كتاب عربي 21

قناة السويس وباب المندب - عنق الزجاجة

نيفين ملك
1300x600
1300x600
في الوقت الذي يتم الترويج فيه للحفل الأسطوري لافتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، التي قدمتها هيئة قناة السويس للرأي العام المحلي والعالمي على أنها هدية مصر للعالم، عنونت جريدة الإندبندنت البريطانية في تقرير أعدته روث ما يكلسون، والتي زارت مدينة الإسماعيلية قبل أيام من الافتتاح الرسمي، والذي يرى البعض أنه احتفال مبالغ فيه ويعول عليه النظام كثيرا لتلميع صورته. 
قالت الإندبدنت: قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم، ولكن هل هناك حاجه فعليه لها؟ 

وطرحت الصحيفة سؤالا هاما هو ما الجدوى من هذا المشروع الذي تسوقه الحكومة المصرية على أنه مشروع ضخم وتقدم التوقعات التي تفرط في التفاؤل لعائدات المشروع بحيث يزيد هذا المشروع طبقا لتفاؤل الحكومة غير الموضوعي من عائدات قناة السويس السنوية أكثر من الضعف بحلول عام 2023، ليرفعها من نحو 3.2 مليار جنيه إسترليني حاليا إلى نحو 805 مليار جنيه إسترليني، ويوضح تقرير الإندبندنت أن الجدوى من المشروع قد لا تكون بهذا الحجم في الواقع، حيث تعتمد حركة الملاحة في قناة السويس على مرور حاويات النفط والغاز المسال من الشرق الأقصى والشرق الأوسط باتجاه أوروبا. 

ويضيف التقرير أن المشروع يضاعف حجم حركة العبور في قناة السويس، لكن الحركة فيها أصلا ليست بهذا الحجم حاليا؛ حيث إن حجم التجارة العالمية والأوروبية بشكل خاص في تراجع منذ عام 2005، وعن التوقعات بالنسبة لحركة التجارة العالمية، يقول عمر الشنيطي الخبير الاقتصادي المصري: (لقد بنوا حسابات الأرباح على توقع تضاعف عدد السفن المارة بقناة السويس من 48 حاليا لـ97 في سنة 2023. 

والحقيقة أن هذا مستحيل؛ لأن التوقعات بزيادة حجم التجارة العالمية أقل بكثير جدا من تلك الأرقام، فحجم السفن المارة من قناة السويس مرتبط في شكل أساسي بحركة التجارة العالمية، التي تزيد بنسبة 3.2% في الفترات العادية دون فترات الركود، وهو ما يثير القلق في حقيقة تحقيق الأرقام المرجوة والنتيجة الأرجح أن المشروع لن يغطي حتى تكاليفه).

ويتساءل الخبير: هل يعقل أن يتم سحب عشرات المليارات من السوق المصري في مثل هذا التوقيت الحرج للاقتصاد الوطني، ليتم وضعها في مشروع من هذا القبيل؟؟ ومن المرجح أن العائد المالي من شهادات الاستثمار سيتم تمويله من أرباح قناة السويس.. وبالتالي هناك مشكلة في الجدوى الاقتصادية، التي ستؤثر على صافي الدخل للقناة الذي كان يخصص لسد العجز وتمويل جزء من الموازنة العامة.

وكتبت ايزابل إيسترن تحت عنوان (قناة السويس الجديدة-أساطير وحقائق): (تمكنت الحكومة، عبر بيع شهادات استثمار قناة السويس، من توفير 64 مليار جنيه خلال أسبوعين. وأتى 88 بالمئة من هذا المبلغ من المواطنين المصريين. لعب "الشعور الوطني"، بجانب الفائدة التي تبلغ 12%، دور الحافز الأساسي لمعظم من اشتروا شهادات الاستثمار. غير أن التمويل الذي تم توفيره لم يكن كافيا لحفر القناة، واحتاجت الحكومة إلى قرضين إضافيين من بنوك محلية يقدران بـ850 مليون دولار). 

