كتب المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف إيهود يعاري، تقريرا نشرته مجلة "فورين أفيرز"، حول الدور
الإيراني في
غزة والبديل عن حركة
حماس فيه.
ويقول الكاتب إن "حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا أغضبت إيران في أكثر من مرة، أولا، رفضت دعم الديكتاتور السوري، حليف طهران، وبعد ذلك استفزت إيران بإقامة علاقات مع تركيا، حيث نقلت بيروقراطييها من الضفة الغربية إلى إسطنبول.. وفي تموز/ يوليو الماضي، حاولت حركة حماس بناء علاقات مع عدوة إيران في المنطقة، السعودية، وسافر مسؤولوها إلى الرياض للقاء الملك سلمان".
ويشير التقرير إلى أن إيران ردت على تحدي حركة حماس بتخفيض التمويل، وقامت بمحاولات جادة لتقوية فصيل آخر في غزة. موضحا أنه منذ العام الماضي دعم الجناح الخارجي للحرس الثوري فيلق القدس، مدعوما من قسم العمليات الفلسطينية في حزب الله مجموعة اسمها "
الصابرين" في غزة.. وتحاول هذه المجموعة تقليد حزب الله والمليشيات الشيعية في العراق، مثل منظمة بدر المعروفة بمواقفها المعلنة والمؤيدة لإيران.. وتأمل إيران بأن تتحول هذه المجموعة إلى وكيل حقيقي لها في غزة.
وتذكر المجلة أن المجموعة الجديدة يقودها هشام سالم، وهو عضو سابق في حركة
الجهاد الإسلامي، وهي الجماعة التي كانت لها علاقات قوية مع إيران في الماضي.. وانشقت جماعة "الصابرين" عن حركة الجهاد بعد أن علقت إيران دعمها المالي لها لعدة شهور، لأنها التزمت الصمت تجاه القصف السعودي لليمن، وهو ما أغضب إيران.
ويلفت يعاري إلى أن سالم في الخمسينيات من عمره، وأنه كان من قيادات الوسط في حركة الجهاد الإسلامي.. ويعيش في بيت لاهيا وعائلته لاجئة من بلدة الحبارية الواقعة جنوب إسرائيل اليوم.. وقد اعتقل سالم في بداية التسعينيات عندما انضم لحركة الجهاد، واتهمته المخابرات الإسرائيلية بزرع عبوات متفجرة ضد قوات الجيش الإسرائيلي، وسجن مدة 20 شهرا.. وفي عام 2002 وضعته إسرائيل على قائمة المطلوبين، وقصفت بيته المكون من خمسة طوابق وقتلت والده.
ويورد التقرير أن سالم عانى من مضايقات السلطة الوطنية، التي سجنته في أيار/ مايو 1996 لعدة أسابيع، بعد أن خطط لعدة عمليات انتحارية في إسرائيل.. وفي عام 2011 اعتقله جهاز الأمن الداخلي التابع لحركة حماس من أجل ثنيه عن تحدي التهدئة بين الحركة وإسرائيل.
وتبين المجلة أنه بعد انشقاقه عن حركة الجهاد الإسلامي، أنشأ وأتباعه جمعية خيرية اسمها "الباقيات الصالحات". وأعلنوا في ربيع عام 2014 عن ولادة حركة "الصابرين".. ولا يعرف عدد أعضاء المجموعة أو النشاطات التي قامت بها، مشيرة إلى أن هناك إشاعات تتداول في الدوائر الإسلامية في غزة، مفادها أن سالم تلقى عشرة ملايين دولار من إيران، وقد تم تهريبها في حقائب عبر الأنفاق على الحدود مع غزة.
ويوضح الكاتب أن الحركة وزعت جزءا من المال على عائلات السجناء في السجون الإسرائيلية.. وأنفقت جزءا لا بأس به لإنتاج فيلم وثائقي لتخليد ذكرى أحد أعضائها، وهو مصعب الخير صالح سكافي، الذي قتل في العملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي في غزة في تموز/ يوليو 2014.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه تم اختيار اسم "الصابرين"؛ لربطه في أذهان الفلسطينيين مع شعار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، وهو الآية القرآنية "إن الله مع الصابرين"، لافتا إلى أن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث على الصبر، كما أن المذهب الشيعي يحتفي بالصبر.. وفي القرآن الكريم عادة ما يربط الصبر بالجهاد.
