رغم حالة الندب والعويل من قبل أولئك الذين لا يدركون أن لتحرير الأوطان ثمنا، أضحت الهبّة الترويعية أقوى وأكثر تأثيرا مع فشل "
إسرائيل" في إطفائها والقضاء عليها رغم عقوباتها الفاشية الجماعية.
فالقلق، بل الخوف والهستيريا، تتزايد لدى الحكومة والمجتمع الإسرائيليين كون من تواجهه الدولة الصهيونية "عدو مجهول" لا يمكن تقدير الموقف عسكريا لمواجهته هذه المرة. وعليه، فهذا إنجاز أول يحسب لها كونها شلت جزءا مهما من حياة المجتمع. وشخصيا، شهدت هذا كله بأم العين سواء في القدس أو يافا أو في طرق المستوطنات.
وفي سياق تعداد إنجازات أخرى، تستند كلها إلى أدبيات سياسية إسرائيلية وغربية رصينة، يتجلى ثاني الإنجازات المتحققة في تحول الخطاب السياسي
الفلسطيني المعتدل بل والوادع إلى موقف سياسي، عبّر عنه الرئيس الفلسطيني في خطاب غير مسبوق في لهجته وصراحته أمام جلسة "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة في جنيف، مؤيدا فيه "الهبّة الشعبية" ومحذرا: "إن لم ينعم شعبنا بالحرية فلن ينعم أحد بالسلام". وبذلك نجحت "الهبّة" في جعل القيادة السياسية الفلسطينية تمضي في مسيرة تنفيذ قرار المجلس المركزي الفلسطيني الأخير. وهذا ما اتضح في الاجتماع الأحدث (الأربعاء 4/ 11) للجنة التنفيذية للمنظمة.
ثالثا: توفرت جرّاء "الهبّة" فرصة ذهبية لعودة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العربي والدولي، بعد تجاهل طويل، في ظل الفوضى والصراعات الحادة الدائرة في الإقليم بكامله. وهذا التطور، استدعى زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، وقيام وزير الخارجية الأميركي بجولة في المنطقة، وتحرك وزراء الخارجية العرب.. إلخ، وعودة الحديث عن مبادرات بعد الغيبوبة السياسية التي عاشتها القضية.
رابعا: ولأن من أكثر ما تخشاه الدولة الصهيونية هو الديموغرافيا، وبسبب تراجع الإحساس بالأمن إسرائيليا، وانتفاء ديمومة إسرائيل "واحة للهدوء والديمقراطية وجنة موعودة لليهود"، بات من المرجح تصاعد الهجرة المعاكسة منها ونقص الهجرة الوافدة إليها، الأمر الذي يؤثر على سياسة الاستيطان وإضعاف وتائره.
خامسا: ونتيجة وعي فصائل منظمة التحرير والفصائل الإسلامية، فشلت مقارفات الاحتلال في إخراج الهبّة الجماهيرية عن إطارها أو عسكرتها بحيث بقيت "أسلحة" السكين، والدهس، وإلقاء زجاجات المولوتوف، والمواجهات بالحجارة سيدة الموقف.
سادسا: لم يستطع الاحتلال بأجهزة استخباراته المتعددة، تحديد عناصر و"قيادات" الهبّة، التي امتازت بالسرية وليس التسابق والتبارز أمام أضواء الإعلام كما اعتدنا سابقا.
سابعا: صلابة الشبان الفلسطينيين أدت إلى تعرية "الشجاعة الأسطورية" المدعاة لجنود الاحتلال، فلم تقتصر مواجهتهم على الطعن وإلقاء الحجارة، بل طاردوا جنود الاحتلال الفارين بمختلف الأدوات الحادة المتداولة.
ثامنا: احتدام الخلافات الحادة بين المستويين السياسي والأمني في إسرائيل حول كيفية التعامل مع الوضع القائم، بل إن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" اللواء "هرتسي هاليفي" انتقد أداء الحكومة و"انسداد أفق التسوية مع الفلسطينيين". وفي بداية الأسبوع الجاري، تضاعفت الكتابات الناقدة من قبل كبار السياسيين والعسكريين والإعلاميين الإسرائيليين (وغيرهم) لسياسات حكومة نتنياهو الرافضة للتسوية.
تاسعا: قدرت جهات رسمية أن يصل حجم الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة إلى 2500 مليون دولار، فيما سيتراجع الدخل القومي الإسرائيلي بفعل تراجع المداخيل من عدة قطاعات (وبخاصة في ضرب موسم السياحة مع اقتراب الأعياد)، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤا في النمو، وتعاني الاستثمارات من انخفاض حاد، الأمر الذي سيوقف استعداد المستثمرين لعمل مشاريع، ما يلحق ضررا بالاقتصاد لسنوات طويلة، فيما المصالح الصغيرة باتت على وشك الانهيار واحتمال إغلاقها. هذا، عدا المصاريف الأمنية والعسكرية.
عاشرا: ومع عودة صورة الشعب الفلسطيني المناضل، عززت هذه الهبّة صورة المرأة الفلسطينية الشريكة الكاملة في مقاومة الاحتلال فتقدمت صفوف المواجهات يدها بيد زميلها المناضل، مؤكدين معا حقيقة كون شباب فلسطين قد كرسوا حياتهم كونهم المرابطين حماة الأمتين العربية والإسلامية.
حادي عشر: وعبر شبان لا يرهبون قوات الاحتلال، استعيدت روح النضال الفلسطيني، مثبتين للدولة الصهيونية (وللعالم) أن الاستسلام للعدوان والاحتلال ليس خيارا، مهما طال الزمن ومهما غلت التضحيات. ويكفي هذا الشباب فخرا نجاحه في إنهاء أسطورة مهترئة مفادها أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، حيث يهرب جندي مدجج بالسلاح من فلسطيني يحمل سكين مطبخ. ويكفي أن الشارع الفلسطيني، يردد طرفة أوردها المحلل العسكري في القناة الإسرائيلية الثانية، "روني دانيال"، حين قال: "جنودنا لا يصلحون إلا لشرطة المرور".
(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)