والمتابع للصحف العالمية يلمس قدرا من الموضوعية في تناول هذا المشروع، الذي للأسف يتعامل معه الإعلام المحلي وكأنه الفتح المبين والفنكوش المنتظر بعيدا عن التناول الموضوعي المهني الذي يسعى لتعميق الحوار والتناول المتخصص، وتاريخ مصر القريب شاهد على مثل تلك المشاريع الاستعراضية، التي تهدف لتلميع الحاكم الفرد وتشتيت الانتباه عن المشكلات الأساسية سياسية كانت أو اقتصادية ومديرية تحرير ناصر وتوشكي مبارك أدلة من الماضي القريب. 

وشخصيا، لم أتوقف كثيرا عند التخوفات الاقتصادية، ولكن شغلني أكثر الهم الأمني الذي لا يهدد فقط التفريعة الجديدة، لكنه التهديد الأكبر المرتبط ببقاء قناة السويس ومضيق باب المندب مفتوحين أمام الملاحة في ظل مشهد أمني مضطرب وتسارع وتيرة التهديدات وتلك الحرب الطويلة التي يلوح بها الأمريكان لتمتد من العقود وتسليم المنطقة لقوى إقليمية تسلمها الإدارة الأمريكية الآن، البعض من مفاتيح اللعبة، وبدون شك، وبعد توقيع الاتفاق مع ايران، ستدخل المنطقة في حرب مفتوحة، وذلك على عكس ما يروج له الأمريكان وحلفاؤهم. 

وعلى الرغم من الجهود التي يتم بذلها لتطويق هذا السقوط، ولكن من يتابع بقليل من الموضوعية سيدرك أنها فقط البداية لصراع مستمر ومفتوح، والانقضاض على ثورة اليمن، وتسليح فصائل اليمن، ستحول المشهد لحلبة صراع مفتوحة على كل الاحتمالات، والتخوفات من الهيمنة الإيرانية على باب المندب، والعبث بمستقبل اليمن وشرعيته، تأخذك لأخبار من قبيل التقارب الإيراني المصري من خبر السماح للمصريين من دخول ايران دون فيزا، وسياق أخبار عن ترحيب القاهرة بوفود من الحوثيين، وغيرها من الإيماءات، وتمثلت بالسماح للحوثيين بتنظيم معرض بعنوان "أوقفوا العدوان على اليمن"، إضافة إلى إجراء لقاءات بين شخصيات مصرية محسوبة على النظام وبين قيادات في حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده المخلوع علي عبد الله صالح، وبشكل يتناقض مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وأنصار المخلوع، لا سيما أن مصر إحدى هذه الدول المشاركة في هذا التحالف. 

وكانت جماعة الحوثي المسلحة قد نظمت ندوة ومعرضا للصور الفوتوغرافية حمل عنوان "أوقفوا العدوان على اليمن"، بحسب صحيفة القدس العربي.

وبحسب تصريحات عن القائمين على الفعالية، التي أقيمت في ساقية عبدالمنعم الصاوي (مركز ثقافي مصري)، في حي الزمالك، في العاصمة المصرية القاهرة، فإنها تهدف إلى ما أسموه "فضح العدوان السعودي على اليمن"، إضافة إلى كسر الحصار الإعلام المضروب على العدوان على اليمن، والاضطرابات المتوقعة في المشهد اليمني، والتحالف مع الثورة المضادة، وغيرها من قوى إقليمية خارجيا، وزيادة القمع داخليا، وضعف المجتمع المدني في مصر، وغياب القانون، واستمرار النهج الأمني في التعاطي مع المشكلات السياسية، وإنكار انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية، وأعداد الاعتقالات غير المسبوقة. 

كل تلك المشاهد التي تفت في عضد الدولة وتسلبها قوتها الحقيقة في تأمين أراضيها وأمنها القومي بل وتفتح الروافد لتنامي الفكر الجهادي، وتقوية تنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء، التي قد تجد لها بيئة حاضنة مع إخفاقات النظام السياسي في التعامل مع أهل سيناء، والاعتماد فقط على الحلول الأمنية والقوة المطلقة.