وتجد المجلة أنه نتيجة لهذا، فقد اتهم سالم وأتباعه بالتشيع، ولكنه كان حذرا في المقابلات التي وافق على إجرائها، وفيما ينشره على صفحته على "فيسبوك" وحسابه على "تويتر"، لتجنب الاتهام بالتحول إلى التشيع، مع أنه لم ينكر هذا علنا. مستدركة بأن هناك بعض الأدلة العرضية التي تشير لعلاقة "الصابرين" بالتشيع، مثل توزيع أدبيات شيعية، والحركة هي الأولى بين الحركات الفلسطينية التي تحيي ذكرى عاشوراء. وأعلن سالم قبل فترة أن الطريق للقدس يمر عبر كربلاء، التي استشهد فيها الإمام الحسين حفيد الرسول محمد.
وبحسب يعاري، فإن سالم يحيي ذكرى الثورة الإسلامية في إيران، ويثني دائما على الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ويقتبس سالم بشكل دائم من كلام وخطابات قادة الشيعة، حيث يصف إسرائيل بالشر المطلق الذي سيختفي. كما أن شعار "الصابرين"، هو بندقية تخرج من اسمها بالعربية ما يشبه شعار حزب الله.. وعلى خلاف حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتبن رفضتا شجب الحملة السعودية في اليمن، سارع سالم إلى الشجب، وكتب أتباعه بغزارة واستخفاف عن الحملة السعودية، ونشروا ما كتبوه على المواقع والصحف الإيرانية.
ويكشف التقرير عن أن حركة "الصابرين" مثل إيران، فقد تبنت شعارات معادية لأمريكا، حيث نشرت تصريحات كثيرة شجبت فيها السياسات الأمريكية في المنطقة.. وتصف الحركة الولايات المتحدة بأنها "المصدر لإرهاب الدولة العظمى"، وأن واشنطن تتبنى سياسة "هيمنة" ضد "المستضعفين في الأرض".. وانتقدت الحركة بشدة وضع عدد من ناشطي حزب الله على قائمة الإرهاب الأمريكية.
وتذهب المجلة إلى أنه بعيدا عن المنشورات الإعلامية والخطابات، فإن حركة "الصابرين" تواجه مصاعب لكي تتحول إلى لاعب مهم على الأرض في غزة، فالميول الشيعية الواضحة لديها منعت الكثيرين من الشباب من الانضمام لها.. وتقوم حركة حماس بالتضييق على حركة "الصابرين"، وتحد من حركة أعضائها، خاصة عندما يخططون لتنظيم تجمعات عامة، وتحظر نشر أي معلومات عنهم في الصحافة المحلية.
ويقول الكاتب إن حركة حماس تعي أن سالم جذب إليه الساخطين في حركة الجهاد الإسلامي، ولا تشعر بخيبة الأمل من رؤية منافستها تضعف. مبينا أنه في تموز/ يوليو، نشرت تقارير عن عزم حركة حماس منع نشاطات "الصابرين" في القطاع، لكن سالم سرعان ما نفاها. ويضيف يعاري أنه "من العدل القول إن حركة حماس تسامحت مع نشاطات الحركة، طالما لم تستفز السلفيين المتعاطفين مع تنظيم الدولة، الذين يعدون الشيعة أعداء. وطالما تجنب سالم تحدي حركة حماس، وامتنع عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وأبدى سالم حذرا من خرق هذا الخط الأحمر".
وينوه التقرير إلى أن نشاطات حركة "الصابرين" تقتصر في الوقت الحالي على تجميع أعداد صغيرة من الناشطين تحت ذراعها. ويقوم سالم ببناء تحالف مع رئيس كتائب المجاهدين عمرو أبو شريعة، ورئيس المقاومة الشعبية زكريا الدغمش. ويتعاون أيضا مع كتائب عبد القادر الحسيني وأبو الريش والأقصى وغيرها.. ويخطط لتجميع هذه الكتائب في مجلس عسكري يترأسه، وهو على ما يبدو يعد هذه المجموعات بتمويل إيراني مقابل ولائهم له.
وترى المجلة أنه على ما يبدو فإن داعمي سالم في بيروت وطهران يشعرون بخيبة الأمل من التقدم البطيء الذي يحققه سالم، فلا تزال حركة "الصابرين" غير معروفة، ولا تترك لقاءات سالم وتصريحاته انطباعا قويا على الرأي العام. ولكن وجود حركة مثل "الصابرين" يساعد إيران على إبقاء كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي على الطريق الذي تريده، وتستخدمها أداة تهديد لهما بأن لديها البديل.
ويخلص يعاري إلى أنه ينبغي على الولايات المتحدة مراقبة هذه المجموعة قبل أن تصبح قوية، وتحصل على موطئ قدم لها في غزة.