نشرت هافنجتون بوست، الناطقة بالفرنسية، مقالا حول تخلي الدول الغربية عن شعاراتها الحقوقية وقيمها الإنسانية، بمجرد توصل القوى الكبرى وطهران إلى اتفاق نووي، يفتح الباب أمام فرص اقتصادية مغرية في
إيران.
وقال كاتب المقال جون بيار ميشال، وهو قانوني وبرلماني فرنسي سابق، إنه منذ توقيع الاتفاق
النووي في 14 تموز/ يوليو الماضي، بدأت الطبقة السياسية في الدول الغربية في التساؤل حول المكاسب المادية التي يمكنها الخروج بها من السوق الإيرانية؛ حيث إن
المصالح الاقتصادية، مثل تقاسم النفط الإيراني، وغزو السوق الضخمة التي تمثل 80 مليون مستهلك، تمثل أولى أولويات صناع القرار في الدول الغربية.
وأشار المقال الذي ترجمته "
عربي21"؛ إلى أن الغرب يحاول التغاضي عن مسألة أخرى، رغم أنها غاية في الأهمية، وهي أهمية قيام النظام الحاكم في إيران بخطوات إيجابية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، في هذا البلد الذي يملك أسوأ السجلات من حيث انتهاكات حقوق الإنسان وأحكام الإعدام.
وذكر التقرير أن حوالي 130 رجل أعمال ومسؤولا تجاريا فرنسيا؛ هرولوا في أيلول/ سبتمبر الماضي نحو إيران، لتحقيق هدف واحد، هو الاستفادة من الانفتاح الاقتصادي الذي سيلي رفع
العقوبات عن إيران، إذا ما احترمت التزاماتها النووية، وهو ما يرجح أن يحدث بداية من الثلاثي الأول من سنة 2016.
وذكر المقال أن الشركات الغربية تطمح إلى تحقيق الاستفادة القصوى من إيران، التي تعاني من بنية تحتية قديمة ومتهالكة، خاصة الطرق والسكك الحديدية والمطارات، وتعاني أيضا من قِدم منشآت استخراج الطاقة، لكنها تتميز بسوق استهلاكية كبيرة، خاصة في مجال المواد الغذائية.
واعتبر الكاتب أن الإيرانيين يطمحون فعلا للخروج من أزمتهم الاقتصادية، وتجاوز انهيار مقدرتهم الشرائية بسبب نسب التضخم القياسية وارتفاع معدلات البطالة، ولكن المشكلة هي أن المستفيدين من هذا الاتفاق النووي لن يكونوا من المواطنين البسطاء.
فالنظام الإيراني يعاني من فشل هيكلي واقتصادي كبير، في حين أن معاناة الشعب ليست فقط بسبب العقوبات، وهذا ما عبر عنه مسؤول إيراني كبير مؤخرا، من خلال قوله إن "تأثير العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الإيراني لم يكن كبيرا، وبالتالي فإن رفع العقوبات لن يؤدي إلى انتعاشة اقتصادية سريعة".
ورأى الكاتب أن هذه التصريحات تؤكد أن المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني ليست العقوبات، بل هي نظام الحكم، وخاصة مؤسسة الحرس الثوري التي تمثل الذراع المسلح والإيديولوجي للنظام الحاكم، والتي تفرض سيطرتها على كل الجوانب الأمنية والاقتصادية في البلاد.
ونقل المقال عن تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء؛ أن مؤسسة الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات التابعة لمرشد الثورة الإيرانية، تسيطر على أكثر من 50 في المئة من الناتج القومي الخام، أي حوالي 400 مليار دولار.
وأضح الكاتب أن الأجندات والتوجهات التي يحددها مرشد الثورة لا تتناسب بالضرورة مع مصالح الشعب الإيراني، حيث إن أغلب الثروات الإيرانية تصرف على الآلة العسكرية، وخاصة على جهاز الحرس الثوري الذي يضطلع بمهام قمع الشعب الإيراني وتنفيذ المخططات التوسعية لإيران في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن الحل الوحيد الآن لإيجاد متنفس للمواطن الإيراني، ولتحسين الوضع الاقتصادي، هو وقف إهدار الأموال التي تصرف على النوايا التوسعية والعدائية للنظام الإيراني.
وأكد المقال أن الطبقة الديمقراطية والمعارضة في إيران ناشدت المجتمع الدولي لربط علاقاته مع إيران بمدى احترامها لحقوق الإنسان والانفتاح السياسي في البلاد، من خلال وضع حد لسطوة مؤسسة المرشد الأعلى للثورة، وإنهاء سيطرة الحرس الثوري على شؤون البلاد، وإقامة انتخابات حقيقية تحت مظلة الأمم المتحدة، بهدف تطوير الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
وأشار إلى موقف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي عبر الشهر الماضي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقه من أوضاع حقوق الإنسان في إيران، حيث انتقد "تجاهل الحكومة الإيرانية لأكثر من 40 مذكرة ومراسلة تحثها على إلغاء عقوبة الإعدام".
وأشار الكاتب إلى تواصل عمليات إعدام الأطفال والقاصرين، حيث عبر بان كي مون عن حزنه الشديد لإعدام شابين بسبب أخطاء اقترفوها عندما كانوا قصرا.
وذكر المقال بأن الملايين من المواطنين الإيرانيين الشجعان، الذين خرجوا في سنة 2009 للتصدي للنظام الديني، ولإرساء نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد، أثاروا إعجاب العالم، ولذلك فإن الطموح لتحقيق الحرية وحقوق الإنسان لا يزال قويا في صفوف الشعب الإيراني، وما على الدول الغربية إلا الوقوف إلى جانبه.
وأضاف أنه من حق هذا الشعب الإيراني أن يطلب من بقية دول العالم أن تربط انفتاحها الدبلوماسي على إيران بإصلاحات سياسية في داخل البلاد، خاصة وأن الوعود الزائفة التي يطلقها الرئيس حسن روحاني لم تعد تجدي نفعا، وسط توقعات باندلاع تحركات احتجاجية جديدة، خلال الاستحقاق الانتخابي القادم، في 26 شباط/ فبراير 2016.
وفي الختام، طالب التقرير الدول الغربية بإفهام الملالي الذي يحكمون إيران بأنه دون إيقاف فوري لانتهاكات حقوق الإنسان، فإن النظام الاقتصادي في البلاد سيبقى يعاني من الهشاشة وانعدام التوازن، وبالتالي فإنه من مصلحة الجميع ربط علاقة إيران بالدول الغربية بأوضاع الحقوق والحريات في داخل البلاد.