وحاجة شعوب المنطقة، وخاصة دول الربيع العربي لحركات التحرر السلمي، والانتقال الديمقراطي، وبناء دول المواطنة، كانت ولا زالت هي الرهان الحقيقي لاستقرار الشرق الأوسط. 

ولمن لديه القدرة والشجاعة والمصداقية والتحلي بالمسؤولية للبحث عن معنى السلام العالمي، عليه أن يراجع حساباته، ويقف عن دعم أنظمة فاسدة، انتهت صلاحيتها، ولم تعد قادرة على الحياة إلا عبر أنابيب الاستبداد وامتصاص دماء الشعوب. 

وعلى الشعوب العربية أن تؤمن فقط بقوتها في صناعة التغيير، وقدرتها على الصمود والنضال أمام وحشية الإمبريالية، وبناء جبهات وطنية واعية تناضل بمسؤولية وعزيمة لا تفتر، لتقود مجتمعاتنا لمشروع تحرر واستقلال وطني شامل. 

حلم التحرر السلمي والتحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة هو السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة.
التعليقات (2)
هشام ميشلان
الجمعة، 07-08-2015 02:29 ص
التفريعة الجديدة تفريعة عسكرية و ليست تجارية . التفريعة الجديدة أو قناة السويس الجديدة أو المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس الهدف منه عسكري بالدرجة الأولى , و لا علاقة له بالاقتصاد , و الأرقام التي أدلى بها الخبراء الاقتصاديون تؤكد ذلك , فالعالم خلال الفترة الحالية يستعد لحرب طاحنة حيث تشهد المنطقة حول هذه القناة توترات سياسية و عسكرية خطيرة ستتسبب في موجة من المواجهات العسكرية الكبرى ، وبالتالي نقل أسلحة وتحرك أساطيل عالمية ، إضافة إلى أمان حركة التجارة العالمية . وعلى الرغم من أن مصر هي الدولة التي تقع بها قناة السويس ، إلا أنه لا يمكن للدولة المصرية التحكم بحسب أهوائها في عملية مرور السفن بحسب اتفاقية القسطنطينية , فعند وقوع مصر تحت وطأة الاحتلال البريطاني بعد العام 1880 وسيطرة بريطانيا على قناة السويس ، سعت فرنسا والتي كانت تملك حصة كبيرة من أسهم القناة لإضعاف سيطرة إنجلترا وتدويل القناة ، وهو السبب المباشر في انجاز الاتفاقية . وقعت الاتفاقية في 29 أكتوبر 1988 بمعرفة 9 أطراف هم “المملكة المتحدة وألمانيا والنمسا والمجر وهولندا , إضافة إلى إسبانيا و فرنسا و روسيا و الدولة العثمانية ,و جاءت الاتفاقية في 17 مادة ، أهمها مادتين هما الأولى والعاشرة تضمنتا مرور السفن في قناة السويس في حالات الحرب والسلم ، وحيادية المجرى الملاحي لقناة السويس ، ومرور جميع سفن الدول دون تمييز إلا في الحالات التي يرى الخديوي فيها الدفاع عن مصر وصون النظام العام . ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ الفعلي في العام 1904 نظرًا لإدراج بريطانيا تحفظات وصفتها بالخطيرة في ذلك الوقت على إثر صراعها مع فرنسا , والقناة اليوم تعمل من خلال اتفاقيات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية , و لا يحق لمصر طبقًا للمعاهدات منع السفن إلا في 4 حالات هي الحرب المعلنة المباشرة مع مصر، والسفن التي تحوي سلاحًا غير شرعيا ، والسفن التي تحمل المواد المخدرة ، والسفن التي تتورط في تهريب ونقل الأعضاء والاتجار في البشر , بينما يمكن للقطع الحربية ” النووية ” أن تعبر وفق شروط معينة ، أهمها هي عدم التأثير على البيئة ، وعدم استخدام محركاتها فيتم تعويمها باستخدام القاطرات المختلفة ، وموافقة لجنة من خبراء البيئة . ولذلك فإن مصر لم تتدخل لمنع السفن العابرة إبان حروب الخليج المتتالية وأحداث المنطقة الأخيرة من صراعات في سوريا واليمن وليبيا . وحتى دخول المعاهدة في حيز التنفيذ الفعلي عام 1904، لم تكن بريطانيا مستعدة لترك المجرى الملاحي كمجرى محايد ، خاصة مع دخول فترات الحروب العالمية , حيث أعلنت مصر في 5 أغسطس 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى ، أن القناة ستكون مفتوحة للسفن من جميع الدول ، إلا أن بريطانيا حولت احتلالها إلى محمية بريطانية ، ومنعت سفن الأعداء من مرور القناة بحجة أمن القناة , وحاولت بريطانيا الحفاظ على امتيازاتها من خلال إعلانات أحادية الجانب ، ثم وقعت اتفاقية المعاهدة “الأنجلو مصرية” في 1936، والمعروفة بمعاهدة 36، والتي منحت بريطانيا حق الوصاية على مصر وشرعية وجود بريطانيا بالمنطقة وبالاحتفاظ بقوة دفاعية على امتداد منطقة قناة السويس ، ثم تم إلغاء تلك المعاهدة في عهد حكومة النحاس باشا . وعقب ذلك استخدمت الفقرة العاشرة من المعاهدة مرتين ، واحدة لتبرير تصرفات البريطانيين في الحرب العالمية الثانية ، وكذلك استخدمتها مصر ضد السفن الإسرائيلية بعد 1948 . وبحسب هيئة قناة السويس فإن اتفاقية القسطنطينية تسري على التفريعة الجديدة أو قناة السويس الجديدة أيضًا ، وذلك لأن القناة ليست مستقلة كما يتبادر للأذهان من اسم المشروع , فالقناة الجديدة هي عبارة عن مسار يعمل على ازدواج قناة السويس الأصلية ، وليست قناة منفصلة أو مستقلة بذاتها ، وقد أطلق على المشروع هذا الاسم نظرًا لكبر حجمه ولأهداف عسكرية بحتة , ولذلك فإن المجرى الجديد والذي سيستخدم كازدواج للقناة الجديدة يقع بكامله في نطاق قناة السويس الأصلية ، ولا يمكن أن يخرج عن أي اتفاقية دولية وقعت عليها مصر بما فيها ” القسطنطينية ” . و عندما بدأت الأزمة السورية , باتت قناة السويس محور اهتمام عالمى ، خاصة فى إسرائيل وأمريكا وحلفائها جراء عبور بوارج حربية إيرانية و صينية للمجرى الملاحى للقناة وأتمت إبحارها لسوريا عبر البحر المتوسط , لكن إسرائيل رفضت الأمر برمته وتناست أن بوارجها الحربية وغواصاتها سبق وعبرت القناة فى طريقها لسواحل إيران القريبة من الخليج العربى ، وأن القناة استندت فى عملية عبور البوارج على الاتفاقيات الدولية واتفاقية السلام مع إسرائيل ، وبالتالى فإن القناة لا يمكنها منع سفن إيران الحربية ، لأن القناة تلتزم بالاتفاقيات الدولية , و القناة لا تمانع فى عبور أي سفن إيرانية من القناة حربية كانت أو غيرها وفقا للاتفاقيات الدولية ، إن الاتفاقيات واتفاقية السلام هى التى سمحت لإسرائيل باستخدام القناة كممر مائى , وعبرت عشرات القطع الحربية الإسرائيلية والغواصات عبر المجرى الملاحى ، وهى نفسها التى سمحت بعبور قطع حربية نووية وبوارج حربية غربية شنت الحرب ضد العراق. و اليوم و بعد افتتاح هذه التفريعة الجديدة , و الخطاب الذي أدلى به السيسي و الذي طغت عليه نبرة الحرب و ليس نبرة الأرقام و الاقتصاد , يوحي بأن العالم مقبل على أزمات عسكرية في المنطقة , و سوف يتطلب عبور البوارج الحربية و حاملات الطائرات و الغواصات النووية , و كل ذلك بترتيبات و حسابات عسكرية و ليس بترتيبات أو حسابات تجارية دولية , فكان لا بد من هذه الهدية القيمة للعالم في حربه الثالثة الوشيكة .