مقالات مختارة

"أبو علي" بوتين.. الرفاق حائرون و"يسحجون"

بسام بدارين
1300x600
1300x600
كتب بسام البدارين: لا جديد في مشهد الدول الكبرى التي تسرح وتمرح في منطقتنا العربية.

ولا جديد يمكن الاحتفال به في حالة الضعف والتخاذل والهوان التي يعيشها النظام الرسمي العربي وهو يسمح بسبب ثنائية الفساد والاستبداد لكل من هب ودب من الفيلة والدببة بتخريب الكرم الوطني والقومي.

شخصيا لا يزعجني الوجود العسكري الروسي في المنطقة بقدر ما تزعجني مظاهر الفرح والحبور والسرور والتصفيق المخلوط بالتسحيج الناتجة عن ما يسمى ببقايا اليسار العربي وغير اليسار، وكأن الرئيس فلاديمير بوتين حضر إلى المنطقة لإعادة كرامتها، أو تجاوبا مع هؤلاء المصفقين المهرجين.

روسيا مثل أي لاعب دولي كبير لديها مصالح مباشرة وأساسية لا أعتقد بأن أولوياتها هي تحرير الشعب السوري الشقيق الطيب من نير احتلال النظام الغاشم، أو القوى الظلامية السفاحة التي تدوس كل قيم الحياة الجميلة باسم الإسلام والمسلمين.

لدى بوتين أو العم "أبو علي" كما يسميه نشطاء اليسار في المنطقة، أسبابه الخاصة بالتأكيد، ولكن لن يكون بينها تحرير المسجد الأقصى أو إعادة التوازن الدولي، أو التخفيف من غلواء إسرائيل والمشروع الصهيوني.

وبالتأكيد لن يكون من بين أسبابه الأساسية إنصاف المواطن العربي الغلبان وترويج الديمقراطية والعدالة على غرار تلك التي جلبها الإيرانيون للعراق واليمن.

وليس من أسباب العم بوتين أو "أبو علي بوتين" بصورة مرجحة مغادرة الأرض السورية بعد تنظيفها من الإرهاب، وبالتأكيد ليس من مبرراته الحرص على إنصاف اليسار العربي التائه بعد أفول نجمه، ولا إحياء القومية العربية.

ثمة نفط وغاز وموانئ على المتوسط وبقعة جيوسياسية استراتيجية أكثر من أي شيء آخر بالنسبة لأبي علي بوتين، وثمة مصالح لها علاقة مرة بعصابات المافيا ومرة بتنافس شركات صناعة الأسلحة والذخيرة، أقرب من أي واحدة من تلك المسوغات والمبررات التي يصفق لها البسطاء والبلهاء والسفهاء، وهم يعتقدون بأن الجزمة الروسية العسكرية تحضر لإنصافهم أو حتى لتخليصهم من الإرهاب.

لا تستطيع موسكو تأمين قواعدها العسكرية الجديدة ولا خطوط نقل الغاز دون تنظيف الأرض السورية من كل المظاهر المسلحة، سواء كانت ترتدي ثوبا وطنيا مثل الجيش السوري الحر أو عمامة مغرقة في السواد والظلام، مثل عمامة الخلافة التي تخدم مع نظام الممانعة المضلل، بالنتيجة دولة الخرافة في إسرائيل.

بكل الأحوال سوريا التي نعرفها، خرجت من التاريخ ولم تعد قائمة وثلثا الأرض الآن ستخضع لحكم البسطار الروسي، وما دامت رؤوسنا نحن نخب وقيادات وأنظمة وشعوب هذه المنطقة اعتادت على بساطير المستعمر، فلا ضرر ولا ضرار من بسطار الأخ "أبو علي"، بشرط واحد هو أن نمتنع عن التصفيق والتهليل والتزمير، وعن الاعتقاد الساذج بأن موسكو تحضر جيشها لجوارنا إنصافا لنا، أو لتبني قضايانا، أو حتى لمكافحة الإرهاب، فالمجموعات الإرهابية كانت ولا زالت ليس أكثر من وظيفة يستعملها الجميع.

