اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صادر عنها الأحد، نشرته على موقعها الإلكتروني واطلعت عليه "
عربي21"،
مليشيات شيعية بارتكاب
جرائم حرب عبر تدمير منازل أهل السنة في العديد من المناطق
العراقية، فضلا عن قيامهم بأعمال إعدام للسنة بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة خارج شرعية القانون.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها، إن "المليشيات المدعومة من الحكومة العراقية نفذت أعمال تدمير موسعة لبيوت ومتاجر في شتى أرجاء مدينة تكريت في شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل 2015، في خرق لقوانين الحرب. دمر عناصر من المليشيات عمدا مئات البنايات المدنية دون سبب عسكري ظاهر، بعد انسحاب تنظيم الدولة من المنطقة".
ونوه تقرير المنظمة الذي حمل عنوان "دمار بعد المعركة: انتهاكات المليشيات العراقية بعد استعادة تكريت"، الصادر في 60 صفحة، إلى أنه استعان بصور القمر الصناعي للتثبت من شهادات الشهود الذين أفادوا بالدمار اللاحق بالبيوت والمتاجر في تكريت، وفي بلدات البوعجيل والعلم والدور، الذي طال أحياء كاملة. وبعد فرار عناصر "داعش"، قامت كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق – وهما مليشيتان أغلب عناصرهما من
الشيعة ومواليتان للحكومة – باختطاف أكثر من 200 من السكان السنة، بينهم أطفال، وذلك على مقربة من الدور، جنوب تكريت. 160 شخصا على الأقل من هؤلاء المختطفين ما زالت مصائرهم مجهولة.
من جهته، قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش": "على السلطات العراقية ضبط ومساءلة المليشيات المارقة التي تدمّر بيوت السنة ومتاجرهم بعد دحر داعش. المليشيات المسيئة، وقادتها الذين يتمتعون بالإفلات من العقاب، تضعف الحملة ضد داعش وتعرّض المدنيين جميعا لخطر أكبر".
ونوه إلى أن قادة للمليشيات الشيعية تعهدوا قبيل الحملة، بالانتقام من مذبحة "داعش" في حزيران/ يونيو 2014 التي اشتملت على مقتل ما لا يقل عن 770 شيعيا مسلحا في معسكر "سبايكر"، على مقربة من تكريت. وفي مقاطع فيديو لهدم البيوت، يظهر مسلحو المليشيات الشيعية وهم يشتمون السكان السنة ويرددون شعارات شيعية.
وقال ستورك إن هذه المليشيات تنتمي إلى قوات الحشد الشعبي، التي تتكون من عشرات المليشيات الشيعية، والتي شكلتها الحكومة ردا على تقدم "داعش" السريع عبر أراضي محافظتي نينوى وصلاح الدين في حزيران/ يونيو 2014.
وأكد أن هذه المليشيات تتلقى رواتب وأسلحة حكومية، لكنها تصرّف شؤونها بتنسيق غير محكم فيما بينها ومع الجيش العراقي وقوات الأمن الأخرى. وفي 7 نيسان/ أبريل اعترفت الحكومة العراقية بقوات الحشد الشعبي كقوة أمن منفصلة تتبع رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وفي تقرير "هيومن رايتس ووتش" أكدت صور القمر الصناعي شهادات الشهود التي أفادت بأن الدمار اللاحق بالمباني وقع بالأساس بعد دحر القوات الموالية للحكومة لـ"داعش"، وبعد أن غادر الجيش العراقي المنطقة تاركا إياها تحت سيطرة المليشيات. وكان الدمار الذي ألحقته الضربات الجوية التي نفذتها الحكومة وتحالف بقيادة أمريكية، وكذا الضربات المدفعية والدمار الذي ألحقته "داعش" – خلال حكمها لفترة 9 أشهر قبيل آذار/ مارس– دمارا محدودا.
وأوضاح التقرير أن من الأمثلة، أنه عندما استعادت القوات العراقية والمليشيات الشيعية "الدور"، وهي بلدة يقطنها نحو 120 ألف نسمة على مسافة 20 كيلومترا جنوبي تكريت – ودون معركة كبرى، في 6 آذار/ مارس – على حد قول السكان لـ "هيومن رايتس ووتش"، فقد انسحب الجيش بعد يوم، تاركا البلدة في يد المليشيات. وفر جميع السكان تقريبا أثناء سيطرة "داعش" أو قبل استعادة القوات الحكومية للبلدة بقليل. وفي 8 آذار/ مارس بثت قناة الاتجاه مقاطع فيديو تظهر فيها كتائب حزب الله وهي تدخل البلدة وتفكك أجهزة متفجرة زرعها عناصر "داعش"، ويظهر في مقاطع الفيديو أيضا شارع الدور الرئيس وميدان ومواقع أخرى تظهر سليمة إلى حد بعيد.
