نشر موقع "جون أفريك" الناطق بالفرنسية؛ تقريرا حول المشهد السياسي في
تونس، حيث أشار إلى التحالف بين "علمانيي حزب نداء تونس وإسلاميي حزب حركة
النهضة"، ورأى أن هذا التحالف الذي أنقذ تونس من حمام دم على شاكلة السيناريو المصري، أدى في نهاية الأمر إلى جمود سياسي في البلاد وإضعاف الحزب الحاكم.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن راشد
الغنوشي، ورئيس الجمهورية الباجي قائد
السبسي، يستحقان جائزة نوبل للسلام، على غرار الرباعي الراعي للحوار الذي لعب دور الوسيط في الحوار الوطني التونسي، حيث جعل السبسي والغنوشي "المعجزة التونسية" تتحقق، وأثارا إعجاب لجنة جائزة نوبل.
وأضاف الموقع أن تحقيق الانتقال الديمقراطي في تونس بشكل سلمي، وصياغة دستور توافقي، والخروج من المأزق السياسي بلا غالب أو مغلوب، ميز المشهد السياسي في تونس بعد الثورة.
وقال إن أعداء الأمس أصبحا اليوم حليفين، وهذا التعايش غير المسبوق في التاريخ السياسي في المنطقة، تم تكريسه خاصة من خلال التحالف في البرلمان، وممارسة اللعبة السياسية في كنف السلمية، ولكن المشكلة تبقى أن المشهد السياسي في تونس أصبح يخيم عليه الجمود، كما تتعرض الحكومة والحزب الحاكم لانتقادات كبيرة.
فالحملة الانتخابية في كانون الأول/ ديسمبر 2014، طغى عليها الاستقطاب الثنائي بين الإسلاميين والعلمانيين، ولكن بعد صدور النتائج، وفي غياب أغلبية مطلقة لنداء تونس في مجلس نواب الشعب، وجد الحزبان نفسيهما مضطرين للتحالف لتشكيل حكومة ائتلاف.
وذكر الموقع أن حضور الإسلاميين في الحكومة يبقى رمزيا، من خلال وزير واحد وثلاثة كتاب دولة، رغم أن العلاقات في البرلمان تبدو أكثر توازنا، حيث إن عبد الفتاح مورو الذي شارك في تأسيس حركة النهضة؛ يحتل منصب نائب رئيس البرلمان.
وذكر التقرير أن التحالف بين حزب نداء تونس وحركة النهضة كان له تأثير سلبي على قواعد نداء تونس، الذين التفوا حول حزبهم في الانتخابات الماضية تحت شعار "التصويت المفيد". لكن الذي يقصدون به هو التصويت لإقصاء حركة النهضة من المشهد السياسي، ولذلك يتملكهم الآن شعور بأن قادتهم غدروا بهم، وأقاموا تحالفا ضد مجرى الطبيعة بحسب رأيهم، خاصة وأن قيادات الحزب كانوا طيلة الحملة الانتخابية يؤكدون على استحالة التحالف بين الحزبين.
ولاحظ التقرير أن أنصار حركة النهضة في المقابل؛ يبدون أكثر التزاما بقرارات الحزب، على عكس أنصار نداء تونس الذين يعبرون على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأماكن العامة عن معارضتهم الشديدة لهذا التحالف بكل وضوح.
واعتبر التقرير أن مشاركة حركة النهضة في حكومة الحبيب الصيد، التي أثارت جدلا نسبيا داخليا خاصة وأن الإسلاميين اضطروا للاكتفاء ببعض الحقائب الحكومية، كانت تهدف بحسب إستراتيجية زعيم الحزب إلى تأكيد مركزية حركة النهضة في المشهد السياسي التونسي، وإلى إفشال جهود اليسار المتطرف في تونس، المتمثل خاصة في ائتلاف الجبهة الشعبية الذي يسعى بكل الوسائل إلى إجبار نداء تونس على اتخاذ موقف معاد للإسلاميين، ولكن الغنوشي نجح من خلال إستراتيجيته في القيام بعكس ذلك، من خلال تسببه في إحداث قطيعة بين اليساريين والعلمانيين.
وأكد التقرير أن الغنوشي لم يفوت أي فرصة لإثبات دعمه للحكومة، حيث قام على سبيل المثال بالسعي لتهدئة الأمور في الجنوب التونسي أثناء حملة "وينو البترول"، التي تهدف إلى فتح ملف ثروات البلاد، والتي دعمها أنصار الرئيس السابق منصف المرزوقي.
وصوت نواب حركة النهضة بلا تحفظ لصالح قانون مكافحة الإرهاب، الذي تم جلبه من الرف بعد الهجمات الإرهابية في سوسة في 26 حزيران/ يونيو 2015. وساندت حركة النهضة أيضا مشروع المصالحة الاقتصادية، الذي انتقده اليسار والمجتمع المدني في تونس.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن مسؤول مقرب من السبسي قوله: "على عكس ما يرويه البعض، لم تكن هناك شروط مسبقة في البرنامج الحكومي والنموذج المجتمعي الذي سيتم العمل عليه".
وذكر التقرير أن هذا "الزواج" المستغرب بين الحزبين مثّل فرصة لإنجاح الانتقال الديمقراطي، ولكنه يمثل اليوم عبئا كبيرا على الحكومة، حيث إن النهضة تكتفي بالدفاع عن أفكارها ولا تقوم بمعارضة مشاريع القوانين الجديدة، و المشكلة الأساسية هي الجمود السياسي وفشل الحكومة في تحقيق إنجازات واضحة.
وذكر التقرير أن الرئيس السبسي، الذي أصبح في موقف ضعف بسبب تعدد الهجمات الإرهابية، على غرار عمليات باردو وسوسة، وجد نفسه في موقف محرج؛ لأنه كان يلوم حركة النهضة ويتهمها بالفشل، ويتعهد في حال انتخابه بالقضاء على هذه الظاهرة، ولذلك أصبح يرى أن تقربه من الإسلاميين يمثل طوق نجاة بالنسبة له؛ لأنه أصبح مهددا بسبب الخلافات الداخلية في حزبه، وهو يعتقد أن بقاءه على قيد الحياة سياسيا مرتبط بحجم الدعم الذي يوفره له زعيم الإسلاميين راشد الغنوشي.
وفي الختام، قال الموقع إن هذا التعايش الغريب بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس، يمثل سببا رئيسيا للحفاظ على الهدوء والاستقرار السياسي والمؤسساتي في البلاد، ولكنه في الوقت ذاته أصبح سببا للجمود في المشهد السياسي، بسبب غياب مبادرات جديدة وغياب أي تغيرات في أوضاع البلاد، فيما يبقى الشعب التونسي، الذي تعود على "العلاج بالصدمات"، في انتظار الحكومة المقبلة أو الانتخابات المقبلة لإحداث تغيير.