ناقش "
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" الانتخابات التركية المقبلة، في ظل الظروف التي تمر بها البلاد من محاربة للأكراد، وتراجع في الليرة التركية، واستقطاب سياسي حاد.
وفي ورقة تحليل سياسات، قال مدير برنامج الأبحاث التركية بالمعهد سونر جاغابتاي إن "
حزب العدالة والتنمية قد لا يحقق الكثير من المكاسب، وفق استطلاعات الرأي الأخيرة"، مشيرا إلى أن ذلك يرجع للقتال ضد "حزب العمال الكردستاني" والتراجع الحاد لليرة التركية.
وأوضح جاغابتاي أن استطلاعات الرأي أظهرت تأييدا بنسبة تتراوح بين 40 و41 بالمئة لـ"حزب العدالة والتنمية" الحاكم، بما يتطابق مع نتائج الانتخابات الأخيرة التي تراجعت بها نتائج الحزب عن السنوات السابقة.
وفي الانتخابات الأخيرة في 7 حزيران/ يونيو، حصل "العدالة والتنمية" على 258 صوتا، أي أقل بـ18 صوتا من 276 صوت، وهو عدد الأصوات الضروري لتشكيل حكومة من حزب واحد، ما أجبر الحزب على الدخول في محادثات لتشكيل حكومة ائتلافية مع "حزب الشعب الجمهوري" المعارض، و"حزب الحركة القومي"، إلا أنها فشلت بتشكيل اتفاق لتقاسم السلطة، ما أدى للدعوة لانتخابات مبكرة.
وأشار الباحث إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعول في الانتخابات الحالية على اختيار زعيم قوي، لتردي الاقتصاد وتراجع الأمن الداخلي، معتبرا أن ذلك "يحول النزعة الاستبدادية لأردوغان لنقطة إيجابية تصب في مصلحته"، بحسب تعبيره.
أردوغان مقابل الـ13 بالمئة
وأوضح جاغاباتاي أن أردوغان يستهدف في حملته الانتخابية التقدم على "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي الذي حصل على 13 بالمئة في الانتخابات الأخيرة، واستطاع دخول البرلمان للمرة الأولى.
واعتُبرت انتخابات حزيران/ يونيو من عدة نواح، بحسب الباحث، بمثابة مواجهة بين أردوغان وصلاح الدين دمرتاش؛ الزعيم الكاريزمي لـ"حزب ديمقراطية الشعوب"؛ فمنذ "الانتخابات لم ينفك الرئيس التركي عن استهداف "حزب ديمقراطية الشعوب" وزعيمه، وغالبا ما كان يطلق على أعضائه تسمية "داعمي الإرهاب"، في إشارة إلى علاقة الحزب بـ"حزب العمال الكردستاني"، الذي يخوض اشتباكات دامية مع الجيش التركي.
وقبل انتخابات حزيران/ يونيو بوقت طويل، برز دمرتاش من خلال اعتراضه على رغبة أردوغان بتحويل النظام السياسي في البلاد إلى نظام يرتكز على الرئاسة التنفيذية، معلنا ما يلي: "لن نسمح لك بأن تصبح رئيسا تنفيذيا". وقد أصبح هذا الإعلان بمثابة الصرخة الحاشدة لـ"حزب ديمقراطية الشعوب"، الأمر الذي ساهم في اجتذاب الناخبين اليساريين والناخبين العلويين ذوي الميول الليبرالية.
العنف والاقتصاد
وأشار الباحث إلى أن القتال بين "العمال الكردستاني" والحكومة التركية، الذي اندلع في 20 و22 تموز/ يوليو تصب في مصلحة أردوغان وحزب العدالة والتنمية، إذ إن ذلك ينتزع ناخبين من "حزب الحركة القومية"، بعد أن تأجج الشعور القومي التركي في هذا الصراع.
ومن جانب آخر، فإن هذا الصراع سيضر بـ"العدالة والتنمية" جنوب شرقي البلاد في مناطق
الأكراد، ويقوي "حزب ديمقراطية الشعوب"، من خلال تحالف الناخبين الأكراد معه، ربما يجعل الخسائر التي قد يتكبدها أردوغان تضاهي المكاسب التي يحققها، بحسب قوله.
أما من ناحية اقتصادية، بحسب الورقة، فإن تقلص الاستثمار الأجنبي منذ 2013، وتقلص الاستثمار في مشاريع البنى التحتية التي ترعاها الدولة، بفعل تراجع الاهتمام العالمي بالأسواق الناشئة في الدولة الرأسمالية التي أسسها "العدالة والتنمية" ، وبروز تساؤلات حول الاستقرار السياسي وبيئة الأعمال التركية، سيؤثر على الدعم المقدم لـ"العدالة والتنمية".
فوفقا لاستطلاع أجرته شركة الاستطلاعات التركية "متروبول" في حزيران/ يونيو، يعتقد 58 في المائة من الأتراك، أي ما يعادل تقريبا الأصوات التي حصلت عليها أحزاب المعارضة مجتمعة في ذلك الشهر ذاته، أن اقتصاد البلاد "يخضع لإدارة رديئة"، وقد ارتفعت هذه النسبة اليوم إلى 64.6 في المائة. وبالتالي، إذا لم تطرأ أي مفاجأة في اللحظة الأخيرة، فقد يشهد الدعم المقدم لـ"حزب العدالة والتنمية" ركودا أو حتى انحسارا في انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، ما يعكس آراء خائبة في الاقتصاد.
واعتبر الكاتب أنه "إذا أسفرت نتيجة التصويت في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر عن استمرار حالة الغموض السياسي في
تركيا، فإن البرلمان المعلق في أنقرة قد يؤدي إلى حدوث فراغ حكومي أو تشكيل حكومة تصريف أعمال أو حكومة ائتلافية هشة، وجميعها سيناريوهات تقود إلى شلل سياسي".
ولم يرجح الكاتب أن تتغير البيئة التركية التي تشهد استقطابا خطرا، وقد تشكل مصدرا محتملا لانعدام الاستقرار، في وقت تعتزم فيه واشنطن تكثيف أنشطتها في سوريا ضد تنظيم الدولة، معتبرا أن "افتقار حكومة ضعيفة في أنقرة للرأسمال السياسي الضروري لن تكون قادرة على دعم هذه المهمة بالكامل".