واستدرك التقرير بالقول: "إلا أنه لدى عودة الشرطة المحلية للخدمة في مطلع نيسان/ أبريل، قام رجال الشرطة بإعداد قائمة من أكثر من 600 منزل ومتجر محترق ومتفجر. تُظهر صور القمر الصناعي الملتقطة في أيار/ مايو مساحات كبيرة من مناطق الدور السكنية وقد دُمرت تماما. وقال الشيخ مالك شهاب – وهو رجل أعمال بارز وشقيق عمدة الدور – لـ (هيومن رايتس ووتش) إن عضوا في قوات الحشد الشعبي قال متباهيا: أحرقنا الدور ودمرناها لأن أهلها دواعش وبعثيون".
وأضاف، أنه في 8 آذار/ مارس، استعادت المليشيات الشيعية ومقاتلون محليون متطوعون بلدة العلم، وهي على مسافة 12 كيلومترا شمال شرقي تكريت، ويقطنها نحو 60 ألف نسمة. وجمعت "هيومن رايتس ووتش" صورا فوتوغرافية وشهادات شهود عن 28 بناية أحرقت أو انفجرت بعد استعادة العلم. بعض هذا الدمار يظهر في صور القمر الصناعي، التي تُظهر 45 بناية دُمرت في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل من بعد استعادة المليشيات للعلم. ويتحمل مقاتلون سنة محليون ومتطوعون – كانوا يعارضون سيطرة "داعش" ويعملون تحت حماية مليشيات شيعية – مسؤولية الدمار اللاحق بالعلم.
وأكد أن معركة مدينة تكريت – وتقع المدينة على بعد 180 كيلومترا شمالي بغداد وكان يقطنها وقت السلم نحو 150 ألف نسمة – امتدت منذ مطلع آذار/ مارس إلى الأول من نيسان/ أبريل، عندما أعلن رئيس الوزراء العبادي الانتصار، رغم استمرار القتال المتفرق بعد ذلك. وقال بعض الأهالي لـ "هيومن رايتس ووتش" إن القتال الثقيل اقتصر إلى حد بعيد على حي القادسية شمال المدينة، حيث دُمرت مئات البيوت بعد دحر المليشيات لـ"داعش" وإخراج عناصره من المدينة.
واتهم التقرير المليشيات بأنها تورطت – في تكريت – في أعمال نهب موسعة. وأظهر محمد جاسم – وهو رجل أعمال يدير متجرا كبيرا للأجهزة الإلكترونية والمنزلية – لـ"هيومن رايتس ووتش" صورا لأعمال نهب المليشيات وحرقها لمتجره. في أحد مقاطع الفيديو، وتم تصويره في آذار/ مارس، تظهر شاحنة بيضاء أمام متجر جاسم، مع قيام رجال يرتدون ثيابا مموهة بتحميل الأجهزة في الشاحنة.
وقال شهود عيان إن المليشيات الشيعية نفذت أيضا عمليات قتل ميداني خارج نطاق القضاء في تكريت. وقال رجل شرطة محلي إنه عندما تفقد منطقة في حي القادسية في مطلع نيسان/ أبريل، رأى أكثر من عشرين مقاتلا من "داعش" يسلمون أنفسهم لكتائب بدر، وهي مليشيا شيعية أخرى، ومعها عناصر من عصائب أهل الحق، وذلك بعد أن نفدت منهم الذخيرة والطعام. وقال الشرطي إنه رأى عناصر المليشيات يعدمون بعض أسرى "داعش" في الشارع. وفي 3 نيسان/ أبريل تناقل مراسلو "رويترز" للأنباء في تكريت أنهم شهدوا على قيام رجال شرطة اتحادية بطعن شخص اشتبهوا في أنه من مقاتلي "داعش" حتى الموت.
وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إن "الولايات المتحدة وإيران بصفتهما أكبر الداعمين للجيش العراقي وقوات الأمن العراقية، عليهما إعلان رفض انتهاكات المليشيات وأن يعلنا بوضوح مسؤولية الحكومة عن وقف هذه الانتهاكات ومحاسبة الجناة، بغض النظر عن الرتبة. وعلى جميع البلدان التي توفر المساعدة العسكرية للعراق أن تعزز الرقابة على الوجهة النهائية للمعدات المُقدّمة. على هذه الدول أيضا ضمان أن الجهة المتلقية تحترم حقوق الإنسان. ويتضمن ذلك نشر تقارير علنية عن التحقيقات في إساءة استخدام المساعدات والخطوات لتصحيح الخلل. وينبغي أن تدعم هذه الدول إنشاء أدوات لمراقبة المليشيات والسيطرة عليها، بإشراف مدني، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب. وإن أخفق العراق في ذلك خلال عام واحد، فإنه يجب إيقاف المساعدات بمقدار هذا الإخفاق".
وقال جو ستورك: "يجب ألا يُنظر إلى الانتقام والعقاب الجماعي كجزء من استراتيجية لهزيمة داعش".
وأضاف أن "على العراق ضمان تحقق المساءلة الفردية على الجرائم، بغض النظر عما إذا كان مرتكبوها من المتطرفين السنة أو من عناصر المليشيات الشيعة".