أضرب العشرات من أمناء الشرطة بمديرية أمن الشرقية عن العمل فاعتصموا وأغلقوا أبواب ستة مراكز وأقسام للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والمالية. وتضمنت قائمة مطالباتهم الموافقة على علاجهم بمستشفيات الشرطة وصرف العلاوات المتأخرة وزيادة بدل مخاطر العمل ورفع قيمة بدل الغذاء، وغير ذلك من الطلبات التي باتت تشكل هاجسا يؤرق كثيرين من العاملين في مختلف القطاعات.
ورغم أن الظاهرة ليست جديدة، لا من حيث أصداء الإضراب ولا من حيث طبيعة الداعين إليه والمشاركين فيه، إلا أن مصدرا أمنيا لم يفته أن يلفت الانتباه إلى أن أفرادا من جماعة الإخوان لهم دورهم في تحريض أمناء الشرطة على الإضراب.
لم ينتبه المصدر المذكور إلى خطورة دلالة اختراق عناصر الإخوان للشرطة إلى الحد الذي يمكنهم من الإقدام على إغلاق ستة مراكز وأقسام في محافظة واحدة. ذلك أن الخبر إذا صح فهو يعني أن الجماعة رغم اعتقال أكثر من 40 ألفا من أعضائها، ورغم الضربات القاصمة التي وجهت إليها في العامين الأخيرين، مازالت قادرة على الوصول إلى معاقل الأمن، وهو اعتبار غاب عن ذهن المصدر الأمني في ثنايا حرصه على ترديد الحجة التي باتت تطلق في مواجهة أي حدث يراد استنكاره، وهو ما لم أستغربه؛ خصوصا بعدما ادعى الإعلامي الذي جرى توقيفه تنفيذا لحكم بحبسه ستة أشهر في قضية نفقة رفعتها ضده طليقته، أن الإخوان وراء حبسه، وشاعت التهمة حتى سخرت منها واحدة من المدونات في واقعة أخرى، حين تم القبض على سيدة قدمت "كليبا" إباحيا واتهمت بالترويج للفجور. ولكن المدونة لاحظت أن صاحبة الكليب لم تفعل أكثر مما تفعله أخريات أغانيهن مباحة في الأسواق. وقالت إنه إزاء ذلك لا يمكن أن يكون الكليب هو سبب اعتقالها ومحاكمتها، وخلصت إلى أن التهمة الحقيقية التي بسببها تم توقيف صاحبة الكليب الإباحي، هي لابد أن تكون بسبب انتمائها إلى جماعة الإخوان!
الشاهد أن كل من يريد أن يداري مشكلة أو فضيحة من أي نوع أصبح يغطي موقفه بحكاية الإخوان؛ فإذا انقطع التيار الكهربائي أو تأخرت القطارات في مواعيدها، أو شحت أنابيب البوتاجاز في أي مدينة أو قرية، فإن الإخوان يصبحون السبب. حتى في مذبحة ستاد بورسعيد ومظاهرات الاحتجاج على قانون الخدمة المدنية، فضلا عن مظاهرات طلاب الجامعة، فإن المصادر الأمنية والأبواق الإعلامية تضع الإخوان على رأس المتهمين، إن لم يكن المتهم الأوحد. ولا يُنسى أن مجلس الوزراء نفسه وقع في ذلك الفخ حين عقد اجتماعا في اليوم التالي لتفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية في 23 ديسمبر عام 2013، فأصدر بيانا ألصق التهمة بالإخوان، وبسبب ذلك فإنهم اعتبروا جماعة إرهابية. لكن جماعة أنصار بيت المقدس أعلنت في 10 أبريل عام 2014 أنها التي قامت بالتفجير، وبثت تسجيلا مصورا للعملية ذكرت فيه اسم الشخص الذي نفذها (إمام مرعي محفوظ الذي اشتهر باسم أبو مريم).
هذا الأسلوب في التعامل مع الأحداث ربما حقق المراد منه في شيطنة الإخوان، وهو ما يخدم الصراع القائم في
مصر، إلا أنه بالمبالغات التي يلجأ إليها يصورهم باعتبارهم قوة عظمى مهيمنة على مفاصل المجتمع المصري ولها أصابعها في مختلف أنحاء العالم. وتلك دعاية غير مباشرة لهم تعطيهم حجما أكبر من اللازم، وتكاد أن تضعهم في موقف الند الذي يصارع الدول الكبرى. إلا أن الأهم من ذلك أن التسرع في هذه الإحالات إذا حقق بعضا من الأهداف السياسية التي تخدم الصراع الحاصل، فإنه يصرف الانتباه عن جوهر المشكلات وحقائقها الأساسية. فقضية أمناء الشرطة في محافظة الشرقية مثلا تطمس وتترك لتستفحل إذا تم اختزالها في تحريض جماعة الإخوان، إذ كان الأولى أن يعلن عن محاولة تقصي حقيقة ما يشكون منه، خصوصا أنها ليست المرة الأولى التي ينفجر فيها غضب هذه الفئة من العاملين بالشرطة. فقد غضبوا من قبل في مطار القاهرة وفي وزارة الداخلية وتم احتواء توترهم بصورة أو أخرى. وكان من نتيجة الإلحاح على الربط بين الإخوان وكل حادث أو عملية وقعت في مصر، أن صرف الانتباه عن جماعة أنصار بيت المقدس التي توحشت بمضي الوقت، ونقلت نشاطها من سيناء إلى الدلتا، والتحقت بتنظيم داعش وتطلعت لأن تقيم ما أسمته ولاية سيناء على أرض مصر. ليس ذلك فحسب، وإنما صارت تلك الإعلانات ستارا يخفي مشكلات حقيقية في العديد من قطاعات الدولة. وزارات الكهرباء والسكة الحديد والبترول مثلا، كما أنها لم تتح للمسؤولين وأهل الاختصاص دراسة مشكلات الشباب الذين يتظاهرون، داخل الجامعة وخارجها.
صارت الإحالة إلى الإخوان مهربا من المسؤولية، مرادفا للمثل الشائع «الحق على الطليان». ومن المفارقات أن المصطلح له خلفية مختلفة عما هو شائع بين الناس. ذلك أن كثيرين يحيلون إلى الطليان بمظنة أنهم أهل إيطاليا الذين هم خارج العالم العربي ويجهلون أموره. لكن الحقيقة غير ذلك، لأن الطليان عند العرب جمع «طلي» وهو الحمل أو الخروف الصغير.
وتشير المراجع إلى أن العبارة لها قصة، خلاصتها أن أعرابيا علق أجراسا في رقاب قطيعه من الخراف لتمييزه عن غيرها. وكلف آخر بأخذها إلى المرعى، لكن صاحبنا هذا غلبه النوم، فتسلل ذئب وأكل أحد الحملان في غفلة منه، وحين اكتشف ذلك صاحب القطيع وعاتب الراعي على ما وقع، فإنه رد عليه قائلا إن الحق على الطليان. وكان يعني أن الأجراس التي علقت في رقاب الخراف هي التي نبهت الذئب إلى وجود القطيع فقصده وفعل ما فعل. ومنذ ذلك الحين شاعت الجملة وصارت غطاء للتنصل من المسؤولية والإحالة إلى الآخر. وباقي القصة تعرفه إذا تذكرت ما تردد عن هجاء الإخوان ووصفهم بالطليان في أجواء الصراع الذي شهدته مصر في العامين الأخيرين.
(صحيفة الشرق)