نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في نسخته الفرنسية، تقريرا حول
صراع جهاز الرئاسة وجهاز المخابرات في
الجزائر، قال فيه إن
بوتفليقة يظن من خلال تسريحه بعض
جنرالات المخابرات أنه انتصر في معركته، ولكن الحقيقة هي أن هذا الجهاز، كما في بقية الدول غير الديمقراطية، أكثر تعقيدا وقوة من أن يموت بمجرد رحيل بعض قياداته.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن الصراع بين الرئاسة والمخابرات أصبح شبيها بالأفلام الأمريكية، ففي نهاية آب/ أغسطس المنقضي، تم إصدار مذكرة توقيف في حق مدير قسم مكافحة الإرهاب، عبدالقادر آية عرابي، المعروف بالجنرال حسان، بتهمة التعاون مع العدو.
وبحسب محامي
الجنرال حسان؛ فإن هذا الأخير يواجه تهمة التعامل مع مجموعات إرهابية، وحيازة وتخزين أسلحة بشكل غير قانوني، "وقد كشفت تسريبات في الإعلام الجزائري أنه تم الإفراج عنه، وهو ما نفته عائلته، وسط تضارب في المعلومات والقرارات؛ يكشف عن حجم الصراع الدائر بين أجنحة الدولة الجزائرية".
وذكر التقرير أن هذا الصراع تتزعمه شخصيتان سياسيتان هما الأكثر نفوذا في البلاد، وهما الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة البالغ من العمر 78 عاما، والذي يقضي فترته الرئاسية الرابعة وسنته الخامسة عشرة في السلطة، ويسير على كرسي متحرك منذ تدهور حالته الصحية في ربيع عام 2013، ومحمد لمين مدين المعروف بالجنرال توفيق، البالغ من العمر 76 سنة، وهو رجل غامض يقود جهاز المخابرات منذ 25 سنة، وتعود آخر صورة التقطت له إلى عام 1990.
ووُصف هذان الرجلان بأنهما يمثلان وجهين لنظام ثنائي الأقطاب، تميل كفته في الوقت الراهن إلى صالح الرئيس بوتفليقة، بحسب رأي أحد مستشاري الرئاسة، الذي أكد أن "بوتفليقة يسعى لإضفاء صبغة أكثر مدنية على نظام الحكم".
ونقل التقرير عن مراد قميري، رئيس الجمعية الجزائرية للدراسات الأمنية، قوله إن "الرئيس بوتفليقة لم يسامح الجيش أبدا، وخاصة جهاز الأمن العسكري الذي يقوده قصدي مرباح، الذي حاول إقصاءه في الماضي مفضلا عليه الجنرال شاذلي بن جديد، عندما أعد مرباح ملفا حول بوتفليقة وصفه فيه بأنه شخص مشكوك فيه، وبأنه مرتبط بقوى أجنبية، وهو ما أثر على حظوظه وقتئذ في تسلق سلم السلطة".
ونقل عن الباحثة السياسية لويزة آيت حمدوش، قولها إن "هذا العداء بين العسكريين والسياسيين يعكس خاصية النظام الجزائري، الذي لطالما كان ثنائي الأقطاب، ولم يكن مرتبطا فقط بصراع بوتفليقة ومدين".
وذكر التقرير أن عمار سعداني، الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية للتحرير وأحد المقربين من بوتفليقة، كان أول من تجرأ على ذكر اسم الجنرال مدين، عندما اتهمه بـ"الفشل في حماية الرئيس بوضياف الذي تعرض للاغتيال في عام 1992، والفشل في حماية الرهبان الفرنسيين في دير تبحيرين، والمنشآت الغازية في الجنوب، والموظفين الأمميين في الجزائر، وقصر الحكومة الذي استهدف في سنة 2007".
وأشار التقرير إلى أن الرئيس بوتفليقة شرع في القيام بتغييرات تهدف إلى إضعاف جهاز المخابرات، من خلاله فصله عن أغلب فروعه، على غرار مركز الاتصال والبث، المسؤول عن مراقبة الإعلام، وإدارة الشرطة القضائية، التي فتحت تحقيقا في شبهة الفساد ضد أحد أبرز مقربي الرئيس، وهو وزير الطاقة السابق شكيب خليل، الذي تورط في فضيحة شركة الطاقة سونطراك.
وتابع: "بهذا لم يتبقَ لجهاز الاستخبارات سوى ثلاثة أذرع مهمة؛ هي جهاز مكافحة التجسس، والاستخبارات الخارجية، وإدارة مراقبة النقاط الحساسة مثل الأحزاب والوزارات والنقابات".
وذكر التقرير أن العداء بين بوتفليقة وهؤلاء الجنرالات لم يبدأ في عام 2013، بل هو يعود إلى 2004، عندما دفع هؤلاء الصقور بعلي بن فليس للترشح ضد عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية، رغم أنه كان يشغل منصب رئيس حملة بوتفليقة، ورئيس حكومته، وكان من أبرز مقربيه، ورغم أن بوتفليقة انتصر في النهاية؛ إلا أنه لم ينس هذه الخيانة أبدا.
ونقل عن لويزة آيت حمدوش قولها إن "العلاقة بين جنرالات المخابرات والرئاسة كانت تتسم بالتكامل أحيانا، عندما يتعلق الأمر بمواجهة التحديات الأمنية، والعداء في أحيان أخرى عندما يتعلق الأمر بالصراع على السلطة، وهو أمر معتاد في كل الدول النامية التي ما زالت تتلمس طريقها نحو إرساء الديمقراطية".
وبحسب التقرير؛ فإن رجال المخابرات يعدون مساعي بوتفليقة لإضعاف جهازهم "مساعي عبثية"، حيث يؤكد الكثيرون منهم أن "هذا الجهاز ليس موجودا بصفة رسمية، ولا يخضع لأية قوانين، حتى إن القرار الذي تكونت بموجبه المخابرات لم يتم نشره بشكل رسمي، وبالتالي فإن بوتفليقة يمكنه أن يلعب معها، أو يغير قيادتها، ولكن لا يمكنه إنهاء وجودها، أو الحد من نفوذها".
ونقل التقرير في هذا السياق، عن أحد قدماء ضباط حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، قوله إن "
المخابرات الجزائرية تتجاوز الرئيس بوتفليقة والجنرال مدين أيضا، اللذين لا يمثلان أكثر من واجهة لصراع خفي متواصل منذ الخمسينيات، وبالتالي فإن هذه الوضعية التي وجدت قبلهما ستتواصل بعدهما، وجهاز المخابرات لن يموت، لأنه وجد في الجزائر حتى قبل الاستقلال".