على هذا الأساس يمكن قراءة ذلك المشهد الذي يسترخي فيه بسطار المقاول الروسي الانتهازي، بعدما حصل على عطاء تلزيم بإعادة إنتاج المشهد في سوريا التي ذهبت.

المقاول قد ينجح بالمهمة، وقد يعيقه من منحه العطاء أصلا، لكن النار الموقدة في كل الأحوال سيدفع ثمنها المواطن السوري المسكين الغلبان على أمره، ومن بعده بطبيعة الحال الكرامة العربية.

أثق تماما بالنظرية التي تتحدث عن ترتيبات لسايكس ـ بيكو في المنطقة، ولكن على أساس طائفي هذه المرة، فإيران التي لا يشكل سكانها أكثر من 10? من سكان المنطقة تتنمر على الجميع، وتحاول إحياء أحلامها الفارسية الطائفية، وتفسد في كل أرض ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

وأهل السنة علقوا بين ثلاث زوايا في المشهد، تبدأ بمجانين التطرف والتشدد الذين لا يمكنهم أن يخدموا الإسلام والمسلمين، وتنتهي بالإسلام المعتدل السلبي الذي ثبت أنه لا يملك برنامجا حقيقيا للإدارة والحكم، وتمر بأنظمة رسمية وحكومات يحكمها قانون ثنائية الفساد والاستبداد.

وسط هذا الخراب المنقوع لا جديد في الحضور الروسي سوى العودة مجددا لجذور التقاسم الوظيفي الدوري للمنطقة ومصالحها وشعوبها وثرواتها، فكل عابر سبيل من الدول الكبرى سيحصل على حصته منا جميعا.

المنهجية هي نفسها، وإن تبدلت الأسماء، فبدلا من بريطاني وفرنسي هما سايكس وبيكو يمكننا القول بضمير مرتاح الآن بأن أمريكي وروسي هما لافروف وكيري يديران بصورة مباشرة، وعن بعد، عطاءات التقسيم الجديد، فيما تصفق بقايا اليسار.

من هنا، أعجبتني فكرة مفكر سياسي وحيد في بلادي هو عدنان أبو عودة، وهو يطالبنا نحن ممثلي الأجيال الشابة بالاستفسار عن ما فعله النظام الرسمي العربي طوال مئة عام من أيام سايكس وبيكو إلى العصر الجديد برعاية لافروف وكيري.

يسأل أبو عودة، ونسأل معه، عن سر خنوع الشعوب وبلادة الحكومات على أساس مفارقة تشير إلى أن العقل العربي لا يتعلم، ولا يريد أن يتعلم، فما بين سايكس بيكو وعطاء لافروف كيري مئة عام بينها سبعون عاما، كان العرب يتحكمون فيها بعنصر القوة الأبرز في الكون وهو النفط.

وهي مئة عام من العزلة تماما، ترقص فيها الآن عظام سايكس وبيكو، فيما يستعد العجوزان لافروف وكيري لقبرهما، بعد أن أعادا تقسيم المقسم، فيما تدفقت زعاماتنا نحن العرب لالتقاط ما تيسر من الفتات والبقايا.

(عن صحيفة القدس العربي اللندنية، 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)
التعليقات (1)
فراس
الأربعاء، 14-10-2015 09:59 ص
من يقراء كلامك يعتقد أن التهليل والتسحيج والتكريم الذي لقية بوش الاب وبوش الابن قدم لهما كونهما حررا الأقصى او أوقفا العدوان الصهيوني , او أقاما الديمقراطية بالانظمة الاعرابية المطبلة لهم , او كان القواعد الامريكية لم تكن منطلقا لدعم القوات الصهيونية بل كانت جامعات ومعاهد أبحاث علمية , لا اعترض على هجومك على روسيا ولكن كان الواجب أن تهاجم أيضا العملاء الذين رحبوا وسحجوا لامريكا وفرنسا والصهاينة حماية لعروش دكتاتوريات قائمة على العمالة وأدعاء الاسلام