بعيدا عن أسرتها والهواء الذي اعتادت أن تستنشقه كل صباح، تقضي
الحجة فتحية خنفر مدة محكوميتها في سجون
الاحتلال.
بدأت الحكاية قبل عامين؛ فبخطوات مثقلة بهم عمر لم يسعد براحة، حملت الحجة فتحية خنفر "أم رائد" حقيبة ملابسها فجر الأحد الماضي، واتجهت إلى سجن الرملة الإسرائيلي، تنفيذا لحكم إسرائيلي بسجنها فعليا 11 شهرا، بتهمة محاولة تهريب شريحة هاتف نقال لنجلها رامي المحكوم (15 عاما).
الحاجة الستينية التي تسكن بلدة سيلة الظهر جنوب مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، تحاملت على أمراض جسدها، ومنعت دمعاتها من أن تنهمر على وجنتيها، متجهة إلى غرفة تمنع عنها الشمس ومشاغبات أحفادها.
وكانت محكمة بئر السبع المركزية أصدرت قبل نحو شهرين حكما بسجنها فعليا 11شهرا، وذلك بعد أن عقدت لها أكثر من 21 جلسة محكمة.
واعتقلت الجدة في 3 شباط/ فبراير 2013 مع حفيدتيها حلا وجنى (6 و7 سنوات)، اللتين كانتا رفقتها، بعد أن ادعت سلطات الاحتلال أن بحوزتها شرائح هاتف خلوي تنوي تهريبها لابنها السجين، وهو الأمر الذي نفته.
وبعد يومين من الاعتقال، أطلق الاحتلال سراح الطفلتين، واحتجزت جدتهما في سجن خاص بالنساء، وشرعت بالتحقيق معها في ظروف صعبة.
واستمرت سلطات الاحتلال باعتقالها 16 يوما، وعزلتها لعدة أيام داخل زنزانة انفرادية، ثم أفرج عنها بكفالة مالية تجاوزت عشرة آلاف دولار.
وحولت بعدها للحبس المنزلي مدة 10 أشهر لدى كفيل من مدينة رهط، وأجبرت على دفع كفالة مالية قدرها 25 ألف شيكل، وأفرج عن خنفر وعادت لمنزلها في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بانتظار المحاكمة إلى أن صدر الحكم الأخير بحقها.
تعاني من أمراض عدة
ونفى سليمان خنفر نجل الأسيرة العجوز اتهام الاحتلال لها، وقال لـ"عربي21": "ذهبت والدتي لزيارة أخي رامي في سجن النقب والمحكوم عليه 15 عاما، وعند وصولها إلى مرحلة التفتيش أعطيت شريحة هاتف نقال من قبل إحدى الزائرات ليتم اتهامها بتهريب الشريحة".
وأضاف خنفر: "تم تحويل والدتي للحبس المنزلي، لتسكن لدى عائلة في مدينة رهط في النقب لمدة 10 أشهر، مقابل كفالة مالية قدرها 25 ألف شيقل".
وحول وضع والدته الصحي، قال الابن إن والدته تعاني من التهابات في الرئة والقلب، وآلام في الظهر والرجلين؛ "والدتي الآن داخل سجن الرملة وبحاجة إلى الرعاية الصحية اللازمة والضرورية ونحمل حكومة الاحتلال كامل المسؤولية تجاه حياتها".
وأضاف: "هذا الحكم ظالم بحقها، فهي امرأة مسنة ومريضة، ولا تقوى على المعاملة السيئة وعلى العيش داخل السجون؛ لجأنا للعديد من الجهات المعنية الرسمية والمحلية والدولية من أجل الضغط على حكومة الاحتلال لرفع الظلم عن والدتي، ولكن لا مجيب".
انتهاك لحقوق الإنسان
بدوره، قال مسؤول العلاقات العامة والإعلام في هيئة شؤون الأسرى والمحررين قاسم عواد، إن ما حدث مع الحجة فتحية "انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وإمعان في سياسة الاعتداءات والجرائم الصهيونية المستمرة ضد الإنسانية بشكل عام.. ويدل على أن هذا المحتل ضرب بعرض الحائط كل مخاوفه من أن نقوم بالدفاع عن أرضنا
الفلسطينية بشتى الوسائل، فالحاجة فتحية تعرضت قبل ذلك للسجن المنزلي لعدة أشهر؛ بدعوى عقابها بتهمة محاولة تسهيل الواقع الاعتقالي عن ابنها الأسير البطل رامي خنفر".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن ما الأحكام التي صدرت بحق الأسيرة الجدة، يمثل "سلوكا عدوانيا من قبل الاحتلال، ويدل على مدى بشاعة هذا المحتل وعنصريته وعدم إنصافه، ويؤكد على أن محاكم الاحتلال الهزلية لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنما تخضع أيضا لسياسات هذا الاحتلال وشرعنة احتلاله، وهنا يجب التحرك السريع عبر القيادة الفلسطينية لإنقاذ الحاجة فتحية".
واعتبر الناشط في مجال الأسرى عماد الدين إشتيوي الظروف التي مرت بها الحجة فتحية، نتيجة سياسة ممنهجة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي للتضييق على أهالي الأسرى وعلى الأسرى داخل السجون.
ونوه في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن حُجة اعتقال الأسيرة الجدة هو "مخالفة لقوانين الاحتلال المفروضة على الأسرى وأهلهم، وهذا جزء من المقاومة والتحدي لدعم الأسرى، وهذا مؤشر خطير على أن يتم اعتقال أهالي الأسرى في ظل غياب صوت المؤسسات الدولية، فالاحتلال معروف بإجراءاته القمعية المشددة بحق أبناء شعبنا.. وأن المرأة الفلسطينية تعرضت على مدار السنين لظلم الاحتلال".
وفي ظل هذا الوضع، استدرك اشتيوي بقوله: "نحن نخجل من هذا الموقف الذي وقعت فيه الأم المناضلة، وأن لائحة الاتهام التي قدمت بحق الحجة هي جزء من المقاومة، ولكن إذا لم نقف بشكل جيد أمام هذه المهزلة الإسرائيلية سيكون هناك آلاف من الأمهات داخل السجون الإسرائيلية.. وعلى الجميع أن يقف أمام مسؤولياته قبل فوات الأوان".
معاناة أهالي الأسرى
وأكد نادي الأسير الفلسطيني في بيانات مختلفة سابقة، أن معاناة أهالي الأسرى تفوق معاناة الأسرى أنفسهم، حيث يدفعون ثمنا قاسيا خلال الزيارات والمشقة التي يتحملونها، وما يتعرضون له من إهانات وإذلال على يد الحواجز العسكرية والسجانين.
وأضاف أن الزيارات للأسرى أصبحت مذلة، ولا جدوى منها في ظل استمرار هذه الزيارات عبر الفاصل الزجاجي أو البلاستيكي وبواسطة جهاز التلفون؛ حيث تفتقد الزيارة لكل المعاني الإنسانية والأخلاقية.
وكانت لجنة "الدستور" البرلمانية التابعة لـ"الكنيست" الإسرائيلي، قررت الشهر المنصرم تبنّي توصية وزير "الأمن الداخلي" جلعاد أردان، فيما يتعلّق بمنع الأسرى الفلسطينيين من التواصل مع عائلاتهم بإجراء محادثات هاتفية معهم.
ورغم أن القوانين الإسرائيلية تنص على أن الاتصال الهاتفي من حق كل أسير في المعتقلات الإسرائيلية، إلا أن إدارة السجون تقرّ أن هذه المكالمات لم تكن متاحة لهم أصلا، وأنها غير مستعدة لمنحهم هذا الحق، بذريعة الخشية من محاولة تنفيذ عمليات.