قال الكاتب مايكل غيرسون إنه لا يجب على المسيحيين إهمال معاناة الاجئين السوريين، وأضاف أنه يتوجب على المسيحية "القيام بإعادة تقييم نفسها"، وتساءل "هل الديانة المسيحية هي مجرد غطاء للقبلية؟ أم أنها ستظهر روحها في خدمة اللاجئين من ديانة أخرى، والذين لم يفعلوا شيئا لاستحقاق ما حصل لهم؟".
وأوضح أن العاصمة
اللبنانية بيروت تعيش "مثل فقاعة على سطح هدنة مسلحة بين الطوائف الدينية:
المسيحيون والشيعة والسنة، وكل طائفة يحميها ما يعادل من ناحية وظيفية عائلات المافيا من حيث توفير الأمن والوظائف والخدمات وتقاسم المناصب الرسمية.
وأضاف في مقال على صحيفة "
واشنطن بوست" أن المدينة تعرف تتعددا للولاءات بحسب المناطق، وأوضح أن المطار "يقع في منطقة تحت سيطرة حزب الله، وعند تجوالك بالسيارة في بيروت تعرف لمن الولاءات من الدعايات المعلقة على أعمدة الكهرباء؛ حيث تعلق صور نصر الله في المناطق الشيعية، بينما تعلق في المناطق السنية صور رفيق الحريري الذي تم اغتياله، وبعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين يعلقون صورا لحماس وغيرها لفتح بما في ذلك صور عرفات الذي توفي منذ سنوات. ويستخدم الكاتب عبارات الأمريكي فرانسيس سكوت فتزجيرالد لوصف الصورة؛ إذ يقول: "وقد بهتت عيناه قليلا بسبب مرور الأيام دون تجديد الدهان.. تحت الشمس والماء يقتات عليها فوق مكب النفايات المهيب".
وبين الكاتب أنه باستثناء "تفجر سيارة مفخخة أحيانا واجتياح إسرائيلي أحيانا أخرى فإن الأمور على ما يرام لحد الآن"، واستدرك أن "كل اللبنانيين الكبار يتذكرون الحرب الأهلية الطائفية. وذكرت لي لبنانية مسيحية تعمل في الإغاثة كيف كانت تختبيئ مع عائلات أخرى في ملجأ لتجنب الهجمات الصاروخية، وكيف كانت أمها تشغل الأطفال بالعد لدى سماع صوت الصاروخ– واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة.. وبعدها يصفقون عند سماع سقوطه دون أن يضربهم".
ويرى الكاتب أن الدين يلعب دورا سلبيا في السياسية اللبنانية، إذ "أصبح في هذه الحالة غطاء للقبلية ومصدرا للعنف المتحمس، فالتسامح الحقيقي في الرأي الغربي الحديث يحتاج إلى العلمنة".
ونقل الكاتب عن بعض المسلمين اللبنانيين قولهم "إن الناس ليسوا متدينين كفاية، فلو فهموا تعاليم دينهم الأساسية - بخصوص كرامة الإنسان والرحمة الإلهية – بدلا من الاستشهاد ببعض النصوص الملتبسة من كتب قديمة، فسيقاومون استخدام الدين لأجل تحقيق أهداف سياسية مستخدمين العنف، وأحسن رد على المعتقدات الفاسدة، من وجهة النظر هذه، يكون بالمعتقدات الصحيحة".
وأضاف مقال "واشنطن بوست" أن هذه النظرية تخضع للتجربة العملية بين تقليدين عظيمين في أحداث الشرق الأوسط.
الأول هو الإسلام السني (تقليد معظم العالم الإسلامي). إذ اضطر صعود تنظيم الدولة المسلمين السنة أن ينظروا إلى أنفسهم في المرآة. فهل الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي امتداد منطقي لآرائهم؟ وكيف يمكن أن يستقيم الأمر عندما يكون معظم اللاجئين من سوريا هم من السنة؟.
وكثير منهم فارون من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة؟ وقال لي أحد اللاجئين السوريين: "رحب الناس بتنظيم الدولة عندما جاء، ولكن بدأ بعدها القطع والجلد في الساحات العامة".
وكشف الكاتب أن دعاية تنظيم الدولة تجد جاذبية في سوريا والعراق بين آلاف المجندين من أنحاء العالم. و"هذا أمر له علاقة بشكل أو بآخر بالحنين إلى الخلافة بالإضافة إلى توجهات معتقدية داخل السلفية والإيمان بالقيامة والآخرة".
وأضاف قائلا: "أنا لست مؤهلا لكي أحكم على القضايا العقيدية موضوع النقاش، ولكن السلطات السنية في أنحاء العالم – من مفتين وأئمة ووجهاء– ارتأوا أنه من السخافة المساواة بين دينهم وحركة إرهابية شمولية تعد بقتل وتشريد الشيعة، والسنة المتصوفة وتختزل التعددية الثقافية الإسلامية في نسخة عربية ضيقة. وبدأ الإحراج السني من تنظيم الدولة بإنتاج رفض قوي للأسس العقائدية التي بني عليها وخاصة طبيعة الجهاد وطبيعة الخلافة وقد تكون هذه مرحلة مهمة من التأمل الذاتي السني".
وبالنسبة للتقليد الثاني، يقول الكاتب، إنه يتوجب على المسيحية الأمريكية "القيام بإعادة تقييم نفسها، فأكبر مأساة إنسانية في عصرنا – أنتجت 4 ملايين لاجئ سوري إضافة إلى 7.6 مليون نازحا داخليا – أصابت المسلمين بالدرجة الأولى"، مقابل ذلك تراجعت التبرعات الأمريكية للقضايا الدولية على مدى العامين المنصرمين. وبعض المرشحين الرئاسيين في الحزب الجمهوري لا يبدون أي مبالاة تجاه معاناة اللاجئين وانضم إليهم حتى بعض القيادات الإنجيلية".
وللتجاوب مع أزمة الإيدز، يقول الكاتب "كان على المسيحيين الأمريكان تجاوز الاعتقاد بأن من يصاب بالمرض هو مستحق لذلك. وللاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين على المسيحيين تجاوز عدم ارتياحهم للإسلام واعتقادهم بأن الصراع بين المسلمين لا يهمهم".
وختم الكاتب مقاله بسؤال مفتوح: "هل الديانة المسيحية هي مجرد غطاء للقبلية؟ أم أنها ستظهر روحها في خدمة اللاجئين من ديانة أخرى والذين لم يفعلوا شيئا لاستحقاق ما حصل لهم؟".