قضى الصحفي البريطاني
بيتر أوبورن أسبوعين في مدينة
دمشق تحت رعاية وزارة الإعلام التابعة لنظام بشار
الأسد، وكتب بعدها تقريرا لموقع "ميدل إيست آي"، قال فيه إن دمشق تعيش تحت الحصار.
ونوّه أوبورن في بداية تقريره إلى أنه لا يمثل الصورة الكاملة لما يحدث في
سوريا، لأنه لم يستطيع العبور إلى المناطق التابعة للمعارضة.
وقال الكاتب البريطاني المعروف في مقاله الطويل، إن دمشق لا يوجد فيها الآن سوى ثلاثة ممرات آمنة، لمن يريد من سكانها الخروج منها، مضيفا أن أحد هذه الممرات هو طريق يخضع لحراسة مشددة ويؤدي إلى بيروت، وآخر يؤدي إلى المطار جنوبا، والثالث هو الطريق إلى حمص شمالا.
وأشار أوبورن إلى أن الشوارع في دمشق تقسم إلى نوعين: إحداها تظهر بها معالم الحياة الطبيعية، والأخرى هي عالم آخر من أكياس الرمال والمسلحين والمخابئ.
وتحرك الصحفي في دمشق بمرافقة أعضاء من قوات الدفاع الوطني، وقام بزيارة منطقة القدم في جنوب غرب دمشق، وفي أثناء تحركه والوفد المرافق له داخل سيارة، كانوا يخفضون رؤوسهم كي يتجنبوا إطلاق النار القادم من ناحية قوات تنظيم الدولة المتمركزة على بعد 270 مترا فقط من مخيم اليرموك، الذي تعرض لحصار وحشي من نظام الأسد قبل أن يقع معظمه تحت سيطرة التنظيم.
ووصف أوبورن الأوضاع المعيشية القاسية التي يمر بها سكان دمشق، فعلى سبيل ذلك؛ لا يصعد السكان إلى الطوابق العليا خوفا من التعرض للقصف، ويقول إن "كل دمشقي يعلم بأنه قد يتعرض لإطلاق النار في أي لحظة".
وقال أوبورن إن هذه هي الزيارة الثانية له لدمشق خلال 18 شهرا، وفي هذه الزيارة "أصبحت الحياة في المدينة أشد قسوة وخطورة، فالناس في قلق دائم من الصراع، ويعانون من نقص ضروريات الحياة، ومن الخطر المحيط بهم، وهم لا يرون نهاية للحرب، فهم يشعرون بالعزلة وأن العالم قد تخلى عنهم".
وعندما وصل الصحفي إلى المدينة منذ ثلاثة أسابيع، نصحه الصحفيون بالإقامة في فندق الفورسيزونز في وسط المدينة، وهو في منطقة تدعى "المنطقة الخضراء" حيث يمكث موظفو الأمم المتحدة والصحفيون، ولكن تكاليف الإقامة في الفندق 500 دولار في الليلة الواحدة، وهو مبلغ مرتفع بالنسبة له، ما دفعه للتوجه إلى فندق آخر يدعى "دار الياسمين" الذي كان يعج بالسياح قبل الأزمة، ولكنه الآن شبه فارغ، لا يوجد به طعام ولا شراب ولا مياه جارية، ولا يوجد به تيار كهربائي أغلب الوقت، فاضطر أوبورن لاستخدام هاتفه الجوال للإضاءة ليلا، لأن "الشوارع مظلمة خلال ساعات الليل ما يدفع الناس لاستخدام الكشافات في أثناء التجول في المدينة، التي يبدو كأنها عادت إلى العصور الوسطى".
وقال إنه عايش ما يمر به المواطن الدمشقي العادي، وبالإضافة إلى نقص المياه والكهرباء تبدو قذائف الهاون هي المشكلة الأبرز. ولكن المواطنين يتجاهلونها.
وأضاف أوبورن أنه لا توجد منطقة سالمة من قذائف الهاون، ولكن القليل منها يصل إلى وسط المدينة. وتسقط القذائف على الجميع من سنة وعلويين ومسيحيين. فعلى سبيل المثال تعرض المسجد الأموي في البلدة القديمة للقصف مرات عديدة، آخرها عندما سقطت قذيفة في الساحة الأمامية ما أودى بحياة اثنين من العاملين في المسجد.
وقال أوبورن إن القذائف تسقط بشكل متسلسل، وقد نصحه البعض بأن يختبئ إذا سقطت قذيفة بالقرب منه، حيث من المعتاد أن تسقط قذيفة بعد أخرى. ويعلق قائلا: "هم يهدفون إلى تدمير المعنويات وإجبار الدمشقيين على ترك المدينة".
الفصائل المعارضة في دمشق
وأضاف أوبورن أن هناك الكثير من الفصائل المعارضة تحارب ضد بشار الأسد، وفي دمشق تنقسم تلك الفصائل إلى مجموعتين: الأولى هي تلك التي تريد عزل بشار والإبقاء على الدولة السورية كما هي، والثانية هي تلك التي تريد استبدال بشار بنظام إسلامي.
والمجموعة الأولى "يمثلها الجيش السوري الحر الذي شكله ضباط منشقون عن الجيش السوري وتلقى دعما غربيا".
وقال أوبورن إن الجيش الحر تلقى ضربات مدوية من التيارات الجهادية المعادية للدولة العلمانية.
وأضاف أن صعود "تنظيم الدولة" في سوريا أدى إلى توحد بعض فصائل المعارضة والفصائل الموالية للحكومة، ففي حوار مع أحد مقاتلي الجيش الحر ويدعى عبد الله، قال إن الكثير من المقاتلين انضموا مجددا للقوات التابعة لبشار، بعدما شعروا أن العدو الحقيقي هو تنظيم الدولة، بحسب ما أورده أوبورن.
ونقل أوبورن عن مقاتلين في الجيش الحر قولهم إن تنظيم الدولة يستقطب المقاتلين من خلال الأموال، حيث تدفع 250 دولارا للفرد الواحد مقابل 20 دولارا فقط يدفعها الجيش الحر.
وألقي الكاتب الضوء على الأوضاع المعيشية في سوريا الآن، مشيرا إلى تقليص رواتب الأطباء مثلا من 600 دولار في الشهر إلى 150 دولارا فقط، فيما هبطت قيمة العملة السورية إلى 20 بالمائة فقط من قيمتها منذ خمس سنوات، ولازالت في هبوط متواصل.
وأضاف الكاتب أن استمرار الليرة السورية بالانخفاض بالمعدل ذاته لمدة عام آخر سوف يجعل قيمتها تصل إلى واحد على 1300 مقابل الدولار، ما يعني أن راتب الطبيب سوف يهبط إلى 25 دولارا في الشهر.
وعلّق الكاتب قائلا إنه "من الصعب تصور كيف سيعيش المواطن الدمشقي في تلك الأوضاع"، حيث يتوازى ذلك مع ارتفاع مطرد في الأسعار مثل ارتفاع سعر زجاجة المياه من 15 ليرة إلى 150 وكيلو الطماطم من 15 إلى 200، والكراسات المدرسية من 100 إلى 500 ليرة.
ولكن أغلى شيء على الإطلاق هو أسعار المنازل، حيث تبلغ قيمة الإيجار 70 ألف ليرة، وهو ما يزيد عن ضعف متوسط دخل موظفي الحكومة، وفق أوبورن.