطاغية أو ذاك، منذ اللحظة الأولى التي تخرج فيها الشعوب إلى الشوارع.

لاحظنا ذلك في ليبيا، حيث كان هناك اتفاق واضح بين أمريكا والكثير من القوى الأخرى، باستثناء روسيا طبعا، على إسقاط معمر القذافي. لذلك كان الدعم الخارجي سخيا جدا على الصعيد العسكري واللوجستي والاستخباراتي للثوار الليبيين. وقد شاهدنا كيف تحرك مجلس الأمن سريعاًلاستصدار القرارات الدولية المطلوبة لإسقاط النظام الليبي. وبدأ بعد ذلك طبعا القصف الجوي، والتنسيق مع الثوار الليبيين على الأرض.

وعلى عكس النموذج السوري، لقد حصل الثوار الليبيون على كل أنواع الأسلحة المطلوبة لمواجهة قوات القذافي. وقد تكفل حلف الناتو وحلفاؤه الدوليون والمحليون بالعمليات الجوية، بينما كانت قوى كثيرة تساعد الليبيين على الأرض. لقد كان الليبيون محظوظين، لأن القذافي لم يكن له كفيل خارجي يحول دون سقوطه. ويعترف الروس الذين كانوا يمكن أن يدعموا الزعيم الليبي للحفاظ على نظامه بأنهم خُدعوا من أمريكا عندما وافقوا على القرار الدولي الذي يتيح لأمريكا التدخل في ليبيا. لكن الروس طبعا، حسبما يزعمون، تعلموا الدرس جيدا في سوريا، حيث راحوا مع الصينيين يستخدمون حق النقض في مجلس الأمن ضد أي محاولة للتدخل في سوريا.

أضف إلى ذلك طبعا أن روسيا كانت كفيلة، أو لنقل، حامية النظام السوري، منذ عقود، إن لم نقل، منذ مؤتمر يالطا الذي تقاسم فيها السوفيات والأمريكيون والأوروبيون مناطق النفوذ في العالم. لقد كانت سوريا من نصيب الروس، بينما كانت بلدان عربية أخرى من نصيب أمريكا، التي عقدت معها معاهدات حماية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، تحميها من أي أخطار خارجية وأي انتفاضات أو ثورات داخلية. ولو اطلعنا على بعض المعاهدات التي وقعها الأمريكان مع بعض الدول العربية في بدايات القرن الماضي، لوجدنا أنها كانت تنص حرفيا على إفشال أي ثورة داخلية تندلع ضد الأنظمة التي تعهدت أمريكا بحمايتها بموجب معاهدات معينة. ولازالت تلك المعاهدات سارية المفعول حتى هذه اللحظة. وقد سُئل أحد السياسيين البريطانيين ذات يوم: «هل ستغطي وسائل إعلامكم أحداث الثورة فيما لو اندلعت في بلدان محمية بمعاهدات غربية»، فأجاب ساخرا: « لا أبدا، فلن تجدوا على صفحات الصحف الغربية أي خبر يخص الثورة إذا قامت في بلدان حليفة، بل ربما تجدون خبرا يقول على صدر الصفحات الأولى في جرائدنا: «سيدة غربية أضاعت كلبها، وتم العثور عليه بسلام صباح اليوم». بعبارة أخرى سيكون هناك تعتيم كامل على أي حدث يهدد سلامة الأنظمة المحمية غربيا.

وللتدليل على أن الشعوب العربية ستجد نفسها، إذا ثارت على الأنظمة المحلية، بين فكي الطاغية المحلي وكفيله الخارجي، فقط انظروا إلى التجربة السورية. فقد ظن الثوار السوريون أن عملية إسقاط النظام لا تتطلب سوى مظاهرات سلمية عارمة في عموم المدن السورية، فيسقط النظام بسهولة. لم يدر في خلد السوريين أن معظم الأنظمة العربية مجرد واجهات لقوى خارجية. ذهب المستعمر بشكله الأجنبي، لكنه ترك وراءه عميله المحلي ليدير البلاد بالنيابة عن المتحكم الخارجي. لقد ظن السوريون أن بلدهم حر مستقل، لكنهم اكتشفوا متأخرين أن النظام الذي تشدق طويلا بالسيادة الوطنية والعزة والقومية، لم يكن سوى وكيل رخيص للروس. ولو لم يكن كذلك، لما استخدمت روسيا الفيتو مرات ومرات في مجلس الأمن لتحمي عميلها في دمشق. وعندما وجدت روسيا أن العميل المحلي لم يعد قادرا على حماية نفسه، وبالتالي حماية نفوذها في سوريا، تدخلت عسكريا بشكل فج ومفضوح لحمايته من السقوط. وقد كان الرئيس الروسي بوتين صريحا جدا عندما اعترف بعظمة لسانه أنه سيتدخل في سوريا لحماية نظام الأسد. وقد أصبح الثوار السوريون الآن يواجهون بشكل مباشر الطاغية المحلي وكفلاءه الطغاة الخارجيين في آن واحد.

قد يقول البعض إن أمريكا لم تستطع حماية عملائها في مصر وتونس. وهذا طبعا هراء. لقد أمرت أمريكا عملاءها هناك بالتنحي عندما وجدت أنهم لم يعودوا قادرين على تلبية أهدافها، واستبدلتهم بعد الثورات بوجوه جديدة فقط لا غير. ومن يعتقد أن الثورة في سوريا فشلت، بينما نجحت في تونس ومصر فهو يضحك على نفسه، لأن الثورة في مصر وتونس عادت بالشعبين إلى عهد الاستبداد، لكن هذه المرة بشرعية جديدة ومباركة خارجية لم يكن يحظى بهما حسني مبارك أو زين العابدين بن علي في آخر أيامهما.

لقد اكتشفت الشعوب المسكينة متأخرا أنها لا تقاوم الآن فقط الديكتاتور الداخلي، بل تواجه في الآن ذاته حماته الخارجيين. وقد صدق الرئيس التونسي السابق الدكتور منصف المرزوقي عندما ألف كتابا بعنوان: «الاستقلال الثاني». ويقصد بذلك أن الدول العربية لم تحصل على استقلالها بعد خروج الاستعمار الغربي من بلادنا، بل استبدلت المستعمر الخارجي بوكيله المحلي. وطالما أن الحاكم العربي مجرد وكيل للكفيل الخارجي، فهذا يعني أننا بحاجة للاستقلال الثاني. هل كان لبشار الأسد وكيل روسيا في سوريا ليصمد حتى الآن لولا دعم كفيله الخارجي؟ وقس على ذلك.



(نقلا عن صحيفة القدس العربي)
التعليقات (1)
محمد عادل
السبت، 21-11-2015 10:27 ص
نفس المقلب السوري شربه المصريون فقد أمرت مبارك بالتنحي ( ناو إز ناو ) نونو أوباما فتنحي الفأر المخضرم مبارك في نفس الوقت أطلقت حبل الديموقراطية لكنها ممسكة بطرفه مضيعة الوقت لسنتين حتي تجهز وكيلها الجديد السيسي للإنقضاض علي الحكم وأعطت الخليج الإشارة لدعمه ماليا فهي سترعي الدفاع الوهمي عن الديموقراطية التي ذبحت في مصر لبعض الوقت ثم تشغل البراجماتية الواقعية لتثبيت عميلها السيسي بكل وقاحة - أوباما مع مصر كان لاعبا خبيثا إستطاع أن يخمد فورة الشعب المصري بمهارة عالية فيما كان بوتين لاعبا غشيما في سوريا فقد كان من الممكن وبسهولة استبدال بشار ببشار آخر لإمتصاص غضب السوريين وبأقل خسائر ممكنه - طبعا الكفيل الأمريكي لا مانع لديه أن يمنح الغشيم بوتين بعض الإمتيازات في خاصرة مصر الطرية ( سيناء) لتوريطه في مستنقع جديد مضافا للمستنقع السوري - الأمريكيون أكثر ذكاء